بين أجهزة التدفئة بالشتاء والتبريد بالصيف، تقف البيئة حبيسة لتفاقم أزمة الاحتباس الحراري، ليدور معها العالم في دائرة مفرغة من البرد القارس أو الحر الشديد، حتى بات الطقس المعتدل بالنسبة للملايين استثناء يحلمون به.
يرتبط التطرف المناخي بارتفاع درجة حرارة الأرض، وما يترتب عليها من انخفاض وارتفاع شديديّن في درجات الحرارة، وفي النهاية تكون البيئة هي أبرز ضحايا أجهزة التدفئة والتبريد.
يشكل العيش في درجات حرارة غير معتدلة، خطورة على حياة الإنسان؛ إذ كشفت دراسة نشرتها دورية The Lancet Planetary Healt عن وفاة ما يزيد عن 5 ملايين شخص سنويا، بسبب تطرف الحر أو البرد.
الدراسة التي استمرت على مدار 20 عاما، وشارك فيها عشرات الباحثين، كشفت أن 9.4% من الوفيات السنوية حول العالم وقعت بسبب موجات الحر والبرد، وذلك بعد تحليل درجات الحرارة في 750 موقعا على كوكب الأرض.
يفوق عدد ضحايا درجات الحرارة المنخفضة على من فارقوا الحياة بسبب ارتفاعها، رغم انخفاض المعدل على مدار سنوات الدراسة مقابل تسارع وفيات الحر الشديد.
تصاعد تكاليف المعيشة في الدول ذات الطقس البارد حرم الملايين من الحق ببعض الدفء الذي يعتمد على الوقود الأحفوري
التدفئة والتغيرات المناخية
تستهلك الأنشطة المعتمدة على الحرارة أكثر من نصف الاستهلاك العالمي للطاقة، كما تساهم بـ40% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في هذا القطاع، بما في ذلك تدفئة المباني وتسخين المياه وأعمال الطهي والأنشطة الصناعية، بحسب تقرير نشرته وزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية البريطانية.
تصاعد تكاليف المعيشة في الدول ذات الطقس البارد حرم الملايين من الحق ببعض الدفء الذي يعتمد على الوقود الأحفوري، ففي عام 2021، لم يتمكن نحو 7% من الأوروبيين من تدفئة منازلهم، وسط توقعات بارتفاع النسبة بسبب أزمة الطاقة في 2022، وفقا لمنظمة المنتدى الاقتصادي العالمي.
في 2023، باتت كل عائلة أوروبية مضطرة لدفع 500 يورو شهريا لسداد فواتير الطاقة، وفقا لتوقعات بنك "جولدمان ساكس"، وهو ما يعادل أكثر من 3 أضعاف تكلفة 2021.
تدفئة صديقة للبيئة
أدت أزمة الطاقة العالمية الأخيرة إلى تزايد الإقبال على المضخات الحرارية، وهي خيار أكثر ملائمة للمعايير البيئية عن طريق امتصاص الحرارة من الأرض أو الهواء المحيط بالمبنى وزيادتها لدرجة تسمح بالتدفئة، عن طريق استهلاك كميات أقل من الطاقة الكهربية.
هنا كشفت الوكالة الدولية للطاقة عن ارتفاع مبيعات المضخات الحرارية في أوروبا، خلال النصف الأول من 2022 إلى الضعف مقارنة بالفترة نفسها من 2021، وسط توقعات بارتفاعها إلى 7 ملايين مضخة سنويا بحلول عام 2030.
تجارب أخرى حاولت الوصول إلى بديل صديق للبيئة، من بينها تطوير عدد من باحثي جامعتي "مارتن لوثر-هال وتنبرج" و"لايبزغ" بألمانيا مادة يمكنها تخزين الحرارة وإطلاقها عند الحاجة، وفقا لـScience Daily.
تختلف المادة المطورة عن المواد التقليدية بقدرتها على الاحتفاظ بكميات أكبر من الحرارة، ويمكن الاستعانة بها خلال عمليات البناء عن طريق دمجها في الحوائط لترتفع إمكانياتها في تخزين الحرارة بفارق يصل إلى 24 مرة لكل 10 درجات سيلزيوس مقارنة بالحوائط الأخرى.
)وصل عدد أجهزة التكييف حول العالم إلى نحو 2 مليار جهاز، 70% منها موجود في المنازل، ويقع العدد الأكبر من الأجهزة في الصين والولايات المتحدة واليابان‘‘
أزمة التبريد
الموجات الحارة تصاعدت وتيرتها على مدار العقود الأربعة الماضية بمقدار 6 أضعاف، وارتفعت حدتها بفارق 17% عما كانت عليه خلال فترة الثمانينات التي اقتصرت فيها الموجات الحارة على 20: 30 يوما خلال فصل الصيف، بحسب دراسة نشرتها دورية The American Meteorological Society in June.
دفعت محاولات مواجهة الحر المتزايد لانتشار أجهزة التكييف في مناطق مختلفة في العالم، لكن الأضرار التي تنتج عنها أدت إلى تفاقم أزمة المناخ.
ذكرت إحصائيات وكالة الطاقة الدولية، أن عدد أجهزة التكييف حول العالم وصل إلى نحو ملياريّ جهاز، 70% منها موجود في المنازل، ويقع غالبيتها في الصين والولايات المتحدة واليابان.
ينقسم التأثير البيئي لأجهزة التكييف إلى قسميّن الأول الكميات الهائلة من الطاقة اللازمة لتشغيلها، فقرابة الـ 10% من استهلاك الكهرباء حول العالم مخصص لأجهزة التكييفات والمراوح.
هذه النسبة ترتفع في المناطق ذات الطقس الحار، على سبيل المثال 70% من استهلاك الكهرباء في منطقة الخليج العربي يذهب لتشغيل أجهزة التكييف، وفقا لصحيفة "ذا ناشيونال".
يتمثل القسم الثاني في مساهمتها مباشرة بزيادة الاحترار العالمي من خلال تسرب الغازات من أجهزة التبريد الموجودة داخلها مثل مركبات "الهيدروفلوركربون" التي تحبس الحرارة في الغلاف الجوي بأعلى 12 ألف مرة من ثاني أكسيد الكربون، وفقا لمنظمة "السلام الأخضر" وهي منظمة عالمية مستقل تعمل من أجل حماية البيئة.
زيادة الطلب
في 2021، ارتفع الطلب على تكييفات الهواء إلى ما يزيد على 110 ملايين وحدة، مقارنة بـ107.45 مليون وحدة في العام السابق، مع توقعات بامتلاك ثلثي عائلات العالم للأجهزة بحلول 2050.
رغم ذلك، لا تزال أعداد كبيرة في المناطق الأكثر حرارة في العالم، والتي يعيش فيها نحو 3 مليارات نسمة عاجزة عن مواجهة الحر؛ إذ يقتصر عدد من يملكون أجهزة تكييف على 8% من سكانها، بحسب وكالة الطاقة الدولية.
تشمل الدول الأعلى في درجات الحرارة: مالي، وبوركينا فاسو، والسنغال، وتوفالو، وجيبوتي، وموريتانيا وفقا لمتوسط درجة الحرارة السنوية بين عامي 1991 و2020.
حلول أكثر صداقة للبيئة
لا يقتصر استخدام المضخات الحرارية التي تعمل بالكهرباء على التدفئة فقط، بل على التبريد كذلك من خلال نقل الحرارة من حيز لآخر.
ظهرت على مدار سنوات، العديد من المحاولات للوصول إلى طريقة صديقة للبيئة، آخرها ما قام به باحثو مركز لورينس بركلي الوطني في الولايات المتحدة بخلق نظام جديد لتغيير درجة الحرارة من خلال الاستفادة بالطاقة الناتجة من تحول المادة من صورة لأخرى، فذوبان الأجساد الصلبة يمتص الحرارة من الوسط المحيط، بينما يؤدي تجمدها إلى إطلاق الطاقة.
يسعى العلماء إلى أن تكون هذه الطريقة بديلة عن نظام التبريد المستخدم داخل التكييفات، ويمكن استخدامها في التدفئة كذلك.