"جرين بالعربي" نموذجاً.. الإعلام البيئي أداة فاعلة لمواجهة آثار التغير المناخي


إسراء محمد
الاحد 26 نوفمبر 2023 | 09:19 مساءً
دعم الصحافة البيئية
دعم الصحافة البيئية

بحلول ناجزة وفعالة، طرح البرنامج التدريبي الشامل "الطريق الإعلامي إلى مؤتمر المناخ"، عدة موضوعات لمواجهة التغير المناخي؛ من بينها دور وسائل الإعلام في تعزيز الوعي البيئي والتحفيز على التغيير.

وانطلق البرنامج التدريبي الشامل تتويجاً لتعاون "جرين بالعربي" مع "منتدى الصحفيين العلميين" في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، استعداداً لتغطية صحفية متميزة خلال مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ "COP28".

سلاح فعال

وبدوره قال الصحفي المصري أحمد أبو القاسم رئيس تحرير "جرين بالعربي" والمتخصص في مجال الإعلام البيئي، إن وسائل الإعلام التفاعلية تساهم في تبسيط المشاكل البيئية، وشرح تأثير المناخ على حياة الأفراد، من خلال طرق بسيطة تلائم جميع فئات المجتمع.

وأضاف أبو القاسم أن الإعلام البيئي يُعَد سلاحاً فعالاً للحفاظ على البيئة، كما أنه ليس أداة مستحدثة؛ حيث ظهر في الساحة الدولية منذ فترة طويلة، وبات يحتل مكانة بارزة في العالم العربي.

وتابع: "الإعلام البيئي لم يكتفِ بدور الناقل للمعلومات فحسب، لكنه أصبح يُقدِّم الأفكار المتعلقة بالمناخ أو البيئة؛ لدعوة الجميع إلى المشاركة وإحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع".

ومضى أبو القاسم قائلاً: "أهم النماذج الإعلامية التي سلَّطت الضوء على مشكلة المناخ، من بينها كتاب الربيع الصامت "Silent Spring" للكاتبة راشيل كارسون الذي تم إصداره عام 1962. ويُعَد الكتاب أحد المُحفِّزات على التغير البيئي، ويدور حول أضرار المبيدات الصناعية على الطبيعة، وتأثير الإنسان السلبي على الكوكب من حوله، واعتُبِر واحداً من أهم 100 كتاب في القرن العشرين، رغم أن الكتاب تلقَّى وابلاً من النقد آنذاك، فإنه أيقظ وسائل الإعلام للمناداة بالحفاظ على البيئة".

وأوضح أن أهم ما تقوم به وسائل الإعلام هو إلقاء الضوء على الموضوعات التي تُحدِث تغييراً، مثل التسرب النفطي في قناة سانتا باربارا بولاية كاليفورنيا (1969)، الذي تسبب في تسرب 3 ملايين جالون من النفط، وأسفر عن مقتل العشرات من الكائنات البحرية؛ ما دفع النشطاء البيئيين إلى التحرك واتخاذ خطوات جادة حول الحفاظ على الأرض، وكان يُعَد من أهم الأحداث التي ساهمت في إطلاق يوم الأرض.

القصص الخضراء

وأكد رئيس تحرير "جرين بالعربي" أن القصص الخضراء يمكن أن تكون أحد أساليب إقناع الجمهور بوجود آثار اقتصادية واجتماعية مباشرة على حياتهم بسبب التغيرات المناخية.

وأشار إلى أن محاكاة المشاعر، وإضفاء الطابع الإنساني على المواد الإعلامية، يُعَد من أهمِّ آليات إقناع العامة بتأثير التغير المناخي على مستقبل وحياة وصحة البشر، ودمج جميع هذه العناصر في "القصص الخضراء".

ومن القصص الخضراء الفعَّالة التي قدَّمتها وسائل الإعلام، الفيلم الوثائقي "Before the Flood" للفنان ليوناردو دي كابريو، الذي يناقش التغيرات التي تطرأ على العالم من جراء التغير المناخي، وكيف يمكن لأفراد المساهمة في منع حدوث كوارث.

كما تتضمَّن القصص الخضراء تقديم صور من أرض الواقع، وهذا ما قامت به مركبة الفضاء "أبولو" عندما التقطت صورة الكوكب من الفضاء "الرخام الأزرق" The Blue Marble؛ لتوضيح أن أشكال الطبيعة المتمثلة في الجليد أو المحيطات جميعها على قيد الحياة، ولكن الإنسان على مدار السنوات ساهم في تدميرها.

وبعد سنوات، تم التقاط صورة لمقارنتها بالرخام الأزرق، وتبين أن هناك تغييرات واضحة، مثل تقلص الجليد على الكوكب، ولم تَعُد الأرض على طبيعتها البكر، ومن ثم فإن صورة واحدة نشرتها وسائل الإعلام استطاعت تغيير المفاهيم، وشكَّلت نظريات عن البيئة والأرض، وجعلت الجميع ينادي بحماية الكوكب من السلوكيات البشرية.

كما انتشرت صورة شهيرة لعدد من الدببة القطبية، وهي تقف على قطع من الجليد الصغيرة، وتوضح الصورة مدى تراجع معدلات الجليد بالقطب الشمالي، وأثارت جدلاً واسعاً على وقع التحذير من تداعيات أزمة المناخ.

وكانت صور كريس جوردن، التي تتمثل في مجموعة من الطيور النافقة والمتحللة بسبب تناول مواد بلاستيكية، بمنزلة إنذار للتحذير من استهلاك المواد البلاستيكية.

وفي عام 2019، بدأت بعض التحديات تظهر على منصة "تيك توك" وشبكات التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ (وسم) trashtag؛ إذ تمت دعوة الشباب في كل مكان بالعالم، إلى استغلال أوقات فراغهم في تصوير مناطق توجد بها مخلفات أو مناطق فيها مشاكل بيئية قبل وبعد تنظيفها، وكانت يوجد استجابة لاتينية وعربية لإنقاذ الكوكب.

استدامة حياتية

استطرد أبو القاسم حديثه عن القصص الخضراء ومعوقات إنجازها في العالم العربي، مشيراً إلى وسائل إعلام أجنبية متخصصة لديها القدرة على عمل معايشة في القطب الجنوبي، تتمتع بقدرة مادية وإمكانات تؤهلها للمشاركة في رصد تجارب على مدى أشهر، وفي العالم العربي توجد محاولات رائعة بأقل الإمكانات والأدوات، ولكن العالم العربي بحاجة إلى مزيد من التطور، وأفق أوسع لرفع الإمكانات.

كما أن العمق والتفاعلية من أهمِّ التحديات التي تُواجِه القصص الخضراء؛ حيث يمكن أن نجعل الجمهور أكثر تطلعاً لمعرفة المزيد عن التغير المناخي، خاصةً ما يتعلق بالاستدامة التي لا تُعَد مجرد شعارات، ولكنها أسلوب حياة.

ورغم أن البعض يرى أن الحياة المستدامة ذات تكلفة عالية، فإن هناك عدة تغييرات بسيطة يمكن أن نبدأ بها، مثل استبدال منتجات أقل ضرراً للبيئة مكانَ البلاستيك، بجانب ارتداء ملابس مستدامة يمكن إعادة تدويرها.

أما عن مدى التأثير على السياسات والتشريعات، فقال أبو القاسم: "القوانين بالخارج يتم تغييرها، وهناك صوت عالٍ للإعلام البيئي، لكنه لا يزال على الطريق، وهناك تجارب تحاول إعداد تقارير هامة وتحقيقات استقصائية ومحتوى مرئي جيد ومؤثر".

وجاوب أبو القاسم على تساؤل بشأن كيفية دعم عالمنا بقوله: "يجري ذلك من خلال عدة طرق؛ أبرزها تحويل المعرفة إلى عمل من خلال إطلاق مبادرات، بجانب إبداع أفكار لاستخدام الهيدروجين الأخضر، وترشيد الموارد في الزراعة، والاعتماد على محاصيل مستدامة، وتعزيز الثقافة البيئية عن طريق إشراك الجمهور وتحفيزه، والمشاركة في الحملات الرقمية وغيرها".

جرين بالعربي

وللمرة الأولى في 2022، أطلقت الشبكة العربية للمنظمات الأهلية، برعاية ودعم برنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند" منصة "جرين بالعربي" المتخصصة في التغيرات المناخية. وأكد أبو القاسم أن الهدف الأساسي من الإطلاق هو رفع الوعي بتغير المناخ، ونشر معلومات موثقة وجادة بشأن تأثير هذه التغيرات على الإنسان والتنوع البيولوجي ومستقبل الكوكب، كما أن المنصة تلقي الضوء على سبل مساهمة المواطن العربي في التوقف عن الممارسات التي تسبب تلوث البيئة.

وتمثلت الأهداف الأخرى لإطلاق منصة "جرين بالعربي" في تقديم معلومات مبسطة للجمهور عن قضايا المناخ، وربطها بالحياة اليومية، بجانب إبراز المبادرات العربية التي تساهم في مواجهة الآثار السلبية لمثل هذه التغييرات؛ لذا اختارت المنصة شعار "لون عالمك بالأخضر".

وبالنسبة إلى القواعد الأساسية التي تتخذها "جرين بالعربي"، فإنها تدور حول ثلاثة محاور؛ هي: الدقة العلمية من خلال تقديم معلومات علمية دقيقة عن التغيرات المناخية، والرؤية الواسعة التي تشمل تغطية شاملة للظاهرة الكونية من جميع الجوانب العلمية والسياسية والاقتصادية والثقافية، إضافةً إلى إشراك الجمهور في النقاش من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.

كما يتم التركيز على المحتوى المرئي المتمثل في "الريل" والفيديو والإنفوجراف والفيديوجراف، والأفلام القصيرة، ويتم التواصل مع خبراء دوليين وعرب متخصصين في التغيرات المناخية، بجانب إقامة شراكات بنَّاءة؛ أبرزها التعاون مع "منتدى الصحفيين العلميين لدعم الصحافة البيئية".

وخلال عام واحد تم إنجاز 189 تقريراً و20 ملفاً و19 مبادرة و85 فيديوجرافاً وفيلماً و45 مادة مترجمة، و175 إنفوجرافاً، وتمكنت المنصة من بناء مجتمع متفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، كما حَظِيت بآلاف المشاهدات والتفاعلات على المحتوى الإعلامي.