من دون آذان أو أعصاب.. كيف تسمع الزهور وتستجيب للملقحات؟


محمد محسن
الثلاثاء 01 يوليو 2025 | 11:50 مساءً
النبات يسمع أصوات النحل
النبات يسمع أصوات النحل

كشفت دراسة حديثة نشرتها صحيفة "الجارديان" البريطانية عن قدرة النباتات على الاستجابة لصوت حركة النحل السريعة، حيث تبين أن سماعها لطنين الأجنحة يحفزها على زيادة إفراز الرحيق عندما يكون النحل قريباً منها.

وأشارت الدراسة التي قادتها الدكتورة فرانشيسكا باربيرو، عالمة الحيوان بجامعة تورينو، إلى إمكانية استخدام هذه الأصوات كوسيلة صديقة للبيئة لتعزيز عملية التلقيح، لافتةً إلى وجود أدلة متزايدة على قدرة كل من الحشرات والنباتات على استشعار وإنتاج ونقل الإشارات الصوتية الاهتزازية.

النباتات تدرك محيطها بطرق مذهلة

تعتبر استجابة النباتات لطنين النحل واحدة من بين العديد من الآليات المدهشة التي تمكنها من إدراك بيئتها المحيطة؛ فالنباتات قادرة على تمييز وجود الحشرات النافعة والضارة، واستشعار التغيرات في درجات الحرارة، والاستجابة لظروف الجفاف، كما يمكنها قياس شدة الرياح واتجاهها.

وعلى الرغم من هذه القدرات المذهلة، ما زال العلم يحاول فك لغز كيفية سماع النباتات للأصوات، حيث تشير الفرضيات العلمية إلى أن النباتات قد تعتمد في ذلك على المستقبلات الميكانيكية، وهي خلايا متخصصة تتفاعل مع المنبهات الفيزيائية المختلفة مثل اللمس والضغط والاهتزازات، واللافت أن النباتات تحقق كل هذه الوظائف دون وجود جهاز عصبي مركزي، ما يدل على تطور أنظمة استشعار فريدة تمكنها من التفاعل مع بيئتها بفعالية كبيرة.

كيف تسمع النباتات دون آذان؟

توصل العلماء إلى اكتشاف مثير حول قدرة النباتات على سماع الأصوات والاستجابة لها، فقد لاحظ الباحثون أن النباتات تمتلك حساسية فائقة تجاه الاهتزازات الصوتية، خاصة تلك الصادرة عن الحشرات الملقحة مثل النحل.

وأجرى الفريق البحثي سلسلة من التجارب الدقيقة على نبات أنف العجل المعروف بزهرة التنين، حيث تم تعريض النباتات لتسجيلات صوتية متنوعة تشمل طنين النحل الحلزوني -أحد أهم الملقحات لهذا النوع من النباتات- إضافةً إلى أصوات حشرات أخرى وضجيج بيئي عادي، وجاءت النتائج لتكشف عن استجابة نباتية مدهشة.

وأظهرت النتائج أن النباتات تتفاعل بشكل انتقائي مع طنين النحل تحديداً، حيث سجل الباحثون زيادة واضحة في كمية الرحيق المنتج، مع ارتفاع ملحوظ في نسبة السكريات به، كما لاحظوا تغيرات في نشاط الجينات المسؤولة عن إنتاج ونقل السكريات داخل النبات، وتشير هذه الاستجابة الانتقائية إلى وجود آلية بيولوجية متطورة تمكن النبات من التمييز بين الأصوات المختلفة.

ومن جانبها، أوضحت رئيسة الفريق البحثي، الدكتورة باربيرو، أن هذه الظاهرة تمثل استراتيجية تكيفية ذكية تطورت لدى النباتات عبر الزمن، فالقدرة على تمييز صوت الملقحات المفيدة وتحفيز إنتاج الرحيق عند اقترابها فقط، تسمح للنبات بتوجيه موارده بشكل أكثر كفاءة، بدلاً من إنتاج الرحيق بشكل دائم، ينتجه النبات عند الحاجة فقط، ما يحفظ طاقته ويضمن تلقيحاً أكثر فعالية.

وأضافت أن هذا الاكتشاف يعد خطوة مهمة في فهم التفاعلات المعقدة بين الكائنات الحية، ويفتح آفاقاً جديدة للزراعة المستدامة التي تعتمد على التفاعلات الطبيعية بين المخلوقات.

كيف يساهم النحل في تلقيح النبات؟

ينجذب النحل إلى النباتات بسبب ألوان الزهور الزاهية ورائحتها العطرة، حيث يبحث عن الرحيق كمصدر غذائي، وعند وقوف النحلة على الزهرة، تلتصق حبوب اللقاح بجسمها، وتقوم بجمع الرحيق باستخدام لسانها الطويل وتخزنه في معدتها المخصصة، وأثناء انتقالها من زهرة إلى أخرى، تنقل حبوب اللقاح، ما يؤدي إلى تلقيح النباتات.

عُرضت هذه النتائج العلمية المهمة في النسخة الـ25 من المؤتمر الدولي للصوتيات التي عُقدت في نيو أورليانز، 21 مايو 2025، حيث لاقت اهتماماً واسعاً من المجتمع العلمي، وفتحت الباب لاستكشاف إمكانيات تطبيقها عملياً في المجال الزراعي.