يبدو أن الذكاء الاصطناعي لن يكون ضيفاً خفيفاً على البيئة والمناخ، فمع كل محادثة أو عملية بحث هناك موارد طبيعية يجري استنزافها بلا هوادة، ما يفاقم الاحتباس الحراري، دون جهود ملموسة وحقيقية من شركات التكنولوجيا العملاقة على أرض الواقع لتقليل الأضرار.
السر في التكلفة البيئية الضخمة لتشغيل تلك الأدوات يكمن في ضرورة تشغيل مراكز بيانات ضخمة تعالج مليارات الأوامر يومياً، لكن أداء تلك المهام يتطلب استهلاك كميات كبيرة من الكهرباء، كما أن الحاجة إلى تبريد تلك المراكز يتطلب كميات هائلة من المياه.
وبحسب موقع "Visual Capitalist" للإحصائيات يصل عدد مراكز البيانات حول العالم 8 آلاف مركز، معظمها في الولايات المتحدة الأمريكية.
الأثر البيئي للذكاء الاصطناعي
الأكثر قراءة
إجراء محادثة مع تطبيق "Chat Gpt"، من 15 سؤالاً فقط، يعني استهلاك نصف لتر من المياه، وفقاً لتقديرات خبراء نقلها موقع شبكة "دويتشه فيله".
وتُقدر جامعة "ماساتشوستس" الأمريكية كميات انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن عمليات تدريب نموذج واحد من نماذج الذكاء الاصطناعي بأكثر من 600 ألف رطل من ثاني أكسيد الكربون، وهو أعلى بفارق 5 مرات من كميات الانبعاثات التي يسببها إنتاج سيارة واستخدامها، بما في ذلك كميات الوقود التي تستهلكها حتى انتهاء عمرها الافتراضي.
وفي الوقت الذي من المتوقع أن يزداد حجم الطاقة الكهربية التي يحتاجها عالم الذكاء الاصطناعي بنسبة 40% خلال العقد المقبل، أعلن عدد من الشركات التكنولوجية زيادة الاعتماد على الطاقة النووية.
صفقات ضخمة
ووقعت شركة "جوجل"، في أكتوبر الماضي، صفقة، هي الأولى من نوعها على مستوى العالم، لشراء الطاقة اللازمة لزيادة استخدام الذكاء الاصطناعي.
وتعاقدت شركة التكنولوجيا الأمريكية على ما لا يقل عن 6 مفاعلات نووية صغيرة من إحدى شركات الطاقة الشهيرة، حسبما نقلت صحيفة "الجارديان" البريطانية.
أما شركة أمازون فأعلنت استثمارات بقيمة 500 مليون دولار في مشروعات الطاقة النووية، وهو جزء من خطتها للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية، حسبما نقل موقع "CNBC"، لكن اتجاه تلك الشركات إلى ذلك النوع من الطاقة أثار الجدل مجدداً بين مؤيدي الفكرة ومعارضيها الذين لا يعتبرون الطاقة النووية مستدامة تماماً.
وغالباً ما تعتمد محطات الطاقة النووية في إنتاج الطاقة على انشطار ذرات عنصر "اليورانيوم- 235"، وهو مورد غير متجدد، ويساهم استخدامه في البصمة الكربونية لتلك المحطات.
هل الطاقة النووية مستدامة؟
على عكس ما يعتقد الكثيرون، قال محقق المعلومات يوشا فيبر، في تقرير نشرته شبكة "دويتشه فيله"، إن استخدام الطاقة النووية لا يخلو من الأضرار البيئية، موضحاً أن استخراج اليورانيوم، ونقله، ومعالجته يصدر عنه انبعاثات غازات الدفيئة، كما أن عمليات بناء المحطات ذاتها تؤدي أيضاً إلى إطلاق الانبعاثات.
أما الفريق المؤيد يشير إلى أن الانبعاثات التي يسببها إنتاج الطاقة النووية تقتصر على ما يصل إلى 50 جراماً من ثاني أكسيد الكربون/ كيلووات في الساعة، وهي نسبة أقل بكثير مما ينتج عن استخدام الطاقة التقليدية التي قد تصل إلى 1500 جرام/ كيلو وات في الساعة عند الاعتماد على الفحم على سبيل المثال، وفقاً لتقديرات معهد جرانثام لأبحاث تغير المناخ والبيئة التابع لكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
منظمة "السلام الأخضر"، وهي منظمة دولية غير ربحية معنية بالبيئة، ترى كذلك أن الطاقة النووية ليست هي الحل الأمثل لمواجهة أزمة المناخ.
Credit: CND
تشير المنظمة، في تقرير نشرته على موقعها عام 2022، إلى أن نسبة الانبعاثات التي قد تساهم الطاقة النووية في الحد منها بحلول عام 2050، إذا ما نجحت الخطط المطروحة بمضاعفة الإنتاج، ستقتصر على 4% فحسب، بينما سيتطلب تنفيذ تلك الخطط تشغيل ما يزيد على 30 مفاعل جديد سنوياً حتى ذلك التاريخ.
لكن الخطر الأكبر يتمثل في الكميات الكبيرة من النفايات المشعة التي تنتج عن عمل تلك المحطات، والتي تبقى نشطة لآلاف السنوات، وتتكلف أموالاً طائلة للتعامل معها، لتصف المنظمة تلك النفايات بـ"كارثة" على البيئة، وعلى الأجيال القادمة من البشر التي تضطر إلى التعامل معها.
الأمر لا يقتصر على التعامل مع نفايات ما بعد الإنتاج، بل أن محطات الطاقة النووية عرضة للكوارث الطبيعية والتي تتفاقم بفعل التغيرات المناخية.
في 2011، شهدت اليابان كارثة ضخمة، عندما ضربها زلزال قوته 9 درجات، واجتاحتها أمواج تسونامي، ما أدى إلى انصهار مفاعل "فوكوشيما" وتسرب كميات كبيرة من المواد المشعة إلى المياه، والهواء، والتربة.