الكوليرا مرض شديد الخطورة ينتقل عن طريق تناول الطعام أو الماء الملوث، ويسبب الجفاف الشديد والإسهال والقيء، وهي أعراض يمكن أن تقتل في غضون ساعات، إذا تركت دون علاج.
الموجة الأولى من موجات الكوليرا انتشرت خلال القرن التاسع عشر في جميع دول العالم، وقد انطلقت من مستودعها الأصلي في جنوب آسيا وتحديداً دلتا نهر الجانج بالهند.
بدأت الجائحة الأولى من مائتي عام، تلتها خمس جوائح من الوباء في جميع القارات. أما الجائحة الحالية، وهي السابعة، فيعود تاريخها إلى عام 1961، وقد خرجت من جنوب آسيا حتى وصلت إلى إفريقيا خلال عقد من الزمان، ومنها إلى الأمريكتين في مطلع التسعينيات، وبذلك توسعت خريطة المرض، الذي يتوطَّن حالياً العديد من البلدان.
وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد الإصابات بالكوليرا يتراوح ما بين 1.3 مليون و4 ملايين إصابة سنوياً. أما عدد الوفيات فيتراوح بين 21 ألفاً و143 ألف شخص في جميع أنحاء العالم.
التغيرات المناخية تبعث روح التفشي في الكوليرا
أوضحت منظمة الصحة العالمية أنه بعد عقود من التقدم في مكافحة الكوليرا، عادت حالات الإصابة ترتفع مرة أخرى، حتى داخل البلدان التي لم تشهد وجود المرض منذ سنوات؛ حيث أدى تغير المناخ إلى تفاقم تفشي المرض، بجانب استمرار تأثير المحفزات الأخرى مثل الفقر والصراعات الداخلية.
مرض الكوليرا
وتشير البيانات المتاحة لدى المنظمة إلى ارتفاع عدد الدول التي تعاني من وجود المرض بنسبة 25% مقارنة بعام 2021، كما أن حالات تفشي المرض الأخيرة أشد فتكاً من الموجات السابقة؛ حيث ارتفعت معدلات الوفيات مقارنة بسابقاتها المسجلة منذ أكثر من عقد من الزمان.
تلعب الأحداث المناخية المتطرفة مثل الفيضانات والأعاصير والعواصف المدارية والجفاف دوراً كبيراً في موجات التفشي؛ حيث تحد من فرص الوصول إلى المياه النظيفة وتخلق بيئة مثالية لانتشار وباء الكوليرا، كما أنها تدمر البنية التحتية الحيوية للمياه والصرف الصحي، وهو مما يتسبب في تسرب مياه الصرف الصحي الملوثة إلى مصادر المياه النظيفة، وزيادة خطر الإصابة بالمرض
ويشير الدكتور فيليب باربوزا رئيس فريق منظمة الصحة العالمية لمكافحة الكوليرا إلى أن العالم يشهد وضعاً غير مسبوق؛ لأن الأمر لا يتوقف عند انتشار المرض وحسب، بل بات أشد فتكاً من الماضي. ويأتي ذلك بعد عدة سنوات من الانخفاض المنتظم في عدد الإصابات والوفيات.
ويرى الدكتور باربوزا أن انتشار معظم هذه الفاشيات في وقت واحد، يعكس تصاعد التأثيرات السلبية لأزمة المناخ، بجانب العوامل المعتادة مثل الصراع والنزوح الجماعي، ودلل على كلامه بالوضع داخل بعض مناطق القارة الإفريقية التي عانت من سلسلة من الأعاصير والفيضانات والرياح الموسمية غير مسبوقة وقد صاحب ذلك تفشي الكوليرا.
مرض الكوليرا
ملاوي.. عواصف الكوليرا
وتوضح منظمة "WaterAid" الدولية أن الواقع المناخي الذي يعيشه عشرات الآلاف من الناس في جنوب قارة إفريقيا، يؤدي إلى تفشي الوباء.
وتضرب المنظمة مثلاً بدولة ملاوي، إحدى أقل البلدان نمواً في العالم، التي عانت العام الماضي، من ثلاث عواصف مدارية مدمرة أسفرت عن فيضانات واسعة النطاق، وتزامن ذلك مع تفشي موجة الكوليرا، التي كانت الأسوأ والأكثر فتكاً، وإحدى أسوأ موجات انتشار الأوبئة التي شهدتها القارة السمراء خلال العقد الماضي. وقد بلغ عدد حالات الكوليرا في ملاوي عام 2023 أكثر من 59,000 حالة إصابة، سقط منها 1750 حالة وفاة، وتعتبر المنظمة أن هذه التقديرات أقل من الواقع.
مرض الكوليرا
باكستان.. فيضانات الكوليرا
وهناك نموذج آخر من قارة آسيا: باكستان، التي لم تشهد خلال السنوات الماضية سوى حالات متفرقة من الوباء، إلا أنه تم الإبلاغ عام 2022 عن أكثر من 500 ألف إصابة بالكوليرا بعد الفيضانات الصيفية المدمرة التي عانت منها البلاد.
ومع استمرار الكوارث المناخية المرتبطة بفترات جفاف طويلة وهطول الأمطار وزيادة في الأعاصير، توضح منظمة الصحة العالمية أن تفشي الأمراض المميتة، ومنها الكوليرا أمر متوقع، وسوف يكون شرق وجنوب إفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي وآسيا من المناطق الأكثر تضرراً.
الوقاية من الكوليرا أقل كلفةً من العلاج
تشكل الكوليرا تهديداً عالمياً للصحة العامة، ومؤشراً على عدم المساواة والافتقار إلى التنمية الاجتماعية، والتفاوت داخل المجتمع العالمي، وخاصة في أقل البلدان نمواً وبين المجتمعات الأكثر فقراً والأكثر تضرراً من تداعيات التغير المناخي.
مرض الكوليرا
مرض الكوليرا يمكن التنبؤ به والوقاية منه عندما يتم ضمان الوصول إلى المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي، فضلاً عن ممارسات النظافة الجيدة والمستدامة لجميع السكان، مع الحد من التدهور البيئي والمناخي؛ لأن وقف انتقال المرض ومنعه بشكل تام، لن يؤدي إلى إنقاذ الأرواح فحسب، بل إنه يصب أيضاً في المصلحة الاقتصادية للحكومات؛ حيث تتجاوز تكلفة السيطرة على تفشي الكوليرا تكلفة منع حدوثها من الأساس.