يتوقع الكثير من المهتمين والمستثمرين في العملات المشفرة أن يواصل القطاع صعوده السريع والقوي خلال عام 2025، بعد أن حقق العديد من المكاسب الكبيرة خلال السنة الماضية؛ وكانت كلمة السر هي "ترامب"، والذي شكل فوزه في الانتخابات الأمريكية أبرز المحطات الداعمة في مسار القطاع.
قد تعهد "ترامب" خلال حملته الرئاسية بفعل الكثير لتعزيز هذا القطاع في الولايات المتحدة، وجعل البلاد مركزاً عالمياً للعملات المشفرة، ورداً على جهود الرئيس الأمريكي في هذا المجال، أعلن البنك المركزي الأوروبي عن خطة لطرح اليورو الرقمي، كما أطلقت عدة دول اخرى عملاتها الرقمية، حسب وكالة رويترز.
بات مستقبل العملات المشفرة يضاهي "حمى الذهب الكبرى"، التي اجتاحت قارات العالم الجديد في القرن الـ19؛ الجميع يندفع نحو البحث عن الثروة، بغض النظر عن الجانب البيئي الخفي لهذه الثروة أو سوق العملات.
عملية تعدين العملات الرقمية
في البداية دعونا نوضح معني تعدين العملات الرقمية، والذي ينتج عنه التأثيرات البيئية، هي العملية التي يتم من خلالها التحقق من صحة المعاملات، ثم إضافتها إلى دفتر الحسابات العام الذي يطلق عليه "البلوك تشين".
وتتطلب عملية تعدين العملات الرقمية حل معادلات رياضية معقدة مع استخدام أجهزة حاسوب متخصصة، لكن تبقى عملية التعدين ذات أهمية كبيرة من أجل تأمين شبكة العملات ومقاومة أي تلاعب، حيث يضمن التعدين صحة المعاملات التي تتم على الشبكة الرقمية، ويؤكدها قبل إصدار العملات الجديدة.
التأثير البيئي
كشفت دراسة حديثة للأمم المتحدة أن تعدين العملات المشفرة قد يخلف تأثيرات بيئية كبيرة على المناخ والمياه والأرض، حيث تعتمد عملية التعدين للعملات المشفرة بشكل كبير على الوقود الأحفوري، ما ينتج بصمة كربونية مرتفعة، إضافةً إلى استهلاك الموارد، والبصمات المائية والأرضية الكبيرة، والتي تتحمل مسؤوليتها أنشطة تعدين البيتكوين العالمية.
ويوضح علماء الأمم المتحدة أن البيتكوين هي العملة المشفرة الأكثر شهرة وشعبية، ما دفعهم إلى تقييم التأثيرات البيئية للبيتكوين في جميع أنحاء العالم، من خلال تقييم أنشطة تعدين البيتكوين في 76 دولة على مدار عام كامل.
البصمة الكربونية
وحسب نتائج الدراسة، استهلكت شبكة تعدين البيتكوين العالمية خلال عام نحو 173.42 تيراواط/ ساعة من الكهرباء؛ وهذا يعني أنه إذا افترضنا أن البيتكوين يمثل دولة، فإن استهلاكها للطاقة سيحتل المرتبة 27 على مستوى العالم، متقدماً على دولة مثل باكستان والتي يزيد عدد سكانها على 230 مليون نسمة.
وتعادل البصمة الكربونية الناتجة حرق 39 مليار كيلو جرام من الفحم أو تشغيل 190 محطة طاقة تعمل بالغاز الطبيعي، ومن أجل تعويض هذه البصمة يجب زراعة 3.9 مليارات شجرة، تغطي مساحة تساوي تقريباً 7% من غابات الأمازون المطيرة.
البصمة المائية
أما البصمة المائية لعملة البيتكوين خلال هذه الفترة فقد كانت تعادل كمية المياه المطلوبة لملء أكثر من 660 ألف حمام سباحة أوليمبي، وهو ما يكفي لتلبية الاحتياجات المائية المنزلية لأكثر من 300 مليون شخص يعيشون في المناطق الريفية.
مصادر الطاقة والاعتماد على الوقود الأحفوري
أفاد علماء الأمم المتحدة أن تعدين البيتكوين يعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة الأحفورية لإنتاج الكهرباء، حيث يمثل الفحم المصدر الأساسي للطاقة، إذ قدم نحو 45% من مزيج إمدادات الطاقة لتعدين البيتكوين خلال عام 2021، يليه الغاز الطبيعي بنسبة 21%.
أما الطاقة الكهرومائية، وهي مصدر طاقة متجدد لكنه يملك تأثيرات كبيرة على المياه والبيئة، توفر 16% من مزيج إمدادات الطاقة، ولذلك تمثل أهم مصدر للطاقة المتجددة في شبكة تعدين البيتكوين.
وتتمتع الطاقة النووية بحصة كبيرة تبلغ 9%، في حين توفر مصادر الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح 2% و 5% فقط من إجمالي مزيج إمدادات الطاقة المستخدمة في تعدين البيتكوين، وفقاً للدراسة الأممية.
وأشارت الدراسة إلى ارتباط سعر البيتكوين باستهلاك الطاقة في عملية التعدين، ولقد أدى ارتفاع سعر البيتكوين بنسبة 400% خلال عام 2022 إلى زيادة استهلاك الطاقة في شبكة تعدين البيتكوين العالمية بنسبة 140%.
البلاد العشرة الكبرى
تتحمل أكبر 10 دول في مجال تعدين البيتكوين مسؤولية نسبة تتراوح من 92% إلى 94% من إجمالي البصمة الكربونية والمائية العالمية لعملة البيتكوين.
وتشمل قائمة العشرة الكبار؛ الصين والولايات المتحدة، وروسيا، وماليزيا، وكازاخستان، وكندا، وألمانيا، وإيران، وأيرلندا، وسنغافورة، إضافة إلى هذه الدول، تمثل السويد والنرويج والمملكة المتحدة أكبر المساهمين في البصمة الكربونية والمائية للبيتكوين على مستوى العالم.
وقد أوضحت الدراسة أن البلدان التي تتمتع بأسعار كهرباء منخفضة، مثل كازاخستان، حيث سعر الكهرباء أرخص بثلاث مرات من سعرها في الولايات المتحدة، يطلق عليها "جنات تعدين البيتكوين"، حيث توفر حوافز مالية كبيرة للتعدين، الذي يعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة غير المتجددة.
وأخيراً، قد يوفر قطاع العملات المشفرة فرصاً وفوائد قيمة، لكنه ينطوي على تأثيرات بيئية كبرى يتم تجاهلها، لذلك يقدم علماء الأمم المتحدة مجموعة من التوصيات بشأن التدخلات المحتملة من جانب الحكومات لمراقبة وتخفيف التأثيرات البيئية للعملات المشفرة، ويضربون مثالاً بانخفاض حصة الصين في تعدين البيتكوين من 73% عام 2020 إلى 21% عام 2022 بسبب تدخلات الحكومة الصينية، ما يقلل التداعيات المناخية والبيئية لهذا القطاع القادم بقوة.