ترتبط قضية التصحر ارتباطاً وثيقاً بتغير المناخ، فهو ليس مجرد أحد التداعيات الكارثية للأزمة، لكن في نفس الوقت له الآثار الناتجة عن التصحر تفاقم الفوضى المناخية، لأن 24% من انبعاثات الغازات الدفيئة الحالية تعود إلى إزالة الغطاء النباتي وتآكل التربة وجميع أنشطة استغلال الأراضي، وتتجاوز هذه النسبة قطاع النقل الذي ينتج أكبر نسبة من انبعاثات الكربون العالمية، حسب تقديرات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية “UNECE”.
ومع ارتفاع مستوى الانبعاثات تشتد أزمة الكربون، وتزداد الضغوط المناخية والبيئية، وبالتالي يزحف التصحر على أراض جديدة بالعالم؛ دائرة مغلقة يدفع الجميع ثمنها، وربما يمثل "التشجير" مفتاح الخروج الآمن من هذه الدائرة
تلوث الهواء
التشجير الرقمي
تعد الأشجار واحدة من أكثر الحلول الطبيعية فعالية، وتساهم في التخفيف بشكل مباشر من آثار تغير المناخ، حيث تُخزن النباتات والتربة كمية من الكربون تزيد 3 مرات عن الغلاف الجوي، بينما تعيد عملية التمثيل الضوئي استهلاك 240 جيجاتون من الكربون سنوياً.
ويعمل الغطاء النباتي على استقرار 80٪ من التربة مما يمنع التآكل والعواصف الترابية، كما تنتج الأشجار الأكسجين وتخفف من التلوث والغبار مما يحسن جودة الهواء، بجانب أن الشجر يوفر فوائد بيئية غير مباشرة مثل الحد من مخاطر الفيضانات.
لكن بدون التخطيط الاستراتيجي والتنسيق الجيد لعمليات التشجير، يمكن أن تفشل جهود زراعة الأشجار واستعادة الأراضي المتدهورة في تحقيق أهدافها، وهنا يتضح دور التشجير الرقمي.
حسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، التشجير الرقمي هو مصطلح يستخدم غالباً في مجالات تعويض الكربون والحفاظ على البيئة، ويقصد به الاستفادة من التكنولوجيا لتعزيز مبادرات زراعة الأشجار التقليدية، ويشمل استخدام الأدوات الرقمية لإدارة ومتابعة مشاريع التشجير، وضمان فعاليتها وشفافيتها.
التشجير الرقمي
عبر مبادرات التشجير الرقمي، تقوم الجهة المسؤولة عن المبادرة بتحديد أنواع الأشجار الملائمة لأجواء المنطقة المراد تشجيرها والمواقع المناسبة للزراعة، ويجري تحميل هذه التفاصيل على إحدى المنصات الرقمية المتخصصة في مجال الزراعة والتشجير، وبعد الإعلان عن المبادرة يقوم المواطنون بالدخول على المنصة واختيار نوع الشجرة المفضلة لديهم مع تحديد الموقع، وإجراء المدفوعات اللازمة عبر الإنترنت، ثم تتولى ادارة المبادرة زراعة الأشجار المختارة نيابة عن المواطنين.
الفوائد الرئيسية للتشجير الرقمي
يعزز التشجير الرقمي الاستدامة البيئية والحفاظ على جميع الموارد سواء المائية أو المادية عبر تطوير سبل الإدارة والرقابة والتحقق من البيانات، حيث تمكن صور الأقمار الصناعية تتبع معدلات نمو الأشجار وصحتها، مع وجود سجلات رقمية ثابتة لتفاصيل المشروع مما يضمن الشفافية والتقييمات الدورية وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية، وتحديد أرصدة الكربون بشكل دقيق من خلال ضبط كمية الكربون التي تلتقطها الأشجار المزروعة.
إتاحة بيانات مشاريع ومبادرات التشجير والتقارير الدورية عبر الإنترنت يضمن الامتثال للمعايير البيئية، ويزيد الثقة بين المواطنين والقائمين على المشاريع، وعلى المستوى المجتمعي يعزز المسؤولية الاجتماعية والبيئية، ويرفع الوعي الأخضر وينشر ثقافة التشجير.
التشجير الرقمي
وفيما يتعلق بالتكلفة يعمل التشجير الرقمي على تحسين الكفاءة والفعالية لأنه يتيح اتخاذ القرارات بناء على البيانات والتقارير التفصيلية، ويضمن تحسين مواقع التشجير واختيار الأنواع المناسبة واستراتيجيات الصيانة، بالإضافة إلى أن اعتماد الأدوات الرقمية يقلل المهام الإدارية الروتينية وبالتالي يخفض التكاليف العامة.
كما يعطي اختيار أنواع الأشجار من قبل القائمين على المشاريع والمبادرات الأولوية للأنواع المحلية لدعم النظم البيئية المحلية، مع التركيز على المناطق ذات القيمة العالية للتنوع البيولوجي واستعادة الأنظمة البيئية.
التشجير الرقمي
التشجير الرقمي في السعودية
تولي رؤية السعودية 2030 أهمية كبيرة لحماية البيئة بشكل عام ومواجهة تدهور الأراضي بشكل خاص، وأطلقت المملكة العديد من المبادرات الفعالة سواء الاقليمية أو الوطنية ومنها مبادرة السعودية الخضراء، وهي مبادرة وطنية طموحة تشمل زراعة 10 مليارات شجرة في جميع أنحاء المملكة وإعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة بجانب زيادة نســبة مساحة المحميات الطبيعية إلــى 30% مــن إجمالــي مســاحة المملكة البرية والبحرية، وقد نجحت الجهود المبذولة في زراعة حوالي 50 مليون شجرة منذ عام 2021 ،وفقا للموقع الرسمي لمبادرة السعودية الخضراء
ويلعب التشجير الرقمي دوراً رائداً في إتاحة الفرصة لكل المواطنين بالمشاركة في الزراعة رقمياً، بهدف زيادة وتحسين الغطاء النباتي، والعمل على توسيع الرقعة الخضراء وحماية البيئة.
التشجير الرقمي
مبادرات التشجير الرقمي في المملكة
يوجد عدة مبادرات في مجال التشجير الرقمي، منها مبادرة أمانة مكة المكرمة، بالتعاون مع منصة "نباتك"، التي دشنتها المملكة بداية سبتمبر 2024.
وتسعى المبادرة إلى تغطية مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بأشجار يجري زراعتها بكميات كبيرة خلال مدد قصيرة، بالإضافة إلى تعزيز روح المواطنة في المجتمع عبر الاهتمام بقضايا البيئة والمساهمة في التشجير ونشر الثقافة الخضراء.
وقامت أمانة العاصمة المقدسة بتحديد الأماكن المناسبة للزراعة، وأنواع الأشجار الأكثر ملائمة لأجواء المنطقة، بينما تعمل "نباتك" على رفع المواقع المخصصة للزراعة عبر منصتها الرقمية وإتاحتها للجميع من أجل المشاركة المجتمعية.
وهناك مبادرة التشجير الرقمي التي أطلقتها، في نهاية العام الماضي، أمانة المنطقة الشرقية بالتعاون مع أرامكو السعودية، ومنصة الحياد الصفري السعودية، وتهدف المبادرة لزراعة 35 ألف شجرة بالطريقة الذكية، وبالتالي خفض ما يُعادل 441 طناً من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وتتضمن المبادرة اعتماد التقنيات الذكية في حساب الأثر البيئي، ونسبة خفض الكربون المتوقعة لكل شجرة، كما تهتم المبادرة بالتفاعل المجتمعي لذلك أتاحت إمكانية تسمية كل شجرة باسم المواطن الذي زرعها
أما المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، الذي يسعى إلى تطوير مواقع الغطاء النباتي وحمايتها وتأهيلها حول المملكة، يقود عبر منصتة الرقمية حملة "لنجعلها خضراء" لإعادة تأهيل المواقع المتدهورة بالمملكة، وتشجيع المواطنين والمشاركات المجتمعية على التشجير، ورفع الوعي البيئي من أجل المساهمة في جهود التخفيف من آثار تغير المناخ.