مع أول تعامل لطفلك مع الطبيعة ستلحظ بكل سهولة فضوله نحو كل شيء حوله: الأشجار والطيور والحشرات والعشب وأصوات الرياح التي تداعب الغصون؛ فهو لا يخشى ملامسة كل ما يقابله من حيوانات أو نباتات، ولا يبالي بإفساد مظهره باللهو في الطين الذي يكسو التربة.. فهل نستطيع تقديم ما ينمي شغفه الفطري وانتماءه للطبيعة عبر محتوى بيئي يُشبِع كل ذلك الفضول؟
في جنوب إفريقيا ذات الطبيعة الخلابة، ولدت "ميجان" التي حَظِيت، خلال طفولتها، بفرصة قضاء وقت طويل في الأماكن المفتوحة، فتسلَّقت الجبال، وارتادت الشواطئ، وقضت أوقاتاً في معسكرات تخييم بمناطق تتجول بها الأفيال والزراف.
كل تلك التجارب الفريدة كانت مقدمة لرحلة طويلة ستقطعها ميجان ستروس في عالم دراسة العلوم البيئية، قبل أن تقرر الانضمام إلى فريق موقع "مونجاباي كيدز" المعني بتقديم محتوى بيئي للأطفال، وهو جزء من مشروع منصة "مونجاباي" غير الربحية التي تنطلق من الولايات المتحدة الأمريكية.
وانطلق موقع "مونجاباي كيدز" في عام 2021، مستهدفاً الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الـ8 والـ14 عاماً. ويتنوع المحتوى الذي يقدمه بين القصص الإخبارية المبسطة، والألعاب، والرسوم المصورة، وغيرها من القوالب التي تغطي الموضوعات المتعلقة بالبيئة والتنوع البيولوجي.
القادة الصغار
في حديثها إلى "جرين بالعربي"، تروي ميجان ستروس محررة الموقع كيف بدأت فكرة انطلاق المشروع، قائلةً: "أردنا أن ننشئ منصة مجانية وجذابة لتزويد الصغار بالمعلومات، وتضرب أمثلة لهم حول الممارسات المسؤولة بيئياً".
وتكمل: "نأمل أن يتحول هؤلاء القراء إلى قادة بيئيين في منازلهم ومجتمعاتهم، وحتى على الساحة العالمية".
ترى "ميجان" أن الأمر لا يقتصر على أهمية التعليم البيئي بالتزامن مع الأزمات المتعلقة بالمناخ والتنوع البيولوجي، لكن الاتصال بالطبيعة هو مسألة أساسية لصحة الأطفال الجسدية والعقلية والعاطفية.
تنوع المحتوى
في حديثها إلى "جرين بالعربي"، توضح "ميجان" أن المؤشرات المبدئية تؤكد إقبال القراء الأطفال على القصص القصيرة بمقاطع فيديو أو رسوم، علاوة على الألعاب التفاعلية، لكنها تشير إلى التنوع في المحتوى الذي يقدمه الموقع، واصفةً التعامل مع جمهور يتراوح عمره بين الثامنة والرابعة عشرة بأنه أمر "شائك".
ولفتت إلى وجود العديد من العوامل التي لا بد من وضعها في الاعتبار؛ فهم مختلفون في قدرتهم على القراءة، ويتمتعون بدرجات مختلفة من الخبرة الرقمية؛ فالشريحة الأصغر من القراء تجذبها الشخصيات الكرتونية. أما الموضوعات الأطول، والمقابلات المبسطة مع الخبراء، فتجذب من هم أكبر عمراً، كما يمكنهم التعامل مع الموقع دون مساعدة.
لكن كما في عالم الكبار، يتمتع الأطفال كذلك بأذواق مختلفة، كما يتفاوتون في القدرات والميول، وفي الظروف المحيطة بهم؛ إذ تتابع قائلةً: "بعض الأطفال يحبون القطط، بينما يحب آخرون الضفادع.. بعضهم يتعلمون من خلال الوسائل البصرية، وآخرون بالقراءة، بينما يحتاج بعضهم إلى الخروج واحتضان الشجرة ولمس التربة بأنفسهم على الطبيعة".
قبل الانضمام إلى الفريق، خاضت "ميجان" تجربة الأمومة واختبرت عن قرب علاقة الأطفال بالمحيط الذي يعيشون به، وهو ما ساهم في قرارها بالعمل على إنتاج محتوى موجه لتلك الفئة؛ إذ تقول: "بعدما أصبحت أماً لطفلَين فضوليَّين، قررت أن أدمج خلفيتي العلمية في اهتمامي القديم بالرسوم وبإعلام الطفل.. لقد دفعني طفلاي لأصبح أكثر يقظةً، وأرى الأمور بعين مختلفة، وأنفتح على الأفكار الجديدة".
التمويل.. تحدٍّ دائم
في حديثها إلينا، أشارت "ميجان" إلى أن هناك تحديات تواجه الفريق لإنشاء محتوى جذاب وعالي الجودة، لكن بميزانية محدودة، مضيفة إلى التغلب جزئياً على الأمر من خلال عدة طرق أبرزها الاستعانة بشبكة من المساهمين المتطوعين، أو بعقد شراكات مع المجموعات البيئية التي ترغب في نشر المحتوى الذي تعده، علاوة على إطلاق حملات التمويل.
إحدى الشراكات التي عقدتها المؤسسة كانت مع مؤسسة Anne Innis Dagg Foundation، وهي مؤسسة غير ربحية معنية بالحفاظ على حيوان الزرافة، وأطلقت نادياً بيئياً يضم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الـ7 والـ17 عاماً.
من خلال تلك الشراكة، تعاونت "مونجاباي" مع الأطفال الأعضاء في ذلك النادي مباشرةً، الذين ساهموا لإنشاء محتوى يخص الزراف.
نقص المحتوى الموجه للأطفال
ترى "ميجان" أن السبب في شح المحتوى الموجه للأطفال فيما يخص التغير المناخي والبيئة، هو أن البالغين يعتبرون هذا المحتوى صعباً ودسماً، ومن ثم يعتقدون أن الأطفال لا يمكنهم التعامل معه، في الوقت الذي يأتي فيه تمكينهم وتزويدهم بالمعلومات اللازمة من أهم الأمور التي يمكنها مساعدتنا في مواجهة أزمة المناخ.
وبحسب رأيها، يقلل البالغون من قدرات الأطفال وفضولهم نحو الطبيعة، وطرقهم في استكشافها؛ "فالصغار يلطخون أنفسهم بالطين، ويقلبون الصخور، ويلتقطون الحشرات على الأرض"، فلا بد من تزويدهم في ذلك العمر بالمعرفة والأدوات التي تُمكِّنهم من العيش بطريقة صديقة للبيئة.
النصيحة التي أصرت عليها محررة الموقع للصحفيين العاملين في هذا النوع من المحتوى، هو إشراك الصغار في عملية إنتاج المحتوى، بطرح أسئلة عليهم حول الموضوعات التي تهمهم؛ "فهم أفضل النقاد.. إنهم بارعون في إخبارنا بما يروق لهم".