البداية من المقررات الدراسية.. روشتة الخبراء لمحو "الأمية المناخية"


سلمى عرفة
السبت 13 يناير 2024 | 01:38 مساءً

هل تذكر المرة الأولى التي سمعت فيها مصطلح التغيرات المناخية؟ ربما فوجئت حينها بمدى تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري التي تحاصر الكوكب على حياتنا، لكن في المقابل لا يزال ملايين حول العالم لا يدركون حقيقة تأثير ممارساتهم على البيئة المحيطة، وهو ما لخَّصه الخبراء في عبارة "الأمية المناخية".

المنطقة العربية التي تعد من أكثر المناطق تضرراً من أزمة تغير المناخ، تعاني انتشار "الأمية المناخية" وتراجع الوعي البيئي بين أعداد كبيرة من سكانها، علاوةً على فجوة تفصلها بين أقاليم العالم الأخرى في التعليم المناخي الذي اعتبرته الأمم المتحدة ركيزة أساسية في مواجهة الأزمة.

منظمة "Education International" – وهي منظمة دولية غير ربحية معنية بالتعليم – كشفت في تقريرها الصادر عام 2022 أن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سجَّلت مستويات أقل من متوسط المستوى العالمي فيما يخص طموح التعليم المناخي، وفشلت جميع الدول التي شملها التحليل البالغ عددها 19 دولة في الوصول إلى النسبة التي حددتها المنظمة عند 59%.

تقرير المنظمة اعتمد على قياس التقدم على عدة مؤشرات؛ منها جودة التعليم المناخي، ومدى تعزيز الأنظمة التعليمية، وطموح سياسات بلدان المنطقة.

التحليل انتقد غياب التعليم المناخي الإلزامي ضمن الخطط التي أعدَّتها الدول للتكيف مع أزمة المناخ وخفض انبعاثات غازات الدفيئة التي تتسبَّب بها، لافتاً إلى غياب عدة عناصر مهمة، كالإشارة إلى دور نقابات المعلمين، أو التعاون الدولي لدعم التعليم المناخي، علاوةً على عدم الالتفات إلى توجيه التعليم إلى هذا القطاع.

"جرين بالعربي" حاورت عدداً من الخبراء العرب للحديث عن أسباب "الأمية المناخية"، وسبل مواجهتها.

في البداية، يرى د. حاتم عبد المنعم أستاذ علم الاجتماع البيئي في جامعة عين شمس المصرية، ضرورة إرجاع القضية إلى جذورها، مؤكداً أن الأمية المناخية والبيئية جزء من استمرار الأمية التقليدية، متسائلاً: هل يمكن لشخص لا يمكنه القراءة والكتابة الحصول على المعلومات عن أي قضية؟

إحصائيات صادمة

بحسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد الصادر عام 2022، وصلت نسبة الأمية بين سكان العالم العربي عام 2020، بين من تبلغ أعمارهم 15 عاماً فأكثر قرابة 25% من إجمالي مواليد تلك الفئة، لتحتل المرتبة الأولى في نسبة الأمية مقارنةً بمناطق العالم الأخرى.

كما شهدت الفترة بين عامي 2010 و2020 تزايد نسب الأمية بين البالغين في 4 بلدان عربية، هي: "قطر، وتونس، وموريتانيا، وجزر القمر".

استمرار المعاناة من الأمية التقليدية يمنع كذلك من رقمنة الخدمات، في وقت تتعدد فيه فوائد التعامل الرقمي على كافة المستويات الاقتصادية والبيئية، ومنها تسهيل فرض ضريبة الكربون على أصحاب الأنشطة الملوثة، وفقاً لرأي أستاذ علم الاجتماع البيئي، الذي أشار كذلك إلى الجوانب الإيجابية لانعقاد مؤتمرات المناخ؛ لقدرتها على جمع أكبر عدد من البلدان، ومساهمتها في زيادة الوعي بالقضايا البيئية من خلال وسائل الإعلام التي تنقلها.

"عبد المنعم" لفت إلى أن كافة فئات المجتمع تتضرر بفعل التغير المناخي الذي "يهدد حق الحياة والبشرية بأكملها"، لكن في المقابل تستفيد الدول الصناعية الكبرى من الأنشطة الملوثة.

بحسب رأي "عبد المنعم"، فإن الأمر لا يقتصر على زيادة الوعي بالأزمة، بل هناك حاجة إلى ربط قطاع التعليم بأكمله بقضايا البيئة؛ فإذا ما أردنا العيش على كوكب نظيف، فلا بد من أن يتعلم المتخصصون في الهندسة، على سبيل المثال، تصميم المدن المستدامة، والعمارة البيئية، وإدارة المخلفات، بينما على الملتحقين بكليات الزراعة دراسة الزراعة المستدامة.

جهود عربية

وبخلاف العمل على تطوير المناهج الدراسية، هناك عدة مبادرات تهدف إلى تعزيز وعي العاملين في قطاع التعليم لنقل هذا الوعي إلى الأجيال الأصغر عمراً.

في عام 2022، أطلقت كلية التربية بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن السعودية مبادرة "التربية الخضراء" التي هدفت إلى نشر الوعي البيئي لدى طالبات الكلية، وتشجيعهن على ممارسة المزيد من العادات المستدامة، وتقديم التدريب اللازم لهن.

وتنوعت مشروعات المبادرة بين الزراعة والتشجير، والاستهلاك المستدام للطاقة، وإعادة التدوير، والحد من الاستهلاك، وغيرها، بحسب الموقع الرسمي للجامعة.

وفي مصر، انطلقت في العام ذاته مبادرة "العقول الخضراء" بالتعاون بين عدة جهات؛ بهدف تدريب الطلاب ممن تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و18 عاماً في المراحل الدراسية المختلفة على أهداف التنمية المستدامة، علاوةً على تدريب المعلمين والتركيز على قضايا المياه، ومواجهة الجوع، وترشيد الاستهلاك، والعمل المناخي.

دور منظمات المجتمع المدني

د. أحمد الشريدة رئيس جمعية التنمية للإنسان والبيئة الأردنية، أكد ضرورة أن تبدأ التوعية البيئية من المدارس؛ لأن "التعليم في الصغر كالنقش على الحجر"، مشيراً إلى ضرورة وجود مادة عن التغير المناخي ضمن المقررات الدراسية، وأن تركز الأنشطة اللامنهجية (الثقافية والفنية) على هذه القضية، علاوة على تخصيص رحلات علمية للوقوف على أثر هذه الظاهرة في العالم العربي.

لكن "التعليم المناخي" ليس شرطاً أن يتم فقط عبر مؤسسات تعليمية تقليدية؛ إذ يرى "الشريدة" أن المبادرات البيئية يجب أن تخرج إلى المناطق الريفية؛ من أجل الاتصال مع الذين هم على تماسٍّ مباشر مع قضايا البيئة والزراعة والصحة، منتقداً فكرة التركيز على الفئة المثقفة، وهي ليست بحاجة إلى هذه التوعية.

الجمعية التي يرأسها "الشريدة" تهتم بتقديم محاضرات بيئية توعوية لطلاب المدارس في محافظة إربد  بالأردن، وتنظيم رحلات إلى عدد من المعالم البيئية، علاوةً على إلقاء محاضرات حول قضية التغيرات المناخية في عدد من الجامعات.

"الشريدة" تطرق إلى المراحل التي مرَّت بها أزمة التغيرات المناخية في المنطقة؛ ففي البداية كانت مرحلة الإنكار، ثم جاءت مرحلة التجاهل خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، عندما كان ينظر إلى المنشغلين بتلك القضايا بأنهم أشخاص مترفون، ثم وصلنا الآن إلى مرحلة الاعتراف.

وأوضح رئيس جمعية التنمية للإنسان والبيئة الأردنية، أنه أصبح هناك وعي بقضية التغير المناخي، بعدما لمس المواطن العادي تأثيره على مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية، خاصةً بعد ما عشناه خلال الفترات الماضية، وعاشها العالم كله من تطرف المناخ بسبب الارتفاع المطرد في درجات الحرارة، والقضايا المتعلقة بالفيضانات والتصحر والتلوث، علاوةً على الهجرة البيئية.

لكن "الشريدة" يرى أنه حتى وقتنا الحالي، هناك من ينكر أزمة التغير المناخي، ويعتبرها جزءاً من نظرية المؤامرة الغربية ضد بلدان العالم الثالث، ويعتبرون ما يحدث حالة طبيعية تمر بها الكرة الأرضية.

مسؤولية إعلامية ضخمة

الإعلامي أحمد الشميري رئيس الشبكة العربية للصحافة العلمية، يرى أن الأمية المناخية تنتشر بين معظم شعوب العالم، خاصةً بلدان العالم العربي، وأن التوعية الصحية حاضرة بشكل أكبر، مشيراً إلى أن البلدان التي تشهد صراعات تعاني بدرجة كبيرة من تدني الوعي بشأن قضايا البيئة والمناخ، في وقت تشتد فيه حاجتهم الماسَّة إليه؛ بسبب المتغيرات الطبيعية التي يواجهونها، مثل التلوث.

وفي البلدان التي تتمتع بالاستقرار، يرى "الشميري" أن هناك فئات يقع عليها نصيب أكبر من الأضرار، وهم أبناء المناطق الريفية الذين يُشكِّلون ثِقلاً سكانياً ضخماً في بعض البلدان، مثل دول المغرب العربي، ومصر.

وأكد رئيس الشبكة العربية للصحافة العلمية، أن الإعلام يقع على عاتقه مسؤولية ضخمة في مواجهة الأمية المناخية، وتعزيز الوعي المناخي لدى الجمهور، ولديه الكثير من الأدوات التي يمكن تفعيلها؛ بدايةً من تأهيل الإعلاميين الذين يُعِدُّون المواد الإعلامية بأسلوب صحيح؛ حتى تصل الرسالة، ويتحقق الهدف.

ويرى الإعلامي أحمد الشميري، أن الإعلام في الوقت الحالي هو "إعلام جديد" أقرب إلى المواطن، وعلى المؤسسات الإعلامية إعطاء قضايا المناخ مساحة كافية لتعزيز الثقافة المناخية لدى جمهورها، علاوةً على تشجيع المبادرات الناشئة.

وتابع أنه يجب على المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني إطلاق مبادرات توعوية من خلال زيادة المدارس والجامعات، والتركيز على الأماكن العامة المختلفة.

"الشميري" اختتم حديثه عن موقع قضية الوعي البيئي من المحادثات المناخية، مشيراً إلى أن القضية كان يتم إغفالها في الماضي بدرجة كبيرة، ورغم وجود مبادرات توعوية عديدة حالياً، فإنها لا تكفي لمواجهة هذا الخطر الحقيقي، لافتاً إلى أنه لا بد من تخصيص جزء من التمويل لرفع الوعي المناخي الذي هو من أهم الحلول لنشر مُمارَسات صديقة للبيئة.