"وحش سيبيريا" يلقي بظلاله على الدول العربية.. ما هي تأثيراته؟


مروة بدوي
السبت 09 نوفمبر 2024 | 08:49 مساءً

كوكب الأرض على موعد مع شتاء قارس في 2024 / 2025، إذ يتوقع خبراء الطقس أن يشهد نصف الكرة الشمالي طقساً متطرفاً قارس البرودة، نتيجة عدة عوامل منها المرتفع الجوي السيبيري، الذي يعرف عالميا بـ "beast from the east" أو الوحش البارد القادم من الشرق.

ربما يزيد تأثير الوحش البارد في ظل ظاهرة "لا نينا" المناخية، فكيف سيكون تأثير ذلك على المنطقة العربية والبحر المتوسط.

المرتفع السيبيري البارد

المرتفع الجوي هو منطقة يكون الضغط الجوي فيها أكبر من المناطق المحيطة بها، والمرتفع السيبيري هو مركز ضغط جوي مرتفع شبه دائم يتمركز نحو القطب الشمالي، ويقترن بأدنى درجات الحرارة المسجلة بالنصف الشمالي للكرة الأرضية على الإطلاق.

وهو عبارة عن مجموعة ضخمة من الهواء الجاف والبارد الذي يتركز في جنوب سيبيريا، شمال شرق روسيا، في شهر سبتمبر حتى أبريل، وعبر هذه المنطقة تنتقل الكتل الهوائية إلى معظم آسيا وأوروبا، ويسمى الوحش البارد القادم من الشرق، لأنه مرتفع شديد البرودة قادم من شرق العالم، ويمتد تأثيره على كل خصائص الحياة وطرق معيشة الأفراد وخاصة الأنشطة الزراعية والسياحية.

ظاهرة "لا نينا" 

يتميز المرتفع السيبيري بعدة خصائص منها كتل هوائية قطبية مع هواء جاف وبارد، يسبب الصقيع والغيوم وأحيانا سقوط الثلوج، هذا المرتفع الموسمي سوف يكون أكثر شدة هذا العام  لأنه يتزامن مع الظاهرة المعروفة "لا نينا"، والتي تسبب تقلبات مناخية كبيرة جداً على مستوى عدة مناطق بالعالم مما يزيد من البرودة ومن معدل انخفاض درجات حرارة.

وحسب مركز التنبؤ بالمناخ، وهو جزء من خدمة الأرصاد الجوية التابعة للإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي، هناك احتمالاً بنسبة 60% لتطور ظاهرة "لا نينا" هذا الخريف وقد تستمر حتى شهر مارس.

تشكل ظاهرة "لا نينا" جزءًا من دورة المناخ الطبيعية التي يمكن أن تسبب طقساً متطرفاً في جميع أنحاء الكوكب، يتضمن تغييرات في درجات حرارة الرياح، وسطح البحر في المحيط الهادئ، وتختلف آثارها من مكان إلى آخر.

وتقول ميشيل لو هيريو، عالمة المناخ في الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي لوكالة أسوشيتد برس، أن "لا نينا" هي المرحلة الباردة من ظاهرة إل نينو، لكن" لا نينا" تميل إلى الاستمرار لفترة أطول وتكون أكثر تكرارًا من أحداث إل نينو الدافئة.

وأثناء ظاهرة "لا نينا" تشتد الرياح التجارية وترتفع المياه الباردة من أعماق البحر، مما يؤدي إلى انخفاض درجات حرارة المحيط عن المعدل المتوسط ​​في شرق المحيط الهادئ، لذلك هناك علاقة بين تطور المرتفع السيبيري ونشاط ظاهرة "لا نينا"، التي تؤدي إلى انخفاض درجات حرارة سطح مياه المحيط الهادئ الاستوائي أكثر من المعتاد.

كل ذلك يؤثر على الغلاف الجوي وحركة التيارات العالمية، وينتج عنه زيادة البرودة في منطقة سيبيريا وما حولها، مما يعزز تراكم الكتل الهوائية الباردة، وتصبح الظروف الجوية مواتية لزيادة قوة المرتفع السيبيري.

تأثيرات المرتفع السيبيري وظاهرة "لا نينا" على المناخ

يقول بن كوك، عالم المناخ في مركز غودارد لدراسات الفضاء التابع لوكالة "ناسا" وجامعة كولومبيا، أن  ظاهرة "لا نينا" وتكرارها قد يكون مرهقاً للمناطق التي عانت من الجفاف مؤخراً، مثل منطقة شرق أفريقيا، التي تشمل الصومال وجيبوتي، لأن ذلك يعني استمرار هذه الظروف المناخية السيئة.

ويوضح "كوك" إن تأثير ظاهرة "لا نينا" على الطقس يختلف باختلاف الموقع والموسم المناخي، لكنها تعمل بشكل أساسي على تغيير سمات الرياح الموسمية مثل المسار والشدة، كما أن درجات حرارة المحيط الباردة والتغيرات في الغلاف الجوي نتيجة "لا نينا"  يؤثر على مسار العواصف وزيادة هطول الأمطار.

أما المرتفع السيبيري، الذي يتمتع بنظام ضغط كبير شبه دائم، فإنه يستطيع التأثير على الدورة الجوية بمقاييس مختلفة في مناطق شاسعة من نصف الكرة الشمالي، بما في ذلك منطقة البحر الأبيض المتوسط ​، والتي تقع  في الغرب والجنوب الغربي من المرتفع السيبيري.

ووفقاً لدراسة نشرت في شبكة "Social Science Research Network"، حول التأثيرات المحتملة للمرتفع السيبيري على منطقة البحر الأبيض وخاصة خصائص الأعاصير المتوسطية، وجد الباحثون أن نشاط المرتفع السيبيري يبلغ ذروته من شهر ديسمبر حتى شهر فبراير وخاصة في شهر يناير.

وتشير الدراسة إلى أنه في منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط، والتي تضم دول المغرب العربي، فإن تواتر الاعاصير المصاحبة لمواسم نشاط المرتفع السيبيري يكون أعلى بنسبة 75% من المواسم التي يقل فيها نشاط المرتفع الجوي، مع الأخذ في الاعتبار تأثير تيارات المحيط الأطلسي.

أما في منطقة شرق المتوسط، والتي تشمل سوريا ولبنان، وفلسطين والأردن وأجزاء من مصر، يؤثر نشاط المرتفع السيبيري في عمر الأعاصير، حيث يجعلها تستمر لوقت أطول من المعتاد، لأن منطقة شرق المتوسط هي الأقرب جغرافيا من مركز المرتفع السيبيري، ولذلك سوف تعاني هذه الدول من انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة بسبب كتل الهواء البارد والجاف القادم من سيبيريا هذا الشتاء.

ومع اقتران المرتفع السيبيري مع ظاهرة "لا نينا" هذا العام سوف تشتد موجات البرد والصقيع في المناطق التي تخضع لتأثير المرتفع السيبيري، وتشمل العالم العربي، ولذلك بدأ موسم البرودة مبكرا خلال شهر نوفمبر ولكنه سوف يزداد مع اقتراب فصل الشتاء، بالإضافة إلى زيادة فرص تكون العواصف.

كما يتوقع خبراء المناخ وجود منخفضات جوية قادمة من شمال غرب أوروبا في اتجاه البحر المتوسط هذا الشتاء، مما يؤدي إلى هطول كميات كبيرة من الأمطار مع انخفاض الحرارة في دول المنطقة، ويتسبب في آثار اقتصادية في مجال زراعة.