تصدير اللحوم.. التكلفة البيئية لرحلة البحث عن بروتين حيواني رخيص


سلمى عرفة
الاحد 02 يوليو 2023 | 04:41 مساءً

أزمات متشابكة ومتبادلة بين إنتاج اللحوم والتغيرات المناخية؛ فإذا كانت مزارع المواشي والدواجن تحجز موقعها ضمن قائمة المساهمين سلباً في ظاهرة الاحتباس الحراري بسبب انبعاثات غازات الدفيئة التي تطلقها فإنها ضحية للتغير المناخي نفسه.

تحليل عالمي جديد كشف أن 50% من كبرى مؤسسات تربية المواشي والدواجن في العالم، وعددها 40 شركة، تواجه خطر الخسائر بحلول عام 2030 بسبب زيادة التكاليف التي تسببها أزمة المناخ، وفق شبكة FAIIR العالمية المعنية بالتركيز على المخاطر البيئية والفرص في سلاسل إمداد البروتين.

الشبكة أطلقت أداة بالتعاون مع المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية (IIASA) وباستخدام أحدث السيناريوهات المناخية التي نشرتها الهيئة الدولية الحكومية المعنية بالمناخ، والشبكة الدولية للنظام المالي الأخضر.

عدة سيناريوهات تناولها التحليل؛ أبرزها استمرار العمل كالمعتاد بدون إحداث تغييرات في الطريقة التي تعمل بها هذه الشركات، دون اتخاذ إجراءات لتخفيف الأزمة، مع الوضع في الاعتبار زيادة معدل ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى درجتين مئويتين بحلول عام 2100.

بحلول عام 2030، سيبلغ متوسط الخسائر التي ستتكبدها الشركات 7% من هامش أرباحها، بما يصل إلى 24 مليار دولار أمريكي، وستسجل 20 شركة منها خسائر بدلاً من تحقيق أرباح.

وتتضمن التكاليف المرتبطة بالمناخ، الضريبة الكربونية المتوقعة، وهي الضرائب التي تُفرَض على الأنشطة الاقتصادية التي تصدر عنها انبعاثات غازات الدفيئة. ليس هذا فحسب، بل سترتفع التكاليف التي ستتحملها هذه الشركات بمتوسط يزيد على 9%، أكثر من نصفها يعود إلى زيادة أسعار العلف.

بحلول عام 2030 سيبلغ متوسط الخسائر التي ستتكبدها الشركات 7% من هامش أرباحها بما يصل إلى 24 مليار دولار أمريكي وستسجل نصف تلك الشركات خسائر بدلاً من تحقيق أرباح

ولن يحل عام 2050 حتى تختلف طبيعة الأزمة؛ إذ من المتوقع أن تفوق ضرائب الكربون المقدار الذي ستزيده أسعار العلف، وستكون شركات أمريكا اللاتينية المتضرر الأكبر في هذا السيناريو؛ إذ ستشهد ست من شركاتها خسائر في هامش أرباحها.

تأثير ممتد

جانب آخر من القضية يرتبط بالبلدان التي تستورد من هذه الشركات، واحتمالية تأثرها بتلك الخسائر، إذا لم تنفذ توصيات تنويع منتجاتها وتنفيذ استراتيجيات لتخفيف الآثار؛ من بينها اللجوء إلى بدائل نباتية. ولعل أبرز الشركات التي تناولها التحليل شركة JBS البرازيلية، التي تضم عدة علامات تجارية للحوم والدواجن، وستتكبد – حسب التوقعات – خسائر بقيمة خمسة مليارات دولار أمريكي بحلول العقد المقبل.

وفي عام 2021، احتلت دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 11.2% من سوق صادرات الشركة البرازيلية مقابل 10.5% في عام 2020، لتحتل المركز الثاني في قائمة المناطق المستوردة بعد منطقة الصين الكبرى، وهو اسم يطلق على الصين وهونج كونج وتايوان ومنطقة ماكاو، وفقاً لموقع Just Food المعني بصناعة الأغذية.

استيراد اللحوم والدواجن يكلف الدول العربية مليارات الدولارات سنويّاً؛ فعلى سبيل المثال، استوردت مصر لحوماً بقيمة 1.4 مليار دولار خلال الـ11 شهراً الأولى من عام 2022، بحسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

أما السعودية فاستوردت دواجن بقيمة 1.13 مليار دولار خلال عام 2021، أكثر من 60% منها من البرازيل، كما استوردت أغناماً وماعزاً بقيمة 512 ألف دولار أغلبها من السودان، ثم اللحوم البقرية المجمدة بقيمة 449 مليون دولار، ويأتي أغلبها من الهند، وفقاً لإحصائيات عام 2021 التي نشرها موقع The Observatory of Economic Complexity.

وأنفقت الإمارات في العام نفسه 324 مليون دولار على اللحوم البقرية المجمدة، و932 مليون دولار على استيراد الدواجن، مثلت الدواجن البرازيلية أكثر من 70% منها.

الشكل المستقبلي للسوق

عالِمة السياسات في المعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية (ILRI) الباحثة لورا كرامر تقول إنه إذا تراجعت أرباح الشركات بسبب التكاليف المرتبطة بأزمة المناخ، فإنها قد تحاول تعويض بعضها من خلال رفع الأسعار؛ ما سيؤثر على المستهلكين في الدول المستوردة.

وخلال حديثها إلى "جرين بالعربي" أشارت لورا إلى الوضع الشديد السوء الذي سيُواجهه صغار منتجي الثروة الحيوانية، لا سيما في قارة إفريقيا؛ بسبب ارتفاع التكاليف، والخسائر المتكررة الناتجة عن التغيرات المناخية.

وأكدت أهمية هذه الفئة من المنتجين في سلاسل القيمة الغذائية ذات المصدر الحيواني؛ فإذا ما جرى تقديم الدعم المناسب لهم للتكيف مع الأزمة، فقد يتمكنون من التصدير إلى الدول التي تستورد حالياً من الشركات الكبرى.

وتوقعت أن تسعى دول العالم العربي إلى بدائل للحصول على منتجات اللحوم والدواجن، وهو ما قد يمثل فرصة للشركات أو البلدان التي تُمِد السوق حالياً بكميات محدودة.

مخاوف غذائية

وعن نتائج زيادة الأسعار منتجات اللحوم والدواجن، تقول "كرامر" إن تقليل استهلاكها سيمثل فائدة صحية لمن يتناولون كميات أكبر من تلك الموصى بها، لكنَّ هناك مستهلكين قد يفقدون مصدراً غذائياً مكثفاً في نظامهم، وهو ما قد يعود عليهم بآثار سلبية، خصوصاً الأطفال.

والمعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية منظمة غير ربحية تعمل في مجال الثروة الحيوانية بالدول النامية؛ إذ أعربت الباحثة المميزة فيها عن قلقها بشأن الفقراء أو من يقتربون من تلك الفئة، ويحتاجون إلى الكميات الموصى بها من الأطعمة ذات المصدر الحيواني من أجل الحصول على نظام غذائي صحي ومتوازن.

توقعات بسعي دول العالم العربي إلى بدائل للحصول على منتجات اللحوم والدواجن وهو ما قد يمثل فرصة للشركات أو البلدان التي تمد السوق حالياً بكميات محدودة

"كرامر" ذهبت أيضاً إلى أن الجزء الأكبر من المخاوف بشأن تراجع الأمن الغذائي، يقع في مناطق لا يشتري فيها المستهلكون من شركات الثروة الحيوانية الكبرى، مثل القرن الإفريقي؛ حيث تسبب الجفاف الممتد في نفوق الملايين من رؤوس الماشية، وأدى إلى وضع مُزْرٍ من انعدام الأمن الغذائي وفقدان مصدر العيش.

الدكتور فيليب ثرونتون أحد أبرز علماء المعهد الذي شارك في قيادة برنامج "CGIAR" لأبحاث التغير المناخي والزراعة والأمن الغذائي خلال الفترة بين 2010 إلى 2021، يتفق مع "كرامر" حول التغير الذي قد تشهده سوق التصدير، قائلاً إن التباين المتوقع في حجم زيادة تكلفة الإنتاج التي ستتحملها الشركات، قد يمنح مزايا نسبية للمصدرين في البلدان الأقل تأثراً.

لكنه استبعد، في حديثه إلى "جرين بالعربي"، أنْ تُواكِب عمليات رفع كفاءة الإنتاج الحيواني التي تسير بوتيرة بطيئة، الزيادة التي تشهدها أسعار العلف، كما أن هناك أزمة أخرى في الاعتماد على بدائل الأعلاف، وهي ضمان انتظام إمداداتها بأسعار تنافسية.

وتتنوع البدائل المحتملة لأعلاف الماشية بين ما يعتمد على البروتين الأحادي الخلية أو الفطريات أو الطحالب أو النفايات العضوية وغيرها.

واعتبر أن شركات إنتاج الثروة الحيوانية مهتمة كذلك بتقليل كثافة الانبعاثات الناتجة عن إنتاج اللحوم والألبان، من خلال توفير أنظمة غذائية عالية الجودة للحيوانات، والحصول على كميات أكبر بالنسبة إلى كل كيلو جرام من ثاني أكسيد الكربون تتسبب في انبعاثه، ومن ثم يقل عدد الحيوانات التي تعتمد عليها، وفي الوقت نفسه تُستخدَم وسائل ذات تكلفة بيئية أقل من أجل توفير هذه الأنظمة الغذائية.

"ثرونتون" أشار إلى احتمالية ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن، وربما حدوث عجز في بعض الأسواق التي تعتمد على أسعار أقل.

تراجع المكانة

العالِم المشارِك في أبحاث التغير المناخي والزراعة والأمن الغذائي، قال إن القدرة التنافسية لعمليات الإنتاج المكثف للثروة الحيوانية ستتأثر في حال ارتفاع سعر الكربون خلال العقد المقبل، كما سيؤثر الاتجاه المتوقع إلى تقليل كثافة عملية الإنتاج من أجل تقليل انبعاثات غازات الدفيئة كذلك على أنماط التجارة وقدرات الدول على المنافسة.

لكن هناك جانباً مضيئاً من الأمر، وهو أن ارتفاع تكلفة الإنتاج وزيادة أسعار منتجات اللحوم والدواجن سيدفع المزيد من البشر إلى نظام غذائي أكثر ملاءمةً للمعايير البيئية.

"ثرونتون" يرى أن هناك ثلاثة مسارات أمام شركات الثروة الحيوانية؛ أولها تحويل البدائل النباتية إلى منتجات والترويج لها، وثانيها التوسع في اللجوء إلى بدائل البروتين لعلف الحيوانات. أما الاتجاه الثالث فهو تسويق المنتجات الحيوانية في أسواق متخصصة لفئات المجتمع الأكثر ثراءً.

وفي الدول المنخفضة الدخل، يرى أنه على قطاع الثروة الحيوانية "تكثيف" الاستدامة وتقليل البصمة الكربونية واستهلاك المياه والأراضي، وربما يساهم تحسين أنظمة الرعي الطبيعية – على سبيل المثال – في توفير بروتين حيواني رخيص نسبياً لشعوب هذه البلدان.