بعد اختيارها كلمة عام 2024.. كيف تحميك الطبيعة من "تعفن الدماغ"؟


مروة بدوي
الاحد 22 ديسمبر 2024 | 03:23 مساءً

إذا كنت  تقضي ساعات في تصفح مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي دون وعي، فقد تعاني من تعفن الدماغ وهي الكلمة التي اختارها قاموس "أكسفورد" الإنجليزي لعام 2024.

يجسد مصطلح "تعفن الدماغ" المخاوف بشأن تأثير الاستهلاك المفرط من المحتوى التافه على الصحة العقلية والفكرية، وتم الإعلان عن كلمة "تعفن الدماغ" بعد تصويت جماهيري شارك فيه الآلاف على مستوى العالم، حيث اكتسب المصطلح شهرة واسعة خلال عام 2024، وزاد معدل استخدامه بنسبة 230% عن العام السابق.

ما هو تعفن الدماغ؟

وفقاً لجامعة أكسفورد، يشير تعفن الدماغ إلى التدهور المفترض للحالة العقلية أو الفكرية للشخص، نتيجة الإفراط في استهلاك المواد التافهة أو غير الصعبة، وخاصة فيما يتعلق بالمعلومات والمحتوى المتداول عبر الإنترنت والعالم الافتراضي.

ويقول عالم النفس والأستاذ بجامعة أكسفورد أندرو برزيبيلسكي، إنه لا يوجد دليل على أن تعفن الدماغ هو شيء حقيقي، لكنه يصف مخاوفنا بشأن العالم الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، ويشير إلى أحد المخاطر الملموسة للحياة الافتراضية، وكيفية استغلال وقت الفراغ.

ورغم أنه يبدو مصطلح حديث، لكن أول استخدام مسجل لـ"تعفن الدماغ" يعود إلى الفيلسوف هنري ديفيد ثورو عام 1854 في كتابه "Walden" أو الحياة في الغابة، حيث استخدم "ثورو" هذا المصطلح من أجل انتقاد التبسيط المفرط، وميل المجتمع إلى تقليل قيمة الأفكار المعقدة، مما شكل جزءاً من الانحدار العام في المجهود العقلي والفكري للأشخاص.

واستوحى "ثورو" المصطلح من تعفن البطاطس، الآفة التي اجتاحت محاصيل البطاطس في أنحاء أوروبا خلال منتصف القرن الـ19، وأدت إلى مجاعة أيرلندا الكبرى أو "مجاعة البطاطس".

ودعا الفيلسوف الأمريكي في كتابه إلى اكتساب الخبرة بطرق مباشرة وعدم الاعتماد على مصادر ثانوية أو استهلاك أفكار الآخرين وتجاربهم، وحث الإنسان على الخروج إلى العالم ليشعر ويفكر في كل شيء بنفسه، وأن يتعرف على الأماكن التي يعيش فيها ويكتشفها.

ورغم مرور قرن ونصف من الزمان على دعوة "ثورو" إلى الخروج والحياة في الغابة حتى يتعافى الإنسان من حالة تعفن الدماغ، يبدو أن هذه الطريقة مازالت صالحة للقرن الواحد والعشرين، حيث يؤكد علماء النفس على ضرورة أخذ فترات راحة للتخلص من السموم الرقمية، عبر الانغماس في الطبيعة والتواصل مع البيئة لمكافحة "تعفن الدماغ" الرقمي.

التأثير الرقمي على العقل 

يؤدي تزايد التفاعل مع الوسائط الرقمية، إلى زيادة التأثير على صحتنا العقلية والعاطفية؛ وهناك 3 مظاهر رئيسية تعكس هذا التأثير:

انخفاض مدى الانتباه:

يؤدي التعرض المفرط للوسائط الرقمية إلى ضعف التركيز، وخاصة في حالة المحتوى القصير الذي يدرب الدماغ على البحث عن الإشباع الفوري، مما يجعل من الصعب التركيز على المهام الصعبة التي تتطلب انتباهاً مستمراً، مثل القراءة أو حل المشكلات المعقدة.

ضعف التفكير النقدي والعزلة الاجتماعية: 

يؤدي التعرض المستمر لمحتوى سطحي إلى إضعاف المهارات التحليلية والتفكير العميق لأنك تصبح أكثر عرضة للتشتت، كما أن الاستهلاك السلبي المفرط والتجارب السلبية عبر الإنترنت تساهم في الشعور بالعزلة.

زيادة القلق والتوتر 

الوتيرة السريعة للحياة الرقمية تطغى على الجهاز العصبي، ومع التعرض المستمر للأخبار والفيديوهات وانتشار ثقافة المقارنة بين الأشخاص، يعمل كل ذلك على تضخيم الشعور بالتوتر والقلق.

طرق مكافحة "تعفن الدماغ" الرقمي 

إدراك هذه التأثيرات يشكل مفتاحاً لاستعادة صفاء الذهن والتوازن العاطفي في عالم رقمي مصمم لجذب انتباه عقولنا بل وإرهاقها في كثير من الأحيان، وفيما يلي 3 استراتيجيات فعّالة لحماية عقلك تعتمد على الطبيعة مع أسلوب حياة مستدام.

الانغماس في الطبيعة

الطبيعة هي ترياق قوي للتوتر، ويمكن للمشي في الحديقة أو التنزه في الغابة أن يخفف من القلق ويعزز الوظائف الإدراكية.

وتوضح  الدكتورة ميليسا بياسيكي، عميدة كلية الطب بجامعة نيفادا الأمريكية، أن الأبحاث والقياسات المصممة لدراسة أنشطة الدماغ وجدت أن التعرض للطبيعة يؤثر على نشاط الدماغ المسئول عن زيادة الانتباه، ويحسن الاتصال الوظيفي، مما يؤدي إلى زيادة التركيز، والمرونة الإدراكية، والإبداع.

كما تؤكد الأبحاث أن الأماكن الخضراء تحسن الصحة العقلية والذاكرة والقدرة على التفكير بوضوح دون تشويش، وبشكل عام تحافظ على الصحة وتخفض معدل الوفيات؛ لذا من الضروري قضاء ما لا يقل عن ساعتين أسبوعياً في الحدائق أو الغابات أو الشواطئ.

الأنشطة والهوايات المستدامة

ممارسة الأنشطة غير المتصلة بالإنترنت مثل زراعة الأشجار أو الرسم أو تعلم الحرف اليدوية، والرياضات المستدامة مثل ركوب الدراجة، تعمل هذه الهوايات على تحفيز الإبداع والاسترخاء، وتساهم في مواجهة شعورك بالتعب العقلي الذي يصاحب الاستهلاك الرقمي المستمر.

كما تساعدك الأنشطة الخضراء مثل مراقبة النجوم أو الطيور على إعادة الاتصال بالبيئة وتحقيق الصفاء الذهني والهدوء وسط الضوضاء الرقمية.

قاعدة 80/20

ينصح عالم النفس الأمريكي مارك ترافرز، بتخصيص 80% من وقتك للمحتوى الهادف والمفيد و20% للترفيه الخفيف، حيث يتيح هذا النهج مساحة للاسترخاء مع التركيز على المحتوى الذي يضيف قيمة طويلة الأجل، ويمكنك تنفيذ ذلك عبر بناء تسلسل هرمي للاستهلاك الرقمي، يعتمد على عدة مستويات:

المستوى الأول: 

يجب أن يكون الأساس وتستهلك فيه أطول وقت ممكن فهو "غذاء العقل"، ويضم مشاهدة المواد التعليمية والمحتوى الذي يحفز الفكر، مثل قراءة مقال طويل أو التحليلات المتعمقة عن الاستدامة والبيئة أو المشاركة في دورة تدريبية حول إعادة تدوير الأشياء القديمة على سبيل المثال.

ويعمل إشراك مهارات معرفية مختلفة مثل التحليل والإبداع وحل المشكلات والتعلم على توسيع مداركك ونطاق مرونتك العقلية، وينقل عقلك من الاستهلاك السلبي إلى التعلم النشط والتأمل في الأفكار المعقدة.

المستوى الأوسط

يمكن أن يتضمن خيارات ترفيهية ولكنها ثرية مثل الأفلام الوثائقية أو القصص الإبداعية والبودكاست التي تناقش قضايا مثيرة للتفكير، مثل قصة نشأة الأرض وتطور الكوكب الأزرق وقصص التنوع البيولوجي والاكتشافات العلمية، حيث تعمل هذه القصص التأملية على شحذ الذاكرة وتعميق التفكير.

المستوى الاخير

احتفظ بـ"المحتوى الخفيف" ولا تقضي فيها وقتاً طويلاً، واحرص في كل مرة تستهلك محتوى لا يحتاج إلى التفكير مثل وسائل التواصل الاجتماعي، على تجديد طاقتك العقلية بممارسة أنشطة صعبة، ويضمن هذا الهيكل الهرمي دعم نشاطك العقلي مع ملء أوقات الفراغ بشكل مفيد.

وكما يعتمد جسمك على نظام غذائي متوازن من أجل الصحة البدنية، فإن عقلك يتطور بجودة المعلومات التي تستهلكها؛ لذا يمكنك اتباع "نظام غذائي عقلي" بهدف السيطرة على عاداتك الرقمية، وتحديد ساعات يومية خالية من التكنولوجيا.

ومع تخفيض الانبعاثات الكربونية الرقمية وتقليل التلوث والضوضاء واتباع ممارسات وأنشطة مستدامة ومتابعة محتوى إيجابي يحفز تفكيرك لخدمة الطبيعة والكائنات الحية، لن يصبلك في مصلحة عقلك وحمايتك من تعفن الدماغ فقط، لكنه سوف يصب أيضاً في مصلحة كوكب الأرض بالكامل.