يبدو أن 2024 عاماً مليئاً بالمفاوضات البيئية رفيعة المستوى، حيث شهد عقد 3 اجتماعات حاسمة لجميع اتفاقيات الأمم المتحدة المعروفة بـ"اتفاقيات ريو"، بدأت مع "COP 16 Cali " في كولومبيا خلال أكتوبر الماضي، ثم "COP 29 Baku" في أذربيجان بعدها بـ3 أسابيع، وصولاً إلى "COP 16 Riyadh" الذي تستقبله المملكة العربية السعودية بداية ديسمبر المقبل.
أجندة مناخية حافلة للأمم المتحدة تسعى إلى ترتيب الأوضاع البيئية داخل الكوكب الأزرق في وقت حرج، بعد إعلان 2023، العام الأكثر سخونة على الإطلاق، كما تشير البيانات إلى أن العام الحالي قد يتفوق على سابقه.
وفي ظل ما يشهده العالم من كوارث وأحداث مناخية متطرفة، جعلت قضايا البيئة والمناخ مطروحة على طاولة الجميع، وليست حكراً على العلماء أو المهتمين والمتابعين للأمر فقط، فقد يبدو منطقياً أن يتسائل البعض عن الاختلاف بين الثلاث مؤتمرات التي تحمل جميعها كلمة "COP"، خاصةً مع انعقاد هذه القمم الأممية بشكل متوال هذا العام.
الاختلاف بين الـ3 مؤتمرات
جرين بالعربي تقدم لكم الإجابة على هذا التساؤل، لكن دعونا نروي القصة من البداية ونعود إلى صيف عام 1992، حينما انعقد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية (UNCED)، المعروف بـ"قمة الأرض"، في ريو دي جانيرو بالبرازيل، والذي تمتع بأهمية كبيرة لأنه وضع حجر الأساس لضمان وجود قضايا البيئة والتنمية على جدول أعمال القرن الواحد والعشرين.
كما شهد تحديد التصحر وتغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي كأكبر التحديات التي تواجه التنمية المستدامة بالعالم، لذلك تتجسد أهم إنجازات "قمة الأرض" في 3 اتفاقيات بيئية دولية رئيسية، أطلق علها "اتفاقيات ريو"، وهي: اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، اتفاقية التنوع البيولوجي (CBD)، و اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD).
صادقت حكومات الدول على هذه الاتفاقيات الـ3، وباتت تعرف الدول التي تعترف بكل اتفاقية "البلدان الأطراف"، مع الاتفاق على انعقاد "مؤتمر الأطراف" لكل اتفاقية بشكل دوري، ما يُعرف بـConference of the Parties واختصاره "Cop"، وهو أعلى هيئة لصنع القرار داخل كل اتفاقية من الاتفاقيات الـ3، والمسؤول عن الإشراف على تنفيذ بنود كل اتفاقية.
اتفاقية التنوع البيولوجي (CBD)
تعتبر اتفاقية التنوع البيولوجي (CBD) بمثابة الصك القانوني الدولي لصون التنوع البيولوجي، وتتمحور الأهداف الثلاثة للاتفاقية حول حفظ التنوع البيولوجي والاستخدام المستدام لعناصره والتقاسم العادل للمنافع الناتجة عن استغلال النظم الإيكولوجية، بما يضمن التنمية المستدامة والحفاظ على عالم مفعم بالصحة للأجيال القادمة
أطراف الاتفاقية
صدقت 196 طرفاً على الاتفاقية، تشمل 195 دولة + الاتحاد الأوروبي، وهي دخلت حيز التنفيذ عام 1993، وبعد عام واحد عُقدت الجلسة الأولى لمؤتمر الأطراف في جزر البهاما، على أن تجتمع الدول الأعضاء في الاتفاقية كل عامين.
استضافت مدينة شرم الشيخ المصرية "كوب 14" عام 2018، واختتمت القمة باتفاق دولي على تنفيذ فعال للنهج القائم على تكيف النظم الإيكولوجية مع تغير المناخ، والحد من مخاطر الكوارث المناخية التي تهدد جميع أشكال الحياة.
كوب 16
النسخة الأخيرة من مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، انعقدت في كالي جنوب غرب كولومبيا واستمرت من 21 أكتوبر حتى 1 نوفمبر 2024، ومن أهم قراراتها: الإعلان عن تشكيل هيئة دائمة للشعوب الأصلية للتشاور بشأن قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالتنوع الإحيائي، ما يعد خطوة مهمة في الاعتراف بدور الشعوب الأصلية في حماية الطبيعة.
اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)
دخلت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ حيز التنفيذ عام 1994، بهدف تثبيت نسب وتركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى معين يمنع التدخل البشري الخطير في النظام المناخي العالمي، إضافةً إلى تسريع التحول في مجال الطاقة المتجددة، ودعوة المجتمع الدولي إلى معالجة أزمة المناخ المتفاقمة.
أطراف الاتفاقية
بلغ عدد الأطراف الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ 198 طرفاً، تشمل 197 دولة + الاتحاد الأوروبي.
وتجتمع الدول الأعضاء في الاتفاقية سنوياً لتقييم التقدم المحرز في قضية تغير المناخ والتفاوض بشأنها، حيث عُقدت الدورة الأولى لمؤتمر الأطراف بشأن المناخ (Cop 1) في ألمانيا، عام 1995.
واستضافت الدول العربية 5 دورات في تاريخ مؤتمرات المناخ العالمية؛ استقبل المغرب نسختين عامي 2001 و2016، أما النسخ الثلاث العربية الأخرى كانت على التوالي؛ مؤتمر الدوحة 2012، مؤتمر شرم الشيخ 2022، مؤتمر دبي عام 2023.
كوب 29
النسخة الأخيرة من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP29)، استضافته باكو عاصمة أذربيجان من 11 إلى 22 نوفمبر 2024، وأُطلق عليه اسم "مؤتمر كوب المالي"، لأن جدول الأعمال ركز على توسيع نطاق تمويل المناخ لمساعدة الدول منخفضة الدخل والمجتمعات الأكثر تضرراً للتكيف مع تداعيات تغير المناخ.
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)
عقدت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر عام 1994، وهي تعد التعهد الدولي الوحيد الملزم قانوناً الذي يربط بين البيئة والتنمية من جهة والإدارة المستدامة للأراضي من جهة أخرى، حيث تهدف الاتفاقية إلى معالجة التصحر والحفاظ على إنتاجية الأراضي، وتقليل آثار الجفاف في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، خاصةً في قارة إفريقيا.
أطراف الاتفاقية
يبلغ عدد الأطراف الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر 197 طرفاً تشمل 196 دولة + الاتحاد الأوروبي.
يُعقد مؤتمر الأطراف كل عامين، وبدأت النسخة الأولى لقمة مكافحة التصحر في روما عام 1997، أما النسخة الأخيرة "Cop15" كانت في كوت ديفوار عام 2022.
كوب 16
للمرة الأولى في العالم العربي، تستضيف الرياض مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP16)، في الفترة من 2 إلى 13 ديسمبر المقبل، وهو يجمع جميع أطراف الاتفاقية (197 عضواً) إلى جانب خبراء ومندوبين عن المجتمع المدني العالمي.
تهدف قمة الرياض إلى بناء مرحلة جديدة من التعاون الدولي من أجل تسريع وتوسيع جهود مكافحة التصحر، واستعادة الأراضي المتدهورة ومواجهة آثار الجفاف، حيث من المتوقع أن تنتقل أطراف الاتفاقية من مرحلة التعهدات إلى التنفيذ الفعلي.
وحسب تقرير الأمم المتحدة، رغم التأثيرات الكبيرة والمتعددة لتدهور الأراضي وفقدان التنوع الأحيائي، لم تحظ اتفاقيتي مكافحة التصحر والتنوع البيولوجي الزخم العالمي نفسه الذي حظيت به اتفاقية تغير المناخ، ربما بسبب دورية انعقاد المؤتمرات الثلاث، حيث تتكرر قمة المناخ سنوياً، بينما تجتمع قمم التنوع البيولوجي ومكافحة التصحر كل عامين فقط.
نستطيع القول إن هذا العام يبدو مختلفاً، فلقد رأينا اهتماماً بـ"كوب كالي" للتنوع البيولوجي، ومن المتوقع أن تستحوذ قمة الرياض على اهتمام دولي وإعلامي كبير، خاصةً بعد أن وصفتها الأمم المتحدة عبر موقعها بـ"الحدث التاريخي" لأكبر قمة عالمية تلقي الضوء على قضايا تدهور الأراضي ومكافحة الجفاف.
وفي السياق ذاته، أكد الأمناء التنفيذيين لاتفاقيات ريو الثلاث؛ عبر موقع الأمم المتحدة، أن المخاطر الوجودية التي تواجه البشرية يجب معالجتها بشكل مشترك وليس منفرد، مع الاعتراف بأن تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي وتدهور الأراضي هي أشكال مختلفة تعبر عن أزمة واحدة يعيشها كوكب الأرض.
ولذلك تنعقد قمم الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي والمناخ والأرض بين شهري أكتوبر وديسمبر، في كولومبيا وأذربيجان والمملكة العربية السعودية على التوالي، حيث تؤكد هذه القمم على الحاجة الملحة إلى زيادة الطموحات والاستثمارات والعمل المنسق لحماية كوكبنا، والاستجابة للطلب المتزايد على الغذاء والمياه والموارد.