بمشهد غير معتاد لشوارع تخلو من ضوضاء السيارات وعوادمها، وتقتصر فيها التنقلات على الوسائل الصديقة للبيئة مثل الدراجات الهوائية، طبقت ذلك بعض المناطق بالعالم تخفيفاً للانبعاثات الكربونية المؤدية إلى ظاهرة الاحترار.
ويحيي العالم اليوم الدولي للخلو من السيارات، في 22 سبتمبر من كل عام، لتسليط الضوء على الفوائد العديدة لتقليل تلوث الهواء والترويج للمشي وركوب الدراجات الهوائية الأكثر أماناً على البيئة.
ووفق بيانات معهد الموارد العالمية، يساهم قطاع النقل حول العالم بـ14٪ من انبعاثات غازات الدفيئة التي تنطلق إلى الغلاف الجوي سنوياً، وتمثل المركبات على الطرق 72٪ من هذه النسبة.
وفي عام 2020، بدأت عدة دول إفريقية مثل أوغندا وإثيوبيا ورواندا، تخصيص أيام تخلو فيها الشوارع من السيارات، باعتبار ذلك نقطة انطلاق لمحاربة التلوث وتشجيع التنقل المستدام وممارسة الرياضة وركوب الدراجات، وفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وهناك مناطق حول العالم لم تكتف بأيام كل شهر، بل تبنت الفكرة وباتت شوارعها تخلو من السيارات، مثل منطقة فاس البالي بالمغرب، والبلدة القديمة في مدينة دوبروفنيك بكرواتيا، والبلدة القديمة في لامو بكينيا، وقرية زيرمات في سويسرا، وفق ما ذكره موقع Bolt.
آثار التخفيف
على المدى البعيد، يساهم تراجع وجود السيارات في تحسين جودة الهواء النظيف وانخفاض التلوث السمعي بالمدن، في وقت بات فيه 99٪ من سكان العالم يتنفسون هواءً تتجاوز ملوثاته الحد القانوني الذي أقرته منظمة الصحة العالمية.
ويمكن الاستفادة من المساحات التي تشغلها السيارات في زيادة المساحات الخضراء؛ فعلى سبيل المثال قامت أوسلو عاصمة النرويج بتحويل أكثر من 700 مكان لاصطفاف السيارات إلى حدائق وممرات للدراجات ومقاعد، كما تخطط العاصمة الفرنسية باريس كذلك لإزالة 70 ألفاً من الأماكن التي تشغلها السيارات وتحويلها إلى ممرات للمشي وركوب الدراجات.
وتهدف باريس أيضاً إلى حظر المركبات الخاصة في قلب المدينة بحلول عام 2024، بينما قررت مدينة نيويورك الأمريكية تخصيص 25٪ من المساحات الخاصة بالسيارات إلى أماكن للمارة بالشوارع بحلول عام 2025.
ويتطلب تنفيذ المدن سياسات منع السيارات طرح خيارات نقل بديلة، وإعادة تصميم الشوارع لتخصيص أماكن للمارة وراكبي الدراجات الهوائية.
النقل المستدام
وتعجز معظم المدن العربية عن تطبيق قرار حظر سير السيارات، لكنها تركز على الاستدامة وتقديم خدمات خضراء بالنقل العام، بهدف خفض معدل استخدام السيارات الشخصية.
وحققت المملكة العربية السعودية عدة إنجازات في مشروعات النقل الذكي؛ إذ أعلنت، في فبراير 2023، عن أول حافلة نقل عام كهربائية تقدم خدماتها لسكان مدينة جدة؛ وذلك لتخفيض الانبعاثات الكربونية بنسبة 25٪ بحلول عام 2030.
وتميزت الحافلات السعودية الجديدة بأنها تستهلك كميات أقل من الطاقة بفارق 10٪ مقارنة بالحافلات الكهربائية السابقة.
كما تمكنت المملكة من تحقيق قفزة تكنولوجية خلال العمل على مشروع "نيوم" الذي يمتد على مساحة تتجاوز 26 ألف كم مربع، ويشمل إنشاء مدينة "ذا لاين" الخالية من السيارات، وتوفير وسائل النقل الجماعي، والمركبات الذاتية القيادة، إضافة إلى وسائل التنقل الجوي الكهربائي للمسافات البعيدة.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، أعلن مركز النقل التابع لدائرة البلديات بجزيرتي ياس والسعديات في أبوظبي، عن تقدم مشروع النقل الذكي الذي يضم 8 سيارات أجرة ذاتية القيادة، جرى استخدامها في 17 ألف رحلة للركاب حتى الآن.
كما ضم المشروع في العام الماضي حافلات ذكية صغيرة وفرت حلولاً لنقل فعال وصديق للبيئة؛ ما يعزز خيارات التنقل المتاحة في هذه المناطق.
ولمزيد من التطور، أعطى مجلس الوزراء الإماراتي موافقته على إنشاء شبكة وطنية لشواحن السيارات الكهربائية، إضافة إلى وضع لوائح تنظم هذه السوق، من أجل تقليل الانبعاثات والحفاظ على جودة الطرق في دولة الإمارات.
وتبشر تلك الحلول بإمكانية تحقيق حلم عالم آمن خالٍ من تلوث الهواء، الذي يعد الخطر البيئي الأكبر على الصحة البشرية، وواحداً من أهم الأسباب التي يمكن تجنبها للوفيات والأمراض على الصعيد العالمي.