من قلب الرياض، عاصمة البيئة العربية لعامي 2024-2025، تطلق المملكة العربية السعودية نداءً إلى المجتمع الدولي للتعاون والتصدي للتحديات البيئية والاجتماعية الأكثر إلحاحاً، حيث تجتمع دول العالم في مؤتمر الأطراف السادس عشر لمكافحة التصحر "Cop 16"، بهدف مواجهة الروابط العميقة بين تدهور الأراضي والجفاف، وتداعيات هذه القضايا على الأمن الغذائي والهجرة وسبل العيش والصحة والتنوع البيولوجي.
وقال إبراهيم ثياو، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إنه بعد عدة سنوات من المفاوضات، من المنتظر أن يمثل "كوب الرياض" مرحلة جديدة، تنتقل فيها البلدان الأطراف من مرحلة التعهدات إلى التنفيذ الفعلي في مجال استعادة وإصلاح الأراضي.
ويتوقع "ثياو"، أن يشكل "كوب الرياض 2024" نقطة تحول في الأجندة العالمية لمكافحة التصحر والجفاف، ويكون المؤتمر وسيلة تساعد البشرية على إدراك الأبعاد الإنسانية والاجتماعية لهذه القضايا البيئية، فالمجتمعات الهشة والضعيفة تتطلع إلى نتائج ملموسة وقرارات جريئة من "كوب 16".
2024 سنة مصيرية
تشير البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن الكوكب يواجه أزمة قاسية، فمن المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050، بينما تدهور نحو 40% من الأراضي في مختلف أنحاء العالم، مما يعني أن الأرض تفقد قدرتها على دعم الحياة والمحاصيل والنظم البيئية الطبيعية، وتكافح من أجل توفير المياه، وينهار أداؤها كخزانات ضخمة للكربون.
ويُعد العقد الماضي هو الأكثر سخونة على الإطلاق، وقد وصلت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية خلال العام الماضي فقط إلى مستوى قياسي جديد بلغ 37.4 مليار طن، وتشير التقديرات إلى تأثر ثلاثة أرباع سكان العالم بالجفاف بحلول عام 2050، كما يتعرض التنوع البيولوجي للخطر والتهديد بخسارة موائله.
هذا العام، بعد أن قطعت البشرية نحو ثلثي الطريق نحو أجندة الأمم المتحدة 2030، ولم يتبق سوى 5 سنوات على تحقيق أهداف خطة التنمية المستدامة، يقف العالم أمام مفترق طرق، إما أن تواصل البشرية سيرها على الطريق الحالي نحو مستقبل مجهول ملبد بالانبعاثات الكربونية وتفوح منه رائحة التلوث ويكسوه لون الأراضي القاحلة، أو أن تخرج البشرية من سباتها وتغير طريقة سير الأمور لصالح الأرض والإنسان.
الموقع الرسمي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وصف عام 2024 بأنه سنة مصيرية لحماية الأرض ومكافحة الجفاف، مؤكداً ضرورة توحيد الجهود لضمان صحة الكوكب وإعادة النظر في علاقة البشر بالطبيعة وتحقيق السلام معها، من خلال التوقف عن إزالة الغابات، واستعادة مليارات الهكتارات من الأراضي المتدهورة، والصمود في مواجهة الجفاف.
وتأتي المحطة الأخيرة في أجندة الأمم المتحدة لهذا العام في الرياض مع انعقاد "Cop 16"، الذي وصفه البيان الصحفي للأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر بأنه مؤتمر بالغ الأهمية، حيث من المتوقع أن يعتمد 197 طرفاً في الاتفاقية قرارات تاريخية بشأن الجفاف واستعادة الأراضي، وكل القضايا المؤثرة على سبل العيش داخل المجتمعات التي تعتمد على الأرض كمصدر رزق.
قمة الرياض
وفي خضم التحديات البيئية التي تعيشها البشرية، يأتي "كوب 16" بمثابة بارقة أمل للعالم، حيث يمثل أكبر قمة دولية تركز على قضايا الأرض ومكافحة الجفاف تحت شعار "أرضنا.. مستقبلنا".
ويمثل المؤتمر أكبر اجتماع لأطراف الاتفاقية الـ197، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه السعودية، وأول مؤتمر أطراف لمكافحة التصحر ينعقد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما يتزامن "Cop "16 مع الاحتفال بالذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر.
جدول الأعمال
ويتناول "كوب 16" التحديات البيئية الحرجة، وعلى رأسها تدهور الأراضي والتصحر، ويتركز جدول أعمال قمة الرياض على مناقشة قضايا محورية، من المتوقع أن تتخذ الدول إجراءات جماعية بشأنها، وهي:
- استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي المتدهورة حول العالم بحلول عام 2030.
- تعزيز جهود مكافحة الجفاف المتزايد، ووفقاً لتقديرات البنك الدولي يعيش نحو 25% من سكان الكوكب في أقاليم تعاني ندرة مائية حرجة.
- العمل على التصدي لموجات العواصف الرملية والترابية التي تؤدي إلى تدهور الصحة العامة، وزيادة الأمراض التنفسية، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يُسهم تلوث الهواء في وفاة نحو 7 ملايين شخص سنوياً.
- استعادة صحة التربة وزيادة الإنتاج الغذائي مع الحفاظ على الموارد الطبيعية التي تتضاءل نتيجة أسباب بشرية ومناخية وتخلف تأثيرات حادة على الاقتصادات النامية.
- ضمان استمرار الأرض في توفير حلول فعالة للمناخ الذي يؤثر بشكل مباشر على استقرار المجتمعات، ودعم التنوع البيولوجي المعرض للخطر بسبب خسارة الموائل.
- تأمين حقوق ملكية الأراضي وتعزيز العدالة من أجل ضمان إدارة مستدامة للموارد، حيث يؤثر تدهور الأراضي على معيشة 3.2 مليار شخص بالعالم.
- ضرورة خلق فرص اقتصادية واعدة في الأراضي، وخاصة للشباب والمرأة، إذ يؤدي تدهور الأراضي إلى خسائر تتراوح بين 10-17% من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان المتأثرة.
رؤية المملكة وجهودها لمكافحة التصحر
لن يقف "كوب الرياض" عند دوره كمنصة عالمية لمناقشة التحديات البيئية الحرجة، بل سوف يمثل فرصة لتبادل الخبرات والاطلاع على الأفكار المختلفة حول استعادة خصوبة الأراضي وزيادة الغطاء الأخضر، ومن هذه النماذج الرائدة عالمياً مبادرات السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر".
وتسعى المملكة من خلال "رؤية السعودية 2030" إلى تحقيق مستقبل مستدام يحمي مواردها الطبيعية ويكافح التصحر، ولذلك أطلقت مبادرة "السعودية الخضراء" التي تشمل زراعة 10 مليارات شجرة في أنحاء البلاد، مما يؤدي الى إصلاح نحو 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة.
وتتكامل خطة السعودية الوطنية مع جهودها الإقليمية المتمثلة في مبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" لزراعة 50 مليار شجرة، واستعادة 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة بالمنطقة، ما يجعل المبادرة أضخم برنامج لإعادة تشجير حول العالم.
وعبر دورها الإقليمي والعربي تبرز المملكة كقوة مؤثرة في مكافحة التصحر والجفاف دولياً، حيث تتعاون مع مجموعة العشرين للحد من الأراضي المتدهورة بنسبة 50% بحلول عام 2040 على مستوى العالم.
وأخيراً، تواجه البشرية نفس المخاطر الوجودية، من أزمات تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي وتدهور الأراضي؛ لذلك تؤكد الأمم المتحدة على ضرورة معالجتها بشكل مشترك، ويقدم مؤتمر الرياض 2024 دعوة دولية من أجل تعزيز التكاتف والعمل المشترك بين البلدان، لوضع حلول فعالة لتدهور الأراضي، مما يصحح اتجاه بوصلة العالم حتى لا تبتعد عن الاتجاة المنشود أو بناء مستقبل بيئي مستدام يعم الكوكب الأزرق.