يمثل تدهور الأراضي وفقدان التنوع الأحيائي، وجهان لأزمة واحدة يعيشها الكوكب الأزرق، لذلك مع استضافة الرياض للنسخة الـ16 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، يعود ملف التنوع البيولوجي العالمي والعربي إلى الواجهة من جديد، من أجل حماية الحياة البرية والبحرية في مختلف بقاع الأرض.
رغم محدودية مساحة اليابسة -أقل من 30% من سطح الكوكب- إلا أنها تعد ركيزة أساسية للتنوع البيولوجي (ثراء أشكال الحياة على الأرض)، حيث توفر 80% من موائل الكائنات الحية، النباتية والحيوانية، عبر غاباتها ومراعيها ومحمياتها.
هذا الثراء الأحيائي يواجه حالياً أزمة كبيرة، تلحق الضرر بشجرة الحياة وتتسبب في انقراض الأنواع بمعدل سريع جداً، حيث يعود -وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة- فقدان أكثر من 50% من التنوع البيولوجي بالعالم إلى خسارة الموائل الطبيعية، بسبب تدهور الأراضي والتصحر لأسباب بشرية ومناخية.
العلاقة بين تدهور الأراضي وفقدان التنوع البيولوجي
تتألف الأرض من مجموعة متنوعة من النظم البيئية؛ من الغابات والمراعي إلى الأراضي الزراعية، التي توفر الخدمات الأساسية والحيوية لاستدامة جميع أشكال الحياة للكائنات.
وبسبب الأنشطة البشرية والتغيرات المناخية تحول استخدام النظم البيئية، وبات تدهور الأراضي وفقدان الإنتاجية أكبر تهديد للطبيعة، ومن المتوقع أن يكون له تأثير كبير على التنوع البيولوجي العالمي بحلول عام 2100، حسب التقرير الصادر عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر والإطار العالمي للتنوع البيولوجي.
ومن المحركات الرئيسية لفقدان التنوع البيولوجي العالمي تجزئة وتدمير الموائل الطبيعية، والتوسع الحضري والزراعي لاستيعاب النمو السكاني، وزيادة الطلب على الغذاء.
وتتجلى مظاهر هذه العلاقة بين تدهور الأراضي والثراء الأحيائي في نقاط التنوع البيولوجي الساخنة في العالم، وهي بعض المناطق البرية الأكثر تنوعاً بيولوجياً على وجه الأرض، حيث تضم أعداداً كبيرة من الأنواع المتوطنة النادرة والمعرضة للانقراض، ولكن كثير من هذه المناطق مهدد بشدة بسبب فقدان الموائل والأنشطة البشرية الأخرى مثل إزالة الغابات.
في جميع أنحاء الكوكب، هناك 34 منطقة ساخنة للتنوع البيولوجي مُعترف بها دولياً من قبل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، تمثل موائلها السليمة المتبقية حتى الآن من الغابات والأراضي الرطبة والنظم البيئية الأخرى حوالي 2.5% فقط من سطح الأرض، لكنها تدعم أكثر من نصف أنواع النباتات في العالم، ونحو 43% من أنواع الطيور والثدييات والزواحف والبرمائيات.
كل أشكال الحياة في المناطق الساخنة بيولوجياً مُهددة بخطر فقدان الموائل والمواطن الطبيعية، لذلك نستطيع القول إن النجاح في الحفاظ على سلامة الأراضي هو في الحقيقة حماية وتأمين للتنوع البيولوجي العالمي.
التنوع البيولوجي العربي
تشهد المناطق الجافة وشبه الجافة حول العالم -مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا- معدلات مرتفعة من تدهور الأراضي وفقدان التنوع البيولوجي، حسب الموقع الرسمي للمؤتمر السادس عشر للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر "UNCCD".
يشكل التصحر وتدهور الأراضي والجفاف تهديداً كبيراً للمنطقة العربية، التي تتعرض بشدة لتداعيات تغير المناخ، ويتأثر 82% من أراضيها بأحد أشكال تدهور الأراضي، بسبب الرعي الجائر وتآكل التربة وإزالة الغابات، حيث شهدت المنطقة العربية -حسب تقديرات لجنة "الإسكوا"، التابعة للأمم المتحدة- انخفاضاً بنسبة 25% في مساحة الغابات منذ عام 1990، خاصةً داخل بعض البلدان العربية الأقل نمواً؛ مثل جزر القمر والصومال والسودان.
وهناك عوامل أخرى تعمل على تسريع تدهور الأراضي وفقدان التنوع البيولوجي، تتمثل في: تغير المناخ بكل المنطقة، والرعي الجائر الذي يعد مشكلة خطيرة في لبنان والكويت وقطر وسوريا والجزائر والمغرب وجيبوتي وموريتانيا والصومال والأردن، بينما يؤثر التغيير في استخدام الأراضي بشكل كبير على مصر والمملكة العربية السعودية والعراق والأردن ولبنان.
ونتيجة هذه التحديات، أخذ التنوع البيولوجي العربي في الانحدار، والموائل الطبيعية والأنظمة البيئية مهددة، حيث يُقدر عدد الأنواع المعرضة لخطر الانقراض بأكثر من 1000 نوع.
يضم العالم العربي 3 مناطق ساخنة للتنوع البيولوجي مُعترف بها دولياً من قبل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، منطقة الأناضول وتشمل جزءاً من العراق وسوريا، ومنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط (دول المشرق والمغرب) ومنطقة القرن الإفريقي (جيبوتي والصومال واليمن وعمان والمملكة العربية السعودية).
تحتضن هذه المناطق 3,397 نوعاً من النباتات المتوطنة، 1,746 نوعاً من الحيوانات، بما في ذلك 245 نوعاً مُهدداً بشدة بالانقراض، و327 نوعاً مُعرضاً للانقراض.
كوب الرياض
يسعى العالم إلى استعادة 30% من جميع النظم البيئية المتدهورة في البر والسواحل البحرية بحلول عام 2030 من أجل تعزيز التنوع البيولوجي والسلامة الإيكولوجية، وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي، لكن لا يمكن تحقيق هذا الهدف الدولي دون الحفاظ على الغابات والمراعي، وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، والحد من المخاطر البيئية المتزايدة على المجتمعات.
العلاقة بين تدهور الأراضي وفقدان التنوع البيولوجي واضحة وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاتفاقيات البيئية متعددة الأطراف ومنها اتفاقية الأطراف لمكافحة التصحر، وهنا يأتي دور مؤتمر الأطراف الـ16، الذي يعتبر منصة عالمية تهدف الى استعادة الأراضي من أجل حماية الطبيعة وسبل العيش وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويمثل مؤتمر الرياض فرصة للمشاركة والتعاون بين أطراف المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية العربية والعالمية التي تعمل بمجال الحفاظ على الطبيعة والتنوع البيولوجي، حيث تعد هذه المؤسسات غير الحكومية -حسب تقرير الصندوق العالمي للطبيعة- أداة مهمة لنشر الوعي وتنفيذ مشاريع ومبادرات مبتكرة لصون التنوع الأحيائي مع إشراك المجتمعات المحلية.
ويبقى ضمان استمرار الأرض في دعم جميع أشكال الحياة من أجل الأجيال الحالية والمستقبلية، أحد أهداف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، المطروحة على مائدة النقاش في مؤتمر الأطراف بالرياض.