يواجه العمال الزراعيون خطراً كبيراً بسبب الحرارة والرطوبة المرتفعتين في مواسم الزراعة والحصاد؛ ما يؤثر في صحتهم، ويعيق قدرتهم على أداء وظائفهم بشكل طبيعي، ويهدد الأمن الغذائي العالمي في نهاية المطاف.
وأجريت دراسة عالمية لتحديد المحاصيل والمواسم التي يواجه فيها المزارعون أعلى المخاطر الناجمة عن الحرارة الرطبة الشديدة، باستخدام بيانات الحد الأقصى اليومي لدرجة حرارة البصيلة الرطبة، والتقويمات الزراعية الخاصة بالمنطقة ومساحة الأراضي الزراعية لـ12 محصولاً؛ حيث قدرت عدد أيام الحرارة الرطبة الشديدة خلال مواسم الزراعة والحصاد لكل محصول بين عامي 1979 و2019.
وكشفت الدراسة التي نُشرت في مجلة "Environmental Research Communications" أن المزارعين يتعرضون بشكل متزايد لمزيج من الحرارة والرطوبة الشديدتين خلال مواسم الزراعة والحصاد؛ ما يزيد صعوبة أداء وظائفهم، ويهدد مستقبل الزراعة بمختلف أنحاء العالم، خاصةً مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة منذ عام 1979.
محاصيل متضررة من الحرارة الرطبة
وأظهرت الدراسة أن المحصول الأكثر تضرراً من التعرض للحرارة الرطبة الخطيرة هو الأرز (الغذاء الرئيسي في العالم) يليه الذرة، لافتةً إلى تسارع هذا الاتجاه في السنوات الأخيرة مع زيادة الاحترار؛ حيث كانت مناطق جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية الاستوائية وحوض الغانج الهندي وساحل المكسيك والساحل الشمالي لخليج غينيا، الأكثر تعرضاً لهذه الظروف المتطرفة؛ ما يعرض محاصيلها للخطر اجتماعياً واقتصادياً.
ومن جانبه، قال قائد الدراسة "كونور دياز"، إنه إذا كانت الحرارة والرطوبة تؤثران في قدرة البشر على زراعة الغذاء، فهذا يعني أن السلسلة الغذائية العالمية المترابطة في خطر، وأن إنتاج المحاصيل مُهدد بالفعل.
الرطوبة تنهك المزارعين
ارتفاع درجات الحرارة في حد ذاته يعتبر أمراً مرهقاً، خاصةً عندما تزيد الرطوبة فيصبح المزارعون أكثر إنهاكاً؛ لأنه كلما كان الهواء محملاً بالرطوبة قلت كفاءة تبخير الجسم للعرق؛ لذا يعاني العاملون في الزراعة بالمناطق الاستوائية وشبه الاستوائية في دلتا الأنهار وبالقرب من السواحل؛ بسبب ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو.
ورغم تحديد بعض الدراسات السابقة درجة الحرارة الرطبة 30 درجة مئوية بأنها الدرجة القصوى خلال القيام بالمهام اليومية، فإن المزارعين الذين يعملون تحت أشعة الشمس الحارقة لساعات طويلة قد ينهارون قبل ذلك بكثير.
ووجدت الدراسة الجديدة أن عمال المناطق الزراعية بمناطق مثل الأمازون وشمال كولومبيا وأجزاء من المكسيك وسواحل البحر الأحمر والخليج العربي وجنوب شرق آسيا وماليزيا وإندونيسيا يشهدون بالفعل ظروفاً تصل فيها درجة الحرارة إلى 27 درجة مئوية لمدة 3 أشهر أو أكثر خلال عام بأكمله، إضافة إلى دول أخرى تعاني لشهرين أو أكثر من المشكلة ذاتها، مثل السنغال وساحل العاج ونيجيريا والكاميرون والمنطقة الشمالية بأستراليا.
وعلى نطاقات زمنية أقصر، خلال مواسم الزراعة والحصاد الحاسمة، يتعرض ما يقرب من نصف أراضي محاصيل الأرز وثلث محاصيل الذرة في العالم لظروف قاسية في وقت ما كل عام، وفقاً للدراسة.
وبينت الدراسة أن مزارعي الأرز في بنجلاديش كانوا الأعلى تعرضاً للحرارة المرتفعة والرطوبة خلال مواسم الزراعة واستمرارها لأكثر من 60 يوماً، إضافةً إلى مناطق أخرى مثل دلتا ميكونج بفيتنام، ودلتا إيراوادي في ميانمار، ومعظم أنحاء إندونيسيا وماليزيا وأجزاء من ساحل المكسيك والأمازون.
محاصيل تتأثر بارتفاع الرطوبة والحرارة
المشكلة ذاتها يواجهها مزارعو الذرة بالمواسم المحددة في معظم أنحاء باكستان، ودلتا ميكونغ، وشمال كولومبيا، وفنزويلا، والفلبين، وأجزاء من ساحل المكسيك وساحل إيران؛ حيث حدد الباحثون 10 محاصيل رئيسية تأثرت بدرجات أقل، من بينها الذرة الرفيعة وفول الصويا والبطاطس والبطاطا والدخن الهندي.
وبناءً على النتائج، لفتت "مينجفانج تينج" عالمة المناخ في مرصد لامونت دوهرتي للأرض (مركز البحث العلمي لمدرسة كولومبيا للمناخ الذي يركز على علوم المناخ والأرض) إلى أن المناطق الأكثر تعرضاً للحرارة والرطوبة المرتفعة تتفاقم فيها الظروف بشكل أسرع، مضيفةً أن استمرار معدلات الزيادة في العقود المقبلة قد يفقد الناس القدرة على التكيف لفترة أطول.
وفي سياق منفصل، توقعت دراسة قادتها جامعة بوردو نُشرت في مجلة البحوث البيئية عام 2021، أنه إذا ارتفع متوسط درجات الحرارة العالمية بمقدار 3 درجات مئوية فستقل قدرة العمال الزراعيين على العمل بنسبة 30% إلى 50%، وترتفع أسعار المواد الغذائية.
وسائل للتكيف مع الحرارة والرطوبة العالية
يعتبر تحويل ساعات العمل إلى الليل من وسائل التكيف الأكثر شيوعاً مع ارتفاع درجات الحرارة في قطاع الزراعة ببعض البلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا؛ حيث سمحتا بزيادة أوقات الراحة للعمال الزراعيين، وتخفيف وتيرة العمل، لكن مثل هذه الخطوات قد تقلل إنتاجية العمال، وتؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فيما يُعد توفير أماكن خلوة مُكيفة وجرارات مُكيفة من الوسائل الفعالة للتكيف مع الحرارة العالية، لكنها غير ممكنة في معظم أنحاء العالم.