العراق وكهرباء السدود.. كيف يمكن تجنب عيوب الطاقة الكهرومائية؟


سلمى عرفة
الخميس 05 سبتمبر 2024 | 06:03 مساءً

في الوقت الذي يحاول فيه العالم تعزيز الحصول على مصادر الطاقة المتجددة، يضع التغير المناخي المزيد من التحديات أمام تنفيذ تلك الخطط، لا سيما في البلدان الأكثر تضرراً من آثار تلك الظاهرة.

عند الحديث عن مصادر الطاقة النظيفة، دائماً ما تتجه الأنظار إلى الشمس والرياح، إلا أن النصيب الأكبر منها عالمياً يأتي من خلال الطاقة الكهرومائية التي تعتمد على تدفق المياه في توليد الكهرباء من خلال توربينات.

العراق الذي اشتهر في الماضي بوفرة الموارد المائية بدأ يعاني من تأثير الجفاف الناتج عن التغير المناخي، وتراجع مناسيب مياه الأنهار على حجم الطاقة الكهرومائية التي ينتجها، والتي تعد من أهم مصادر الطاقة في الدولة العربية.

ووضع التقرير السادس للأمم المتحدة للبيئة العالمية العراق في المرتبة الخامسة عالمياً في قائمة البلدان المعرضة لنقص المياه، ولتسجيل درجات حرارة متطرفة.

في حديثه إلى "جرين بالعربي" يقول الأستاذ الدكتور المهندس سمير الجبوري خبير الطاقات المتجددة في جامعة الكتاب بالعراق، إن البلد يعتمد بشكل كبير على نهرَي دجلة والفرات في توليد الطاقة الكهرومائية، وإن انخفاض مستوى المياه في هذه الأنهار بسبب الجفاف قلَّل من القدرة على تشغيل السدود بكفاءة، ومن بينها سدا الموصل ودوكان.

ويتابع: "هناك تقارير تشير إلى تراجع قدرة توليد الكهرباء الكهرومائية بشكل ملحوظ؛ ما أجبر العراق على الاعتماد بشكل أكبر على مصادر أخرى للطاقة".

ووفقاً لبيانات وزارة الكهرباء العراقية، انخفضت معدلات إنتاج الطاقة الكهرومائية مما يقرب من 3.5 مليون ميجا وات/الساعة في عام 2021، إلى أقل من مليونين و700 ألف ميجا وات/الساعة في عام 2022.

التقرير الإحصائي الذي أصدرته الوزارة عن عام 2022، كشف عن تراجع الطاقة الكهرومائية الناتجة عن عدة سدود من بينها سد الموصل الرئيسي المقام على مجرى نهر دجلة، وسد حديثة المقام على نهر الفرات، ونجح سد سامراء في مخالفة التوقعات.

ويكمل "الجبوري" حديثه قائلاً إن الانخفاض في إنتاج الطاقة الكهرومائية زاد من الضغط على شبكة الكهرباء الوطنية؛ ما أدى إلى زيادة انقطاع التيار الكهربائي والتأثير على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

عيوب الطاقة الكهرومائية

الاعتماد الواسع على السدود عالمياً في توليد الطاقة الكهرومائية له العديد من الأضرار البيئية التي قد تساهم في تفاقم التغير المناخي، والإضرار بالتنوع البيولوجي، والسكان المحليين بمناطق بناء تلك السدود.

وتُحدث السدود تغييراً في دورة الكربون؛ لأن الأنهار التي تسير بحرية تنقل الكربون على هيئة مواد ورواسب عضوية إلى البحار، لكن احتجاز تلك الرواسب يعطل تلك الرحلة، ومن المتوقع أن تنخفض نسبة الكربون العضوي الذي يصل إلى المحيطات بنسبة تقترب من 19% بحلول عام 2030، حسبما نقل موقع "Mongabay".

ورغم ذلك، يرى الخبير العراقي أنه يمكن توليد الطاقة الكهرومائية بطرق أكثر ملاءمةً للمعايير البيئية، من بينها اللجوء إلى توربينات عائمة على سطح الأنهار أو البحيرات دون التأثير على المجاري المائية، واستخدام طاقة المد والجزر في المناطق الساحلية في المناطق الساحلية لتوليد الكهرباء لتكون بديلاً لتقنيات السدود التقليدية.

ويشير إلى إمكانية الاعتماد على استخدام التدفق الطبيعي للنهر لتوليد الطاقة دون الحاجة إلى إنشاء خزانات كبيرة. وتلك المحطات تضمن استمرار تدفق المياه بشكل طبيعي؛ ما يقلل الأضرار البيئية، ويحسن إدارة الرواسب لضمان تدفق العناصر الغذائية الطبيعية لدعم الحياة المائية، وإنشاء ممرات تعبر من خلالها الأسماك عبر السدود دون إعاقة.

ويرى "الجبوري" أنه "ينبغي عدم إغفال أهمية الطاقة الكهرومائية؛ فهي توفر مصدراً مستداماً ونظيفاً للطاقة يمكنه أن يلعب دوراً مهماً في مزيج الطاقة العالمي، خاصة إذا تم التعامل مع العيوب البيئية والاجتماعية بفاعلية".

المزيد من السدود

لكن التغير المناخي وما يُحدثه من تعاقب موجات الجفاف والفيضانات الناتجة عن الأمطار الغزيرة، جعل العراق في حاجة ماسة إلى سدود يمكنها تخزين المياه التي تتساقط في فترات الفيضان؛ فعلى سبيل المثال، شهد النصف الأول من عام 2024 هطول سيول عارمة أدت إلى وصول مناسيب المياه في السدود إلى مستويات لم تشهدها منذ عدة سنوات.

وفي مايو الماضي، نقلت وكالة الأنباء العراقية "واع" تصريحات حكومية تشمل خطة السلطات بالتوسع في إنشاء سدود حصاد المياه الصغيرة الحجم؛ للاستفادة من مياه الأمطار.

لكن "الجبوري" يرى أنه من الممكن التوفيق بين حاجة العراق إلى سدود جديدة في مناطق تساقط الأمطار ومواجهة التحديات المرتبطة بالتغيرات المناخية وانخفاض موارد المياه، من خلال عدة استراتيجيات متكاملة، ومنها وضع وتنفيذ خطط للتكيف مع تأثيرات التغيرات المناخية، تشمل تحسين البنية التحتية وتطوير حلول مبتكرة لإدارة المياه، وتصميم سدود متعددة الأغراض يمكنها تخزين المياه، وتوليد الكهرباء، وري الأراضي الزراعية في آن واحد، وتنويع مصادر الطاقة والتوسع في الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة الأخرى كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، علاوة على إجراء دراسات شاملة لتحديد المناطق الأنسب لبناء سدود جديدة وفقاً لبيانات تساقط الأمطار والاحتياجات المحلية.