فيروسات المحيطات.. جنود مجهولة في مواجهة تغير المناخ


سلمى عرفة
الاربعاء 04 أكتوبر 2023 | 08:28 مساءً

على غير الشائع عن أضرار الفيروسات على صحة البشر والكائنات الحية، تلعب هذه الكائنات دوراً بالغ الأهمية في حماية الأرض.

وتضم المسطحات المائية، لا سيما المحيطات، عدداً ضخماً من الفيروسات التي تقوم بأدوار مختلفة؛ حيث يحتوي كل ملليلتر من المياه على ما يصل إلى 5 مليارات فيروس.

وتلعب الفيروسات دوراً بارزًا في النظام البيئي المائي؛ حيث تساهم الأنواع التي تؤدي إلى نفوق الكائنات البحرية، مثل البكتيريا والطحالب، في إبقاء تعدادها تحت السيطرة في المحيطات.

وبحسب موقع Hakai Magazine، تُساهِم تلك الفيروسات في انطلاق العناصر الغذائية – مثل الفوسفور والكربون من الكائنات الدقيقة التي قتلتها – إلى المياه؛ ما يساهم في انتعاش كائنات أخرى.

دورة الكربون

على مدى سنوات طويلة، حاول العلماء تحديد موقع الفيروسات في دورة امتصاص ثاني أكسيد الكربون في مياه المحيطات، التي تساعد في تخفيف نسبته في الغلاف الجوي، ومن ثم تساعد في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.

في عام 2016، خلص مجموعة من العلماء إلى أن الفيروسات التي تصيب البكتيريا الزرقاء الموجودة في مياه المحيط، تسرق الطاقة منها، وتمنعها من القيام بدورها في امتصاص وتثبيت الكربون، ومن ثم قد تكون مسؤولة عن الكميات الإضافية الموجودة من الغاز التي نعاني منها.

وتُعرَف عملية تثبيت الكربون بأنها عملية يجري خلالها تحويل الكربون إلى مركبات عضوية.

وأحضر باحثو جامعة وارويك البريطانية، بكتيريا بحرية يطلق عليها Cyanobacteria، وتم تعريضها للإصابة بفيروسات مأخوذة من القنال الإنجليزي والبحر الأحمر، ثم اختبروا قدراتها على التعامل مع الكربون من خلال مادة بيكربونات الصوديوم.

واكتشف الباحثون أن عملية تثبيت الكربون تعثرت بعد ساعات من وصول الفيروسات إلى البكتيريا؛ إذ انخفضت كميات الكربون التي جرى تثبيتها بفارق يصل إلى 4.8 مرة عن البكتيريا التي لم تُصِبْها الفيروسات، وفق دورية Current Biology.

زاوية أخرى

بعد الدراسة الأولى بسنوات، أكد علماء آخرون في عام 2022، أن هناك أنواعاً معينة من الفيروسات الموجودة في المحيطات تقوم بالعكس تماماً، وتساعد الكائنات الأخرى على امتصاص المزيد من ثاني أكسيد الكربون.

وكشفت الدراسة التي أجرتها جامعة أوهايو الأمريكية، أن أكثر من 1200 نوع من الفيروسات، يمكنها زيادة قدرة النباتات البحرية على التعامل مع الغاز الذي يُفاقِم ظاهرة الاحتباس الحراري بعد الإصابة، ولا تُسبِّب تلك الفيروسات أيَّ مخاطر على صحة البشر، بحسب موقع The Weather Network.

ويظل الكربون داخل أجسام هذه الكائنات النباتية، ثم يغوص معها في قاع المحيط بعد نفوقها، لتبقى في ذلك القاع إلى الأبد. ويشير الباحثون إلى إمكانية استغلال الأمر من خلال ابتكار نظام تكنولوجي للاستفادة من تلك الفيروسات في التحكم في كميات الكربون التي يجري امتصاصها.

بدوره، يقول ماثيو سوليفان الباحث الرئيسي للدراسة، إن العالَم سيكسب المزيد من الوقت قبل وقوع أسوأ السيناريوهات المتعلقة بالمناخ، بفارق قد يصل إلى ألف عام كاملة إذا ما نجحت هذه الفكرة.

فيروسات الجليد

وحذر علماء كنديون من أن الفيروسات والبكتيريا التي ظلت حبيسة المحيط الشمالي المتجمد كل هذه الفترة، قد تخرج لتصيب مضيفاً جديداً بالتزامن مع ذوبان الثلوج الناجم عن ارتفاع درجة حرارة الأرض.

والواقعة الأشهر كانت بطلتها بكتيريا "العصوية الجمرية" التي تؤدي إلى الإصابة بمرض الجمرة الخبيثة، وأدت في 2016 إلى وفاة طفل وإصابة 7 آخرين في سيبيريا، بعدما خرجت البكتيريا من جثمان "رنة" متجمدة بعدما تعرَّض لارتفاع درجة الحرارة، وفق صحيفة الجارديان البريطانية.

وقال الباحث جييرمو هويرتا المشارك في دراسة جامعة ولاية أوهايو، إنه لا يمكن حتى الآن حساب نسبة امتصاص ثاني أكسيد الكربون التي تُحدِثها فيروسات المحيطات، لكن يمكن الاعتقاد بأنها نسبة ضخمة.

وأشار هويرتا، في تصريح لـ"جرين بالعربي" إلى تنوع أنشطة الفيروسات على الكائنات الأخرى بين التسبُّب في نفوقها أو المساهمة في الانتقال الجيني أفقياً، أو إعادة برمجة التمثيل الغذائي، ومن ثم التنوع في الآثار المترتبة على ذلك.

ويُعرَّف الانتقال الأفقي للجينات بعملية انتقال المواد الوراثية بين كائنات وأخرى بطريقة لا تناسلية، بحسب موقع Science Direct.

وأضاف هويرتا: "الفيروسات تندرج ضمن قائمة الطفيليات الإجبارية التي تحتاج إلى مضيف من أجل التكاثر، ومن ثم فإن هناك توقعات بوجودها في كافة أجزاء المحيط".

وتابع: "المحيط الشمالي المتجمد بالتحديد يتسم بتنوع الفيروسات الموجودة فيه، ورغم أن أسباب الأمر لا زالت افتراضية، فإن هناك ترجيحات بأن تلك الفيروسات ستُصنَّف ضمن اللاعبين العامِّين في دورة الكربون هناك".

تسميد المحيطات

وأشار الباحث إلى ما تسمى "تقنيات التسلسل الجديدة" التي تُستخدم لفك رموز التنوع الشديد في جينات الفيروسات. وهذه السمات الجينية لا تساعد على فهم بيئة تلك الكائنات وتطورها فحسب، بل في كيفية الاستفادة من ذلك المخزون الجيني كذلك.

وذكر هويرتا مقترحات سابقة طالبت بـ"تسميد المحيطات" من خلال إضافة الحديد إلى المياه؛ لتعزيز نمو الطحالب وامتصاص ثاني أكسيد الكربون، لكن تلك المقترحات لم تخضع للاستكشاف التجريبي بسبب عدم توافر معرفة كافية حول آثارها البيئية على مستوى العالم.

ومضى الباحث الإسباني قائلاً: "ذوبان الجليد وتحرُّر الفيروسات لا يثير مخاوف صحية فحسب، بل بيئية كذلك، ولا يمكننا التنبؤ بالتأثيرات البيئية لتلك الظاهرة، لكن من الممكن أن تؤثر الفيروسات المذابة سلباً على التوازن البيئي في المحيطات؛ وهذا دون معرفة مدى تأثير ذلك على دورة الكربون".

واختتم حديثه مشيراً إلى وجود اهتمام كبير باللجوء إلى نماذج تنبؤ بيئية تكون هذه الفيروسات جزءاً منها، حتى تصبح التوقعات التي تخرج بها أكثر قوةً وعلميةً.