"الجينز" المستدام.. هل يمكننا إعادة تصميم القطعة الأشهر في العالم؟


سلمى عرفة
السبت 06 ابريل 2024 | 10:48 مساءً

قبل أكثر من مائة عام، تلقَّى أحد خياطي ولاية نيفادا الأمريكية طلباً بتنفيذ بنطال ذي نسيج متين يمكن لعامل في حمل وتقطيع الأخشاب ارتداؤه، لتطرأ على ذهنه فكرة غير تقليدية، وهي تنفيذ تصميم يحتوي على دعامات معدنية تمنع تمزقه.

هذا الخياط هو جيكوب ديفيس الذي سيصبح فيما بعد، بالشراكة مع تاجر الأقمشة ليفاي ستروس، صاحب أول علامة تجارية للبنطال "الجينز" الذي سيستعين به عمال المناجم ورعاة الماشية لمواجهة البيئة القاسية التي يعملون بها، قبل أن يغزو العالم بأكمله.

ماذا عن نسخة اليوم؟

بنطال الجينز الذي تحويه خزانة ملابسك، يختلف كثيراً عن النسخة التي عرفها العالم في القرن التاسع عشر؛ فهو أقل سُمكاً، ولونه ليس بالقتامة نفسها، وقابل للتمدد، ورغم أنه يوفر لك المزيد من الراحة، فإن إنتاجه يسبب المزيد من الأضرار البيئية.

بحسب موقع جامعة ولاية جورجيا الأمريكية، تصل كميات المياه اللازمة لصبغ بنطال "جينز" واحد إلى 100 لتر، وغالباً ما تصل تلك المياه إلى المسطحات المائية وتسبب تلويثها.

صحيفة "واشنطن بوست" استعرضت في، تقرير جديد، الممارسات التي تلجأ إليها بعض الشركات لإعادة تصميم البنطال "الجينز" بطريقة أكثر استدامةً.

السر في القطن

كما هو الحال مع النسخة الأصلية، يجري الاستعانة في إنتاج "الجينز" بنسيج التويل الذي يمكن تنفيذه بعدة أنواع من الأقمشة، من بينها القطن.

وإذا ما نظرنا إلى الأمر من زاوية بيئية، فإن بنطال "الجينز" الأكثر استدامةً هو الذي تتراوح به نسبة القطن بين 98% و100%، أو ما يعادلها من أنسجة مكونة من مواد طبيعية هي الأقل في كمية الانبعاثات الكربونية التي يتسبب بها خلال دورة إنتاجه واستهلاكه، لكن طريقة إنتاج القطن تؤدي كذلك إلى اختلاف الأثر البيئي.

ويسبب القطن العضوي كميات أقل من الانبعاثات الكربونية بفارق 48%، مقارنةً بالقطن التقليدي، فيما يُساهِم القطن المُعَاد تدويره في توفير المياه وحجم المواد اللازمة للإنتاج، لكن زيادة نسبته في البنطال تقلل من متانته.

كما أن القطن المزروع في مزارع تجديدية يساهم كذلك في تقليل البصمة الكربونية لعملية الإنتاج، التي يحاول من خلالها المزارعون اتباع طرق زراعة مستدامة، مثل زراعة المحاصيل الواقية، والاستغناء عن عمليات الحرث التي تضر بالتربة.

إذا لم تجد ملصقاً بالمكونات التفصيلية للمنتج الذي تشتريه، فالتفت إلى النسيج المكون له؛ فإذا كان قابلاً للتمدد، فهو غالباً لم يُعَدْ تصميمه وفقاً لمعايير بيئية.

لكن فكرة اللجوء إلى القطن العضوي، أو التجديدي، لا تخلو من العيوب؛ لأنها تحتاج مساحات أوسع من الأراضي لزراعته مقارنة بالقطن التقليدي، كما أن هناك تحدياً آخر، وهو أنه ليس هناك طريقة موحدة لقياس الفوائد الناتجة عن الزراعة التجديدية.

يقول سيرجي مينكو الباحث في كيمياء المواد وعلوم النانو بجامعة جورجيا الأمريكية، إن صباغة بنطال واحد بالطرق التقليدية يتطلب 8 أحواض من المياه، والمزيد من كميات المياه والطاقة اللازمة لإجراء تفتيح له، وهي عمليات تتسبب في انطلاق كميات من انبعاثات كربونية تفوق كميتها تلك التي يُسبِّبها زراعة القطن.

في الغالب، تدل الدرجات الأفتح من الملابس "الجينز" على خضوعها للمزيد من عمليات المعالجة، لكن هناك بعض التقنيات التي تقلل التأثير البيئي للمرحلة النهائية، وهي اللجوء إلى أجهزة الليزر للتحكم في اللون.

إعادة تدوير "الجينز"

تقول ناتاشا ديفيد مديرة برامج في مؤسسة "إلين ماك آرثر"، وهي مؤسسة بريطانية غير ربحية أطلقت مبادرة لإعادة تصميم البنطال "الجينز"؛ إن القِطَع الأكثر قابليةً لإعادة التدوير هي التي لا تحتوي على مكونات صلبة غير ضرورية؛ لأن إزالة قطع المعدن تحتاج المزيد من الأيدي العاملة.

إذا لم تجد ملصقاً بالمكونات التفصيلية للمنتج الذي تشتريه، فالتفت إلى النسيج المكون له؛ فإذا كان قابلاً للتمدد، فهو غالباً لم يُعَدْ تصميمه وفقاً لمعايير بيئية.

هذا الأمر يعيدنا من جديد إلى النسخة الأصلية التي اعتمدت في الأساس على المسامير النحاسية التي ابتكرها "ديفيس"، ومنعت تمزُّق طبقات النسيج عند العمل وسط الصحراء أو في المناجم، لكن العديد من الشركات باتت تستبدل بها الآن تطريزاً تقليدياً، علاوة على الاستعاضة عن السحَّاب بأزرار يسهل إعادة تدويرها.

لكن في الواقع، هناك ارتباط نفسي بين غالبيتنا وبين المظهر الكلاسيكي للملابس الجينز، ومن ثم قد نلجأ في النهاية إلى ارتداء تلك النسخة لفترات أطول، وهو ما يعني تقليل الإهدار لكن بصورة مختلفة.

تتابع "ديفيد" – في تصريحات نقلتها الصحيفة – أن علينا أن نبقى على القِطَع التي لدينا لأطول فترة ممكنة، قبل تفكيكها في النهاية للحصول على مكوناتها الأساسية.

ومن ثم، فإن إطالة عمر ملابس "الجينز" في خزانتك، والحفاظ عليها خلال فترة استخدامها، هي الطريقة الأسهل لتقليل أضرار عمليات الإنتاج، علاوةً على تجنُّب غسلها دون الحاجة؛ لأنها تتسبب في انطلاق ألياف دقيقة يصعب على محطات معالجة المياه احتجازها لتصل في النهاية إلى البيئة وتعود عليها بالضرر.