العين بدون حارس.. الطقس المتطرف يخطف نور الحياة


سلمى عرفة
الخميس 12 أكتوبر 2023 | 02:15 مساءً

يقف حارس العين عاجزاً عن أداء وظيفته التي اعتادها لآلاف السنوات، أمام طوفان التغيرات المناخية الذي يحطم حواس الإنسان يوماً بعد الآخر.. حر شديد وبرد قارس وعواصف وفيضانات وأعاصير؛ جميعها ظواهر تؤثر على الحالة الصحية للإنسان، لكن قائمة تحذيرات متزايدة ظهرت مؤخراً حول الأخطار التي تُحيط بحاسة البصر.

دراسة أجرتها كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، بالتعاون مع مؤسسة Sightsavers غير الربحية المعنية بمواجهة العمى، كشفت عن علاقة بين ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض نسب تساقط الأمطار والإصابة بعدوى التراخوما النشطة، وهي من الأسباب الرئيسية لفقدان البصر.

دورية PLOS Neglected Tropical Diseases نشرت الدراسة التي رصدت كيفية انتقال المرض البكتيري في قارة إفريقيا؛ حيث كشفت أن الذباب الذي ينقل العدوى ينشط عندما ترتفع درجة الحرارة ويقل تساقط الأمطار.

وتقف عدوى التراخوما خلف إصابة 1.9 مليون شخص في العالم بإعاقات بصرية بمختلف درجاتها، بما في ذلك فقدان البصر الذي لا يمكن علاجه، بينما تتصدر قارة إفريقيا قائمة القارات المتضررة من المرض؛ حيث يعيش 111 مليون شخص في مناطق معرضة للخطر، وهي أرقام أزاحت منظمة الصحة العالمية الستار عنها.

ويعاني المصابون من ألم في العين، وتورم الجفون، وخروج إفرازات تحتوي على صديد، علاوة على حساسية الضوء، كما يؤثر فقدان التنوع الحيوي على مستقبل صحة العين.

عدوى التراخوما تقف خلف إصابة 1.9 مليون شخص عالمياً بإعاقات بصرية بمختلف درجاتها بما في ذلك فقدان البصر

ويقول الدكتور مالك كاهوك أستاذ طب العيون ورئيس قسم الجلوكوما في كلية الطب بجامعة كولورادو الأمريكية، إن الكائنات التي تنقل الأمراض تتأثر بانخفاض أعداد الكائنات المضيفة (أو العائلة) لها، ومن ثم تتزايد احتمالية لدغها للبشر، ويزيد انتشار المرض.

ويمكن لتغيرات النظام البيئي – وفق كاهوك – أن تؤثر على مصادر الحصول على المياه والغذاء لهذه الناقلات، علاوةً على تأثر المناطق التي تعيش وتتكاثر بها؛ ما يؤدي في النهاية إلى تغيير سلوكها، وزيادة خطرها.

والتراخوما ليست الخطر الوحيد الذي يرتبط بالتغير المناخي ويهدد عيون البشر؛ إذ رصدت عدة دراسات ارتباط الطقس الحار بتفشي مرض إعتام عدسة العين أو ما يعرف بالمياه البيضاء، وفقاً لموقع Link Springer المختص بنشر الأوراق العلمية.

ما علاقة طبقة الأوزون؟

تآكل طبقة الأوزون المرتبط بانبعاثات غازات الدفيئة، يساهم بدوره في الإصابة بعدد من الأمراض المتعلقة بالعين، منها المياه البيضاء، لكن المخاوف ترتبط أيضاً بتدهور الحالة المصابة بشكل أسرع؛ بسبب التعرض للمزيد من الأشعة فوق البنفسجية الضارة التي تحجبها الطبقة.

وفي 2003، قدرت منظمة الصحة العالمية أن 20% من حالات الإصابة بإعتام عدسة العين ما هي إلا نتيجة مباشرة للتعرُّض لتلك للأشعة فوق البنفسجية الضارة. ويُتوقَّع أن تتسبب هذه الأشعة في 200 ألف حالة إضافية للإصابة بالمرض بخلاف العدد المقدر المرتبط بالتقدم في العمر بحلول عام 2050، وفقاً لموقع ophthalmology breaking news.

ولم تَنْجُ العين من الشتاء القارس الذي يضرب مناطق مختلفة حول العالم؛ إذ تقول الطبيبة بولا أوليفرا، في حديث إلى موقع إكسبريس البريطاني، إن انخفاض درجات الحرارة يؤدي إلى انكماش الأوعية الدموية، ومن ثم تتراجع كميات الدم التي تصل إلى العين؛ ما يؤدي إلى الإحساس بتشوش الرؤية، أو ازدواجها، لكنها غالباً ما تكون هذه الأعراض مؤقتة.

لكن الضرر الأكبر يتمثل في تأثير الطقس البارد على المدى الطويل؛ حيث كشفت دراسة صينية نشرتها المكتبة الوطنية الأمريكية للطب عن ارتفاع ضغط العين خلال فصل الشتاء، وهو ما يزيد خطر الإصابة بالجلوكوما "المياه الزرقاء".

غذاء العين

بين أمور أخرى تحاصر عين الإنسان، تظهر التغيرات المناخية المهددة لمستقبل الغذاء في العالم؛ لكونها لها علاقة بمدى القدرة على الحفاظ على صحة الأعين؛ بسبب الحرمان من العناصر الغذائية اللازمة لذلك.

ففي دراسة نشرتها المكتبة الوطنية الأمريكية للطب في 2021، كشف الباحثون عن نتائج أبحاث عدة توصلت إلى أن سوء التغذية ونقص فيتامين A أحد أسباب الإصابة بمرض جفاف ملتحمة العين، الذي يقود أيضاً إلى فقدان البصر لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 أعوام.

ويزيد جفاف ملتحمة العين كذلك من احتمالية الإصابة بالمياه البيضاء أو الزرقاء لدى البالغين، علاوة على اضطراب التنكس البقعي الذي يؤدي إلى تراجع الرؤية واختلالها.

وبحسب برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة، فإن معدلات سوء التغذية سترتفع بنسبة 20% بحلول عام 2050، إذا ما فشل العالم في تخفيف أثر التغيرات المناخية.

ويظل حديثو الولادة والأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً فيما يخص صحة العين؛ حيث يحذر الدكتور سيف الدين الريالات الباحث في طب العيون بالجامعة الأردنية، من أن الصغار الذين يقضون وقتاً أطول خلال مراحل نموهم المبكرة بالمناطق المتأثرة بالتغير المناخي هم الفئة الأكثر تضرراً.

ويُرجِّح الباحث الأردني أن تكون أضرار ارتفاع درجة الحرارة تفوق آثار انخفاضها بسبب عدد الأمراض التي قد يفاقمها الطقس الحار، بينما قد يتطلب الأمر انخفاضاً متطرفاً في درجة الحرارة لتظهر آثار الأجواء الباردة على العين.

المزارعون وعمال البناء أكثر عرضةً لأضرار آثار الطقس المتطرف على سلامة العين

وقد يتعرض العاملون في مهن بعينها، مثل المزارعين وعمال البناء لمخاطر أكبر، فيشير الدكتور الأمريكي مالك كاهوك إلى ضرورة قيام أصحاب الأعمال بتوعية الموظفين بآثار الطقس المتطرف، وتوفير الأدوات الوقائية اللازمة، مثل النظارات الواقية، وتوفير أوقات للاستراحة المتكررة.

كوارث الطبيعة

يؤدي التعرض للكوارث الطبيعية الناتجة عن التغير المناخي إلى زيادة احتمالية إصابات العين، كما تمنع المصابين بأمراض مختلفة من الوصول إلى الرعاية الصحية اللازمة، أو تثنيهم عن طلب العلاج خلال فترات الطقس المتطرف.

إحدى الدراسات التي أجريت على مدينة هيفي الصينية كشفت عن انخفاض عدد زيارات مصابي إعتام عدسة العين إلى المستشفيات عند الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، بنسبة 4% لكل درجة مئوية، بحسب Springer Link.

ويفوق معدل ارتفاع درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط بقية مناطق العالم بفارق يقترب من الضعف؛ ما يثير تساؤلات حول ما يجب فعله لتجنب الآثار الصحية المتوقعة.

ويحدد كاهوك مجموعة إجراءات لا بد من اتخاذها من أجل تخفيف الأخطار، مثل تعزيز الوصول إلى الرعاية الصحية التي تتضمَّن فحوصات دورية للعين؛ من أجل التعرف على المشكلات في مرحلة مبكرة، وتقليل خطر فقدان البصر، ومحاولة تقليل انتشار الأمراض عبر الاهتمام بالنظافة البيئية والشخصية.

ولا تقل حماية العين من الشمس، ومخاطر الأشعة فوق البنفسجية أهميةً عن كافة وسائل تقليل انتشار أمراض العين عن طريق ارتداء النظارات الشمسية، وتوفير مناطق الاستظلال، والتشجيع على استخدامها خلال الموجات الحارة.

وتتزايد التحذيرات للدول النامية من أن تفاقم أمراض العين بفعل التغيرات المناخية سيمثل عبئاً ثقيلاً على تلك الدول؛ بسبب الوصول المحدود إلى الرعاية الطبية، علاوة على التكلفة المالية التي سيتكبدها الأفراد والنظم الصحية لمواجهة هذه الأمراض.