تمثل السواحل الرملية أهمية كبيرة سواء لمن يعيشون بالقرب منها، ويعتبروها موطنهم ومصدر رزقهم، أو الذين يقصدونها بين الحين والآخر حتى يتمتعون بالجمال وهدوء الطبيعة، لكن هذه الرمال الناعمة باتت تعاني من ضربات متتالية تغير ملامحها وتهدد وجودها.
ومع زيادة تعرض السواحل العالمية لظواهر التآكل والفيضانات والعواصف بسبب تغير المناخ، حاول الإنسان حمايتها، لكن النتيجةجاءت على عكس المتوقع، حيث أصبحت ثلث الشواطئ الرملية في العالم "صلبة" بفعل البنية التحتية والهياكل التي صنعها الإنسان، حسب دراسة حديثة.
البنية التحتية الرمادية وظاهرة تصلب الشواطىء
يشير مصطلح "البنية التحتية الرمادية" إلى الهياكل الصلبة التي يبنيها الإنسان مثل الحواجز والمصدات أو الموانئ أو الطرق من أجل حماية السواحل من التآكل والفيضانات.
ورغم أن هذه الهياكل الصلبة تبدو وسيلة دفاع جيدة في مواجهة الظواهر المناخية، إلا أنها تفقد الشواطئ قدرتها الطبيعية على التكيف مع ارتفاع مستوى سطح البحر، وتعيق عودة خط الساحل الرملي، ما يسبب ظاهرة تصلب الشواطئ.
وقد أظهرت الدراسة التي نشرت مؤخرا في دورية "نيتشر" أن 33% من السواحل الرملية في جميع أنحاء العالم تعاني حالياً من "تصلب الشواطئ"، بناءً على البيانات الجغرافية المستمدة من صور الأقمار الصناعية.
السواحل الأكثر تضرراً
وتوصلت الدراسة إلى المناطق الخمس الأكثر تضرراً من ظاهرة تصلب الشواطئ على مستوى العالم؛ مع توضيح نسبة السواحل الرملية التي تغطيها الهياكل الصلبة في كل منطقة؛ وهي:
1- خليج البنغال تحجب الهياكل حالياً نحو 84% من سواحله.
2-شواطئ أوروبا الغربية والوسطى (68%).
3- سواحل البحر الأبيض المتوسط (65%).
4- شواطئ غرب أمريكا الشمالية (61%).
5-شرق آسيا (50%).
ووجدت الدراسة أيضاً ارتفاع نسبة عدد سكان المناطق الساحلية المقيمين على بعد 100 كيلومتر من الشاطئ في خليج البنغال والبحر الأبيض المتوسط، وتقدر النسبة بأكثر من 50-75% من إجمالي السكان، وهو ما يؤكد الحاجة الملحة إلى حماية السواحل وإدارتها.
المخاطر المستقبلية
بسبب ظاهرة تصلب الشواطئ، تفقد السواحل القدرة الطبيعية على التكيف مع ارتفاع مستوى سطح البحر في المستقبل، ما يجعلها أكثر عرضة للتآكل الشديد، مع توقعات بخسارة مساحة كبيرة من هذه الشواطئ الرملية، نتيجة تراجع الخط الساحلي خلال العقود المقبلة.
وتضرب الدراسة عدداً من الأمثلة على تآكل الشاطئ الرملي بالكامل أمام العديد من الهياكل الصلبة؛ كما حدث أمام الحاجز البحري الذي بُني على ساحل المحيط الهادى بمقاطعة سانتا كروز بولاية كاليفورنيا الأمريكية، بسبب تأثير الأمواج.
وكذلك على طول سواحل أواهو، إحدى كبرى جزر ولاية هاواي الأمريكية، تم توثيق فقدان تدريجي للشاطئ أمام الجدار البحري.
وقد عملت الدراسة التي أجراها قسم هندسة وإدارة المياه في جامعة توينتي الهولندية، على تقدير الخسائر المحتملة في الشواطئ الرملية بالمستقبل.
وبناءً على توقعات تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "IPCC"، والذي يفترض استمرار معدل الانبعاثات الكربونية على نفس المستوى الحالي، فمن المرجح أن يشهد العالم فقدان 21% من السواحل الرملية (ما يعادل 42,080 كم) بحلول نهاية القرن الـ21.
الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية
يعيش حالياً حوالي 10% من سكان العالم في مناطق ساحلية منخفضة الارتفاع، وهو رقم من المتوقع أن يصل إلى 11.6% بحلول عام 2050، ومع تطوير البنية الأساسية وتدابير حماية السواحل بشكل تدريجي، ستزداد الشواطئ الصلبة وتؤدي إلى تأثيرات اجتماعية واقتصادية كبيرة على السكان.
وتُظهر نتائج الدراسة أيضاً إن أغلب الشواطئ الرملية المهددة تقع داخل البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط المرتفع، والتي تتركز في شرق قارة أمريكا الشمالية، وشمال قارة أمريكا الجنوبية، وسواحل البحر الأبيض المتوسط، وخليج البنغال، وغرب إفريقيا، وجنوب شرق آسيا.
ويوضح الباحثون أن الربط بين خسائر الشواطئ الرملية الصلبة والاقتصاد يعكس أن البلدان ذات الدخل المرتفع قد تمتلك الموارد اللازمة للاستثمار في هياكل تقوية السواحل وصيانتها، وهو ما قد يؤدي، كما تظهر النتائج، إلى عواقب غير مقصودة وخسائر أكبر للشواطئ في المستقبل.
واخيراً، يتسبب تغير المناخ في ارتفاع مستويات سطح البحر، وأصبحت المناطق الساحلية معرضة للخطر بشكل مستمر، ورغم أن هذة الأحداث المناخية المتطرفة تحدث دائماً فإن الأنشطة البشرية تجعلها أشد وأكثر خطورة.
ومن أجل حماية المناطق الساحلية من التآكل والفيضانات، دون اللجوء إلى الهياكل الصلبة، تقترح الدراسة الحد من الانبعاثات الكربونية لمواجهة التغير المناخي وتخفيف الضغوط على الشواطئ، مع اعتماد الحلول الطبيعية، مثل استعادة الكثبان الرملية والأراضي الرطبة وأشجار المانغروف، والاهتمام بالتخطيط الحضري الحيد.