حياة تحت الركام.. تدوير مخلفات الحرب مفتاح إعادة إعمار غزة


نور مجدي
الثلاثاء 04 فبراير 2025 | 10:52 صباحاً
مصدر الصورة: رويترز
مصدر الصورة: رويترز

15 شهراً من الحرب على غزة كانت كفيلة بتحويل شوارعها إلى أكوام ضخمة من ركام كان جزءاً من مبانٍ لطالما عاش سكان القطاع الذين يتجاوز عددهم 2 مليون شخص بين جدرانها.

البحث عن حلول لإعادة إعمار غزة يطرح تساؤلاً حول جدوى إعادة تدوير تلك الأطنان الهائلة من الأنقاض، واستخدامهاً مجدداً في استعادة البنية التحتية المدمرة.

42 مليون طن من الأنقاض

وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، وصل حجم الأنقاض التي يجب التخلص منها في غزة للبدء في عملية إعادة الإعمار إلى 42 مليون طن ركام، كما أشار التقرير إلى أن إزالة هذا الكم الهائل من الركام سيستغرق نحو 14 عاماً، بتكلفة تتخطى المليار دولار.

بقاء تلك الأطنان الهائلة من الأنقاض التي تحتوي على مركبات سامة مثل الزئبق والرصاص في شوارع القطاع، يعني استمرار قائمة طويلة من الأزمات البيئية بداية من انتشار الغبار والأتربة في الهواء، وتلوث التربة فتصبح غير صالحة للزراعة، علاوة على تلوث مصادر المياه الصالحة للشرب، والأضرار الصحية بما في ذلك أمراض الجهاز التنفسي.

مصدر الصورة: رويترزمصدر الصورة: رويترز

تدوير مخلفات الهدم يكافح الاحتباس الحراري

تساهم عمليات تدوير مخلفات الهدم في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، والحد من استنزاف الموارد الطبيعية للأرض، وتقليل الأضرار البيئية التي يخلفها قطاع البناء الذي يساهم بما يزيد عن 30% من انبعاثات غازات الدفيئة التي تنطلق إلى الغلاف الجوي، بفعل الاعتماد على مواد بناء يسبب إنتاجها كميات كبيرة من الانبعاثات مثل الصلب، والأسمنت.

كما أن قطاع البناء التقليدي يستهلك كميات كبيرة من المياه العذبة لتصنيع الأسمنت والخرسانة، ويدمر البيئة لاعتماده على إزالة الغابات لاستخراج الأخشاب؛ لذا فإن إعادة تدوير الأنقاض يُعد بديلاً فعالاً لحل المشاكل المناخية والبيئية.

تبدأ خطوات إعادة التدوير بجمع مخلفات البناء ونقلها إلى الأماكن الخاصة بإعادة التدوير، ثم فرزها بواسطة الجهات المختصة وفصل الصالح لإعادة الاستخدام منها مثل "الخرسانة والمعادن والخشب" عن النفايات، ثم معالجتها لتصبح صالحة لعمليات البناء بعد التأكد من قابلية إعادة استخدامها، وأخيراً يتم تخزينها بشكل منظم لتكون جاهزة للاستخدام مرة أخرى.

هل إعادة تدوير الأنقاض آمنة على البشر؟

وفقاً لدراسة أجراها البروفيسور عبد القادر رشواني - أستاذ مساعد بجامعة الشام الخاصة بسوريا وخبير الخرسانة -بالتعاون مع باحثين من دول مختلفة-، فإن الخرسانة المُعاد تدويرها من الأنقاض آمنة لاستخدامها في عمليات البناء.

الدراسة التي نشرتها دورية "Materials in Civil Engineering" عام 2023، اعتمدت على نتائج اجتياز عدة اختبارات ضمن معايير السلامة الإنشائية منها: اختبار القدرة على تحمل الأوزان الزائدة، واختبار مقاومة التآكل، واختبار مقاومة الانحناء، ويعد شرط صلاحية استخدام الخرسانة المُعاد تدويرها من الأنقاض هو معالجتها وفقاً للمعايير الهندسية المطلوبة.

وعلى الرغم من تلك الدراسات التي تُثبت أنها آمنة لإعادة الاستخدام، إلا أن منظمة الصحة العالمية أكدت في تقرير لها، أهمية التعامل مع الأنقاض بحذر نظراً لاحتوائها على مواد سامة مثل الأسبستوس الذي يؤدي للإصابة بمرض السرطان بكل أنواعه، فيجب أخذ كافة الاحتياطات اللازمة للتعامل مع هذه المواد حتى لا تؤدي إلى حدوث مشكلة صحية.

كيف يمكن الاستفادة من المواد المُعاد تدويرها من الأنقاض؟

إنشاء مبانٍ جديدة

بعد إعادة تدوير ومعالجة جزء منها مثل الخرسانة والأخشاب، ومن أمثلة ذلك ما فعله المهندسان فولك كوببرلينغ ومارتن كالتواسر في عام 2008، حيث نجحا في بناء مسرح بمركز الفنون في المملكة المتحدة باستخدام 400 لوح خشبي مُعاد تدويرها.

إنشاء الطرق والبنية التحتية

بعد استخراج الخرسانة والطوب من مخلفات الهدم يتم سحقها واستخدامها في الطبقات السفلية من الطرق، وعلى سبيل المثال، تم استخدام 69.4% من مخلفات البناء في ألمانيا في بناء الطرق.

إنتاج مواد بناء جديدة

يمكن تحويل مخلفات البناء إلى مواد جديدة مثل الطوب أو البلاط، مما يساهم في تقليل استهلاك الموارد الطبيعية.

فوائد اقتصادية

الحل الأمثل لحل مشكلة الركام في غزة هو إعادة تدويره واستخدامه في عمليات إعادة الإعمار وتأسيس الطرق والبنية التحتية، فمن الناحية الاقتصادية ستقلل تلك العملية من تكلفة استيراد مواد بناء جديدة، كما سيُتيح فرص عمل جديدة ومختلفة في مجال إعادة تدوير الأنقاض، أما من الناحية البيئية فإن إعادة تدوير الركام ستقلل الأضرار البيئية الناتجة عن تراكم النفايات.

إعادة إعمار غزة ليس بالأمر السهل، لكن حلم إعادة تدوير الركام قد يفتح آفاقاً من الأمل أمام شعب غزة، ولضمان تنفيذ تلك العملية بشكل آمن وفعال يتطلب الأمر تمويلاً ودعماً من الجهات المختصة والمنظمات الدولية، وتوفير معدات ضخمة، فهل ستحظى غزة بالدعم الكافي لمساعدتها في تحقيق حلمها؟