حبوب مستدامة ومغذية من السهل زراعتها، ويمكنها تحمل الصدمات المناخية، كما توفر الغذاء لملايين الأسر الريفية داخل القارة السمراء، وباتت مؤخراً صيحة غذائية بين مشاهير العالم، إنها "الفونيو" أو الدُخن الإفريقي القديم.
يشمل الدُخن، مجموعة متنوعة من الحبوب الصغيرة بما في ذلك الديجيتاريا المعروفة بحبوب الفونيو، وهي من النباتات الأولى التي زُرعت داخل الأراضي الجافة بإفريقيا، ولا يزال يعد محصولاً أساسياً تقليدياً في مناطق جنوب الصحراء الكبرى.
الفونيو.. تراث غني وإمكانات كبيرة
محصول متجذر في الثقافات الإفريقية القديمة، وجزء من الإرث الإنساني داخل القبائل، وخاصةً في دول غرب القارة، حيث يمثل غذاءً مهماً للعائلات منذ أكثر من 5000 عام، ونحج في التكيف مع التغير المناخي على مدى قرون.
ومن أجل مساعدة الجميع على إعادة اكتشاف الفونيو وحصوله على القيمة التي يستحقها في الأسواق العالمية وعلى الموائد العائلية، أعلنت الأمم المتحدة منذ عامين أن 2023 هي السنة الدولية للدُخن، ما سلط الضوء بشكل كبير على فوائد الفونيو الغذائية والصحية والمناخية والاقتصادية:
غذاء صحي
باعتبار الفونيو من الحبوب الكاملة، فهو يمثل مصدراً جيداً للعناصر الغذائية الأساسية والمهمة، حيث يحتوي على مضادات الأكسدة والمعادن والبروتينات وكميات مختلفة من الألياف، وهو مصدر فعال للحديد بتكلفة منخفضة، وبديل غذائي للحبوب التقليدية بالأسواق، ويتميز بخلوه من الجلوتين، ما يجعله خياراً مفيداً لمن يعانون من حساسية الغلوتين أو مرض السكري أو مرضى الضغط المرتفع.
محصول مستدام
يتميز الفونيو بقدرته على مقاومة الجفاف وتحمل الأمراض والآفات والتكيّف مع الأحداث المناخية المتطرفة، كما أن زراعته لا تحتاج الى استنزاف الموارد الطبيعية، بل على العكس يمكن أن ينمو في تربة غير خصبة ومتدهورة داخل النطاقات القاحلة.
وهو بذلك محصول مستدام بجدارة، يصمد أمام أزمة المناخ ويمكن زراعته بأقل قدر من الموارد والجهد، ويقلل من تدهور الأراضي، ويدعم التنوع البيولوجي وبالتالي يزيد من كفاءة وقدرة النظم الزراعية المحلية على الصمود في حالات الطوارئ المناخية.
حل أزمة الأمن الغذائي
يمثل محصول الدُخن أقل من 3% من تجارة الحبوب في العالم، ولذلك توصي الأمم المتحدة بتوسيع نطاق زراعة الدخن بصفة عامة ومنها حبوب الفونيو، لأن زيادة سكان العالم والتغير المناخي يؤثران على أسواق الحبوب، ويستطيع الدخن توفير بديل قيم للحبوب الغذائية المعتادة.
يمثل الفونيو حلاً مثالياً لندرة الغذاء وخاصةً في المواسم الجافة، ومصدر لتحقيق الأمن الغذائي ويحسّن قدرة أسواق التجارة الدولية على الصمود مع تنويع النظام الغذائي العالمي.
دعم المجتمع المحلي وصغار المزارعين
يوفر آلاف الفرص الواعدة لدعم صغار المزارعين لكسب العيش بأقل الموارد ومواجهة أزمة المناخ، حيث تعمل المُزارعات على تحسين مهاراتهن في الزراعة، ما يعزز الإنتاجية وكذلك دخل الأسرة.
يمكن تناول الفونيو بعد غليه أو تحويله إلى عصيدة، ويمكن أيضاً تحويله إلى دقيق، وهو يمكن أن يساعد المجتمع المحلي على دخول أسواق مختلفة بجانب الحبوب التقليدية، حيث يمكن استخدام الفونيو والدخن في تطبيقات مبتكرة في مجال العلاج والمستحضرات الصيدلانية.
شهرة الفونيو خارج إفريقيا
اكتسب الفونيو شعبية بسبب فوائده الغذائية والبيئية المذهلة، وبات كثير من المشاهير يهتمون بإضافة الفونيو إلى نظامهم الغذائي.
يقول الباحث الأمريكي المستقل دون أوزبورن، مؤسس تحالف الدخن في أمريكا الشمالية، إنه تعرف على الفونيو لأول مرة في غرب إفريقيا قبل 4 عقود، لكن الفونيو الآن يحظى بتغطية صحفية وأصبح شائعاً بين الشخصيات البارزة، وقد أعيد اكتشافه في قارتي أوروبا وأمريكا الشمالية، وفقاً لحديثه مع موقع Down To .Earth
بيل جيتس وسلطة الفونيو
وعبر موقعه الرسمي "Gates Note" سلط الملياردير الأمريكي ومؤسس شركة مايكروسوفت، بيل جيتس، الضوء على حبوب الفونيو باعتبارها غذاء المستقبل؛ حيث تكافح سوء التغذية وتتكيف مع ظروف العالم الدافئة.
يهتم "جيتس" بمشكلة سوء التغذية، لذا يجد أن الفونيو مصدراً غذائياً عال الجودة يمكن أن يساعد على الحفاظ على نمو الأطفال ويعزز الأمن الغذائي في إفريقيا؛ لذا وصفه بالدخن السحري؛ رغم أنه يُعد من المحاصيل المهملة وغير المستغلة بشكل كاف.
قال جيتس إنه قضى وقتاً رائعاً في تعلم طهي الفونيو مع الشيف السنغالي، المهتم بالمحاصيل الإفريقية المفقودة، بيير ثيام، في حدث استضافته مؤسسة Gates عام 2022، حيث تعلم جيتس عمل سلطة لذيذة من الفونيو.
قد يطلق عليه البعض "الأرز الجائع" لأنه ينمو بسرعة كبيرة، بينما يعتبره آخرون "الطعام الفائق" لقيمته الغذائية، على كل الأحوال يبقى محصول الفونيو المستدام وسيلة للحياة وتصنيع أطعمة مختلفة وغنية بالقيمة الغذائية تفتح أسواقاً جديدة للمزارعين حول العالم