ليس من المبالغة أن تصف السكان الأصليين بأنهم جيش البشر الأول على جبهة الحرب في مواجهة التغيرات المناخية الآخذة في البطش بكوكب الأرض؛ هم الأقلية التي تقود العمل المناخي دون تراجع أو كسل، مستندين إلى تاريخ طويل من الارتباط بالأرض.
تمثل الشعوب الأصلية 6% فقط من سكان البشرية، لكنها تستوطن 28% من مساحة اليابسة، وهي المساحة التي تضم 11% من الغابات وتحمي 80٪ من التنوع البيولوجي العالمي.
تقف هذه المجتمعات المحلية على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ، لكنها تستطيع أن تلعب دوراً محورياً في إيجاد حلول لهذه المعضلة؛ فلقد طوَّر السكان الأصليون عبر قرون طويلة استراتيجيات للتكيف والصمود في البيئات المتغيرة؛ هذه الخبرات المتراكمة والمتوارثة قد تفيد البشرية لمواجهة مخاطر المناخ، وبناء اقتصاد مستدام والعيش في وئام مع الطبيعة.
الشعوب الأصلية
يعيش نحو 200 مجموعة من السكان الأصليين في 90 دولة حول العالم، ويصفهم سايمون ستيل الأمين التنفيذي للأمم المتحدة المعني بتغير المناخ بـ"أوصياء المستقبل على الكوكب"؛ لأن شباب السكان الأصليين لديهم رؤى مهمة حول العمل المناخي والإدارة المستدامة للموارد، التي تم تناقلها من جيل إلى آخر، وهذه الأفكار لا تقدر بثمن، وهي ضرورية لمساعدة العالم في التعامل مع الأزمة التي يعيشها اليوم.
فما هذه الدروس أو الأفكار والحلول المناخية التي يجب أن نتعلمها من الشعوب الأصلية للحفاظ على الطبيعة؟
شعب "واوراني" الإكوادوري.. نضال بيئي متواصل
تعيش قبيلة واوراني على مساحة 2.5 مليون فدان من غابات الأمازون المطيرة، وبالإضافة إلى كونها واحدة من أكثر المناطق تنوعاً بيولوجياً على وجه الأرض؛ إذ يستوطنها 800 نوع من الكائنات الحية، تولِّد غابات الأمازون المطيرة أكثر من 20% من الأكسجين في العالم؛ حيث تساعد الغابات الاستوائية على إبطاء وتيرة تغير المناخ من خلال عملها كمخازن كربون عملاقة، تمتص وتخزن ثاني أكسيد الكربون الزائد من الغلاف الجوي.
كل هذا الإرث الأحيائي كان مهدداً بسبب الأموال وعائدات النفط. وتعود القصة إلى عام 2012، عندما خصصت الحكومة أراضي السكان الأصليين لشركات النفط لتخفيف ديونها الدولية.
الشعوب الأصلية
وخوفاً من تدمير الأراضي والمياه والثقافة، دخل سكان "واوراني" في معركة قانونية تاريخية ضد الحكومة لمدة 7 سنوات، انتهت بحكم قضائي يحمي نصف مليون فدان من غابات الأمازون من التنقيب عن النفط، ويعطل الحكم أيضاً خططاً أخرى للحكومة لـتخصيص أكثر من 7 ملايين فدان من أراضي السكان الأصليين للتنقيب عن النفط.
يعد انتصار "واوراني" في المحكمة بمنزلة انتصار تاريخي للمجتمعات الأصلية التي تكافح من أجل حماية آخر معاقل الغابات البرية بالعالم، وهذه أول الدروس المستفادة من الشعوب الأصلية التي تقف بثبات في نضالها للدفاع عن النظم البيئية في الأمازون، التي تعد رئة العالم، بالنيابة عن كل البشر.
الشعوب الأصلية
الأكثر قراءة
شعب "كافالان" التايواني.. ونهج الاقتصاد المستدام
جزء من مجتمع الشعوب الأصلية في السهول التايوانية، التي تعيش في منطقة الساحل الشمالي الشرقي للبلاد، اعتمدوا أسلوب حياة قائماً على الزراعة والصيد، وأنتجوا ما يكفي لاحتياجاتهم.
استطاع شعب "كافالان" تحقيق مفهوم الاكتفاء الذاتي عبر الاقتصاد المستدام الذي يركز على حسن إدارة الموارد واستغلال النفايات.
كان توافر أشجار الموز بشكل كبير فوق أراضي "كافالان"، دافعاً لإدخال سيقان الموز وقشوره بصناعة الملابس، التي تحولت إلى حرفة اليدوية لشعوب كافالان.
الشعوب الأصلية
وينسج شعب "كافالان" القماش لصنع ملابسهم التقليدية، بالإضافة إلى الإكسسوارات اليومية مثل الأحزمة والعباءات وحقائب اليد. ويحافظ شيوخ السكان الأصليين على هذه الحرفة كجزء من التراث الثقافي غير المادي المهم للشعوب الأصلية في تايوان، الذي تتوراثه الأجيال.
ومع اتجاه صناعة النسيج نحو مستقبل أكثر صداقةً للبيئة، أكدت ألياف الموز، التي يستخدمها شعب كافلان منذ قرون، أنها واحدة من أهم الألياف الطبيعية والبدائل المستدامة في مجال المنسوجات؛ حيث تمتاز بالصلابة والمتانة والتکلفة المنخفضة وقابلية التحلل البيولوجي، كما أنها قائمة على مفهوم استغلال النفايات؛ لأنه بدلاً من أخذ جذع شجرة الموز إلى المخلفات، يتم تجفيف أليافها الخارجية، ثم نسجها وتحويلها إلى منتجات مفيدة يمكن إعادة تدويرها مرة أخرى.
الشعوب الأصلية
شعب "ويتوتو" والزراعة المستدامة
وهو سكان أمريكا الجنوبية الذين يعيشون في جنوب شرق كولومبيا وشمال بيرو. تمتاز أساليب زراعة شعب ويتوتو بكفاءتها واستدامتها، وتعتمد على زراعة القطع والحرق، وهو نظام زراعي ينتقل فيه المزارعون بشكل روتيني من منطقة قابلة للزراعة إلى أخرى.
تعتبر هذه النظم مستدامة بيئياً منذ آلاف السنين؛ نظراً إلى أن التربة في العديد من المناطق الاستوائية، مثل غابات أمريكا الجنوبية، تعتبر فقيرة للغاية من ناحية التغذية؛ ولذلك فإن تقنية القطع والحرق هي أحد أنواع الزراعة الوحيدة التي يمكن ممارستها في هذه المناطق، وتعتمد على مجموعة متنوعة من المحاصيل بدلاً من الزراعة الأحادية.
الشعوب الأصلية
وتساهم هذه الممارسات الزراعية التقليدية، مثل تناوب المحاصيل واستخدام الأسمدة العضوية، في تحسين صحة التربة، بجانب حسن إدارة المياه عبر اعتماد أنظمة متطورة لجمع المياه والري تقلل من الهدر. وتساهم الزراعة المتنقلة في زيادة التنوع البيولوجي بسبب إنشاء موائل جديدة.
السكان الأصليون في أمريكا الشمالية
يُعرَفون إعلامياً باسم الهنود الأمريكيين أو الهنود الحُمر، واعتمدوا الكثير من التقنيات التقليدية التي أثبتت استدامتها، وتقديمها حلولاً لتداعيات التغير المناخي. ومن هذه الممارسات التي عادت للظهور بعد انتشار حرائق الغابات في العالم بسبب الجفاف وانخفاض الرطوبة وارتفاع درجات الحرارة؛ تقنية Fighting Fire with Fire أو مكافحة الحرائق بالحرائق.
الشعوب الأصلية
وتعتمد على إشعال حرائق صغيرة عن عمد لكنها خاضعة للرقابة؛ من أجل حرق الأحراش وإزالة الأشجار التي تميل إلى تظليل الغابات. تعمل هذه الممارسة التقليدية على محاكاة الطبيعة بشكل آمن؛ بهدف جعل الغابات مفتوحة وليست مغلقة وكثيفة؛ لأن الموائل الحرجية المظللة بتيجان الأشجار الضخمة تكون أكثر عرضةً لانتشار النيران ووقوع الحرائق الكارثية كما يحدث حالياً.
وقد تم استخدام هذه التقنية لعدة قرون من قِبَل الشعوب الأصلية في قارة أمريكا الشمالية، باعتبار أن النار جزء طبيعي من النظام البيئي، وقد لعبت دوراً مهماً في الحفاظ على بنية الغابات والتنوع البيولوجي قديماً.