بحر الرمال "الطائر".. الخريطة العربية ضحية العواصف الصفراء


فيروز ياسر
الثلاثاء 11 يوليو 2023 | 10:45 مساءً

وكأنها لعنة رملية ضربت مناطق شاسعة من الكرة الأرضية، فلحفت مدنها وحواريها بغطاء برتقالي اللون، إذا أخرج أحد سكانها يده لم يكد يراها من جراء عاصفة ترابية رملية شديدة اجتاحت كل مكان. مشهد لم يعد عن الشرق الأوسط ببعيد، وما حدث العام الماضي مجرد "بروفة" لسيناريو مناخي يخشى الباحثون والراصدون تكراره هذا العام.

إدراكاً من الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتأثيرات السلبية المختلفة للعواصف الرملية باعتبارها من الأزمات المناخية ذات الاهتمام الدولي، اتخذت من يوم 12 يوليو من كل عام يوماً دولياً لمكافحة العواصف الترابية.

ففي مايو من العام الماضي، أظهرت صور الأقمار الصناعية عاصفة ترابية ضربت العراق قبل امتدادها إلى السعودية؛ ما دفع هيرين جيثفا من جامعة ولاية مورغان وعالمة ناسا، إلى القول بأن بيانات الوكالة الدولية أزاحت الستار عن غبار وصل إلى أكثر من ثلاثة أميال في السماء، وبعد تضاؤل طبقات الغبار اتجه ناحية البحر الأحمر.

الظاهرة نفسها تكررت في دولة الكويت، وسجلتها العاصمة الإيرانية طهران وسوريا، وعلى إثرها نُقل مئات بل آلاف الأشخاص إلى المستشفيات نتيجة مشاكل في الجهاز التنفسي، وتوقفت رحلات الطيران.

العواصف الرملية

رغم أن العواصف الترابية المعروفة باسم "haboobs" ظاهرة طبيعية تحدث بدول الشرق الأوسط المعروفة بصحاريها، فإن وتيرتها زادت في الآونة الأخيرة؛ ففي العراق وحده حدثت تسع عواصف كبيرة؛ وذلك نتيجة التغيرات المناخية الحالية.

عالم البيئة في كلية المناخ بجامعة كولومبيا بنجامين كوك، اعتبر أن العاصفة الرملية تحتاج إلى مصدر للغبار وانعدام النباتات، وظروف جافة جداً لكي تنطلق في منطقة ما. ولأن العراق يعاني من قلة هطول الأمطار فالعواصف الأخيرة نشأت نتيجة ذلك.

أما الباحثة ببرنامج إيران التابع لمعهد الشرق الأوسط بنفشة كي نوش، فقالت إن العواصف في إيران والعراق مرتبطة بالممارسات الزراعية في المنطقة، وسوء إدارة الأنهار المشتركة، كما أن تغير المناخ الذي سببه البشر وراء ارتفاع درجة الحرارة في منطقة الشرق الأوسط بسرعة تبلغ الضعف عن بقية العالم، وزيادة حدة العواصف الترابية؛ حيث تؤدي درجات الحرارة المرتفعة المقترنة بزيادة مشكلات إمدادات المياه إلى تهيئة المنطقة الصحراوية لمزيد من العواصف الترابية.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن مسؤول في وزارة البيئة العراقية قوله إن الأيام المغبرة في البلاد زادت من 243 يوماً إلى 272 خلال العام الواحد و على مدى عقدين، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للأرصاد الجوية.

المصادر الطبيعية للعواصف الرملية والترابية هي في الأساس الصحاري والأراضي الجافة، وفي الأشهر الحارة من الصيف، تحمل الرياح الشمالية الشرقية القوية كميات كبيرة من الجزيئات عبر المنطقة، لكن العواصف حالياً تمتد إلى فترات زمنية أطول، وتنتشر إلى منطقة أوسع.

لماذا العراق؟

خسائر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تصل إلى 13 مليار دولار سنوياً بسبب تزايد العواصف الرملية. وهنا تكمن الأزمة؛ حيث أضرت بالمحاصيل والحيوانات والمباني والبنية التحتية، كما يتوقف العمل في بعض الدول لعدة أسابيع.

هذه الأرقام دفعت الأستاذ المشارك في هندسة الموارد المائية ومركز دراسات الشرق الأوسط المتقدمة في جامعة "لوند" السويدية حسين هاشمي، إلى دراسة أسباب واتجاهات العواصف منذ سنوات طويلة، فقال عبر موقع الجامعة إن أعلى كثافة لمصادر الغبار بالشرق الأوسط موجودة في العراق، وتحديداً بين نهري دجلة والفرات، وعلى طول الحدود السورية العراقية.

المصادر الطبيعية للعواصف الرملية والترابية هي في الأساس الصحاري والأراضي الجافة، وفي الأشهر الحارة من الصيف، تحمل الرياح الشمالية الشرقية القوية كميات كبيرة من الجزيئات عبر المنطقة، لكن العواصف حالياً تمتد إلى فترات زمنية أطول، وتنتشر إلى منطقة أوسع.

وقال إنه بالرغم من أن تغير المناخ دافع للظاهرة، فإن العوامل البشرية كالأراضي الزراعية المهملة، والهجرة إلى المناطق الحضرية، ونزوح السكان بسبب النزاعات، سبب رئيسي في حدة العواصف الرملية.

قطاعات مهددة

مع النظرة القاتمة التي يسوقها خبراء البيئة، يرى المتخصص في الاقتصاد البيئي واستشاري التنمية المستدامة صالح عزب، في حديثه إلى "جرين بالعربي"، أن الوقود الأحفوري من أكثر المسببات لارتفاع درجات الحرارة الذي يصحبه طقس متطرف، كالعواصف الرملية المتكررة التي تجرف سطح الأرض وتؤدي إلى مزيد من التصحر، ومن ثم تؤثر سلباً على قطاع الزراعة من خلال إزاحة قشرة التربة وتبوير الأرض، مسببةً للدول خسائر كبيرة في قطاع الزراعة.

العواصف الرملية قادرة على تدمير أجزاء من النباتات البرية المستخدمة في صناعة الأدوية، ومن ثم تهدد قطاع الصحة، علاوة على تدميرها صحة السكان من خلال ظهور أمراض تنفسية بجانب هدم المباني السكنية ونزوح بعضهم، لكن من حسن الحظ لم تصل إلى هذه المرحلة بدول الشرق الأوسط، وفق "عزب".

وكشف أن مصدات الرياح ووضع مثبتات للتربة وزراعة الأشجار، خصوصاً النخيل المتوافر في الدول العربية، يعد حلاً مميزاً للعواصف الترابية، لكنها لا تقضي على المشكلة من جذورها، بل تعالج الطقس المتطرف؛ فلا بد من تقليل مسببات التغير المناخي عن طريق تقليل استهلاك الوقود الأحفوري وغازات الاحتباس الحراري بتعاون من جميع دول العالم.

يمكن أن يبقى الغبار الرملي في الغلاف الجوي لعدة أيام ويقطع مسافات طويلة، بالإضافة إلى التقاطه للبكتيريا وحبوب اللقاح والفطريات والفيروسات

آثار صحية

المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، حذرت بدورها من المخاطر التي يشكلها الغبار الجوي؛ ففي الغالب تنحصر الجسيمات الصغيرة التي يمكن أن يكون حجمها أصغر من 10 ميكرومترات في الأنف والفم والجهاز التنفسي العلوي، ونتيجةً لذلك ترتبط باضطرابات الجهاز التنفسي مثل الربو والالتهاب الرئوي.

يمكن أن يبقى الغبار الرملي في الغلاف الجوي لعدة أيام ويقطع مسافات طويلة، بالإضافة إلى التقاطه للبكتيريا وحبوب اللقاح والفطريات والفيروسات.

يقول اختصاصي الأشعة والباحث في جامعة ستراسبورج "توماس بوردريل"، إنه حتى لو كانت جزيئات الرمل أقل سمية من الجزيئات الناتجة عن الاحتراق، فإن كثافتها الشديدة أثناء العواصف تؤدي إلى زيادة كبيرة، إلى حد ما، في معدل وفيات القلب والجهاز التنفسي، بخاصة بين الفئات الأكثر ضعفاً.

معهد الكويت للأبحاث العلمية وقَّع اتفاقية مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في بداية عام 2023 لتمويل مشروع التكيف والمرونة للعواصف الرملية والترابية العابرة للحدود القادمة من جنوب العراق ومعالجة مشكلة الغبار التي تؤثر على الكويت والخليج؛ حيث قدرت الخسائر السنوية الناتجة عن العواصف الرملية والترابية بـ190 مليون دينار كويتي.

المدير العام للمعهد الدكتور مانع السديراوي، أوضح بدوره أن المشروع سينفذ في منطقتين جنوب الأراضي العراقية بمساحة 8212 كيلومتراً مربعاً، باعتبارهما من المصادر الرئيسية للعواصف الترابية.

المشروع سيعمل على تثبيت التربة في مناطق شمال العراق، ووضع بنية تحتية لإعادة تأهيل المناطق المتضررة لتقليل الغبار العابر للحدود؛ لأن بناء الحواجز داخل البلدان دون معالجة المصدر الرئيسي للمشكلة لن يكون كافياً، وخاصة أن مسار الغبار يبدأ من تلك المناطق مروراً بالكويت إلى قطر والإمارات.

وزارة الزراعة العراقية أعلنت توجهها إلى التوسع في بساتين النخيل لمواجهة العواصف الترابية وتثبيت الكثبان الرملية؛ فمن مخططاتها الاعتماد على الري بالتنقيط لتوفير المياه، كما أنها قامت في السنوات الماضية بتجديد بساتين النخيل القديمة من خلال زراعة فسائل نخل جديدة، وعندما تكبر يجري قلع النخيل القديم الذي يكون عمره الإنتاجي قليلاً، وتعتمد الزراعة الجديدة على الآلات الزراعية الحديثة.