الثمن الباهظ لتغير المناخ.. نقص المياه يُفرغ جيوب التونسيين


سلمى عرفة
السبت 22 يونية 2024 | 02:36 مساءً

حوَّل نقص المياه أبسط المهام التي تقوم بها "آمال" (30 عاماً) في حياتها اليومية إلى مهمة شاقة، في وقت تتوالى فيه سنوات الجفاف على تونس بفعل تفاقم آثار التغيرات المناخية.

آمال زرقيني التي تعمل في مجال تدريس الفنون التشكيلية، وتعيش في تونس العاصمة، برفقة زوجها وطفلها الذي لا يتجاوز عمره عامين، روَت في حديثها إلى "جرين بالعربي" كيف عانت تحديداً خلال شهر رمضان الماضي من زيادة أعبائها الأسرية.

تقول آمال إن انقطاع المياه أثر "على الممارسات اليومية، كالطهي وأعمال التنظيف، والوضوء، وممارسة العبادات، خاصةً مع وجود طفل رضيع في المنزل".

خلال السنوات الأخيرة، تناقصت معدلات الأمطار التي تسقط على تونس المُصنفة ضمن قائمة أكثر دول العالم معاناةً من ندرة المياه؛ ما أدى إلى تراجع مخزون السدود إلى مستوى لم تشهده البلاد من قبل، وتحولت الانقطاعات المتكررة إلى جزء من حياة التونسيين.

بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية "WMO"، كان معدل زيادة درجات الحرارة في منطقة شمال إفريقيا هو الأكثر تسارعاً في الفترة بين عامَي 1960 و2020، مقارنة ببقية أقاليم القارة السمراء الأخرى.

النساء.. أبرز الضحايا

يرى خبير الموارد المائية التونسي حسين الرحيلي، في حديثه إلى "جرين بالعربي" أن النساء هن أكثر الفئات المتضررة من انقطاع المياه؛ لأنهن في الغالب مسؤولات عن تفاصيل الحياة اليومية للأسرة بأكملها، "وتتكبد المرأة وحدها معاناة جلب الماء من الخارج إذا طالت فترات انقطاع المياه عن المنازل".

مصدر الصورة:  FETHI BELAID/AFP/ Getty Imagesمصدر الصورة: FETHI BELAID/AFP/ Getty Images

لكن آثار انقطاع المياه لا تقتصر على آثار معيشية فحسب، بل لها آثار اقتصادية كذلك؛ إذ تشير "آمال" إلى أن تراجع إنتاجية المحاصيل الزراعية، ومن بينها الخضراوات والحبوب، ونقص الأعلاف المتوافرة للماشية، ساهم في ندرة المواد الغذائية، وانتهى الأمر بغلاء المعيشة.

تأثير نقص المياه على القطاعات المختلفة للاقتصاد التونسي، وأولها القطاع الزراعي، ينبئ كذلك بتوقعات أكثر تشاؤماً.

وبحسب تقديرات البنك الدولي، من المتوقع أن يخسر الاقتصاد التونسي بفعل الجفاف ما يزيد عن مليار دولار سنوياً بحلول 2030، أي في خلال 6 أعوام فحسب.

أزمة المياه المعبأة

"آمال" وزوجها اضطرا كذلك، مثل الكثير من التونسيين، إلى شراء كميات كبيرة من المياه المعبأة التي انتعش سوقها خلال الآونة الأخيرة، والتي تعود على البيئة بأضرار جمة، علاوة على تكلفتها المالية.

وفق تقرير مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان "OCHA" الصادر في 2022، تحتل تونس المرتبة الرابعة عالمياً من حيث استهلاك المياه المعبأة.

الاستعانة بمنتجات المياه المعدنية يسهم في انطلاق المزيد من غازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، بدايةً من عمليات تصنيع الزجاجات التي تدخل فيها كميات كبيرة من البلاستيك، وانتهاءً بوصولها إلى مكبات النفايات.

ويتراوح الحد الأقصى للسعر الرسمي للمياه المعدنية، حسب إعلان وزارة التجارة وتنمية الصادرات التونسية في أغسطس 2023، بما يتراوح بين نصف دينار تونسي للزجاجة سعة "0.5 لتر" إلى ما يقرب من 1 دينار للزجاجة سعة لتريّن.

أعباء شراء المياه المعبأة تتزامن مع اقتصار الحد الأدنى للأجور في تونس على ما يقل عن 430 ديناراً شهرياً (أقل من 140 دولاراً أمريكياً) للعاملين بالمهن غير الزراعية، بمعدل 48 ساعة في الأسبوع، وأقل من 370 ديناراً (أقل من 120 دولاراً) لهؤلاء الذين تقتصر ساعات عملهم على 40 ساعة أسبوعياً فحسب.

فواتير المياه

هناك جانب آخر من الأعباء التي ألقيت على كاهل التونسيين؛ ففي مارس الماضي، أعلنت السلطات زيادة جديدة في أسعار الرسوم المقررة على مياه الشرب بنسب وصلت إلى ما يزيد عن 15%، على ألا تشمل الزيادة صغار المستهلكين الذين يبلغ استهلاكهم أو يقل عن 20 متراً مكعباً على مدى 3 أشهر.

تحتج "آمال" على القرار، قائلةً إن عائلتها لا تتمكن من ملاحقة أسعار أساسيات الحياة كالطعام وغيره.

المياه والطبقة الوسطى

الدكتور حسين الرحيلي لفت في حديثه إلى "جرين بالعربي"، إلى أن الطبقة الوسطى التونسية هي أكثر الفئات تأثراً من قرار زيادة أسعار المياه؛ لأن استهلاكها يتجاوز تلك الكميات، مشيراً إلى أن تطبيق نظام القطع الدوري للمياه أثر تأثيراً كبيراً على تقاليد الحياة اليومية لسكان الدولة العربية.

ويتابع أن قرار الزيادة الذي جرى إعلانه مؤخراً هو الثالث من نوعه خلال 4 سنوات، ضمن خطة خمسية لتحقيق التوازن المالي المتعلق باستغلال المياه وتوزيعها، لكنها لا تهدف إلى ترشيد الاستهلاك، واصفاً أزمة المياه في تونس بأنها "متعددة الأبعاد".

أزمة البنى التحتية

في تصريحات نقلتها صحيفة "الجارديان" البريطانية، تشير إيمان رايس مديرة برنامج المياه العذبة بالصندوق العالمي للطبيعة بتونس إلى أن معظم البنى التحتية في الدولة العربية يعود تأسيسها إلى الخمسينيات من القرن الماضي، ولم تخضع للصيانة جيداً منذ أحداث 2011.

وبحسب تقديرات الصندوق، فإن 30% من المياه في تونس تتسرب قبل وصولها إلى الصنابير.

تمويل مشروعات المياه

محاولة الخروج من الأزمة تفرض على الدولة العربية المزيد من الأعباء الاقتصادية لتوفير الأموال اللازمة للتمويل؛ إذ بلغ حجم الميزانية المخصصة للاستثمار في قطاع المياه، في ميزانية 2024، ما يعادل أكثر من 200 مليون دولار أمريكي.

لكن القروض تشكل جزءاً أساسياً من الأموال التي تستعين بها تونس لمواجهة الأزمة؛ فعلى سبيل المثال، أعلن صندوق التنمية الأفريقي تقديم قرض بقيمة تتخطى 8 ملايين دولار أمريكي لتحسين معالجة مياه الصرف لاستخدامها في ري المحاصيل، بعدما منعت السلطات استخدام مياه الشرب في ذلك الغرض.