مشهد فانتازي يمكن أن تتخيله، يمثل مستقبل كوكب الأرض الذي سيكون صارخاً في التناقض. هل تخيلت أن تزور حقول الفول السوداني في القطب الشمالي؟ أو ربما قطف ثمرة الأفوكادو من شجرة في إحدى الدول الاسكندنافية؟ لا تستغرب! فخريطة الزراعة آخذة في التغير وبشكل سريع.
على مدى سنوات طويلة، ساهمت المحاصيل الزراعية في تشكيل هوية البلدان التي تنمو فيها، وفي تأمين مصدر دخل لمزارعي تلك المناطق، لكن التغيرات المناخية وما يصاحبها من آثار غيَّرت مكونات تلك الهوية التي اعتدناها.
البُن في مصر
القهوة التي يُقبِل على شرائها مليارات الأشخاص حول العالم مثَّلت لفترات طويلة رمزاً لقارة أمريكا اللاتينية التي تنتج كميات كبيرة منها.
لكن في الوقت الذي تُهدِّد فيه موجات الطقس المتطرفة مناطق الإنتاج الرئيسية، وعلى رأسها البرازيل، هناك مناطق أخرى تظهر كلاعب محتمل يمكنه دخول هذه السوق الهامة.
وتساهم البرازيل بما يزيد عن 30% من الإنتاج العالمي، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة الأمريكية.
في أبريل الماضي، أعلنت مصر نجاح التجارب التي أجرتها في منطقة القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية لزراعة أشجار البُن التي تنمو في مناخ استوائي.
وبحسب البيان الذي نشرته الصفحة الرسمية لوزارة الزراعة المصرية، شهدت الدولة العربية تجارب سابقة لزراعة البن انتهت بالفشل؛ بسبب عدم ملاءمة الأحوال الجوية، لكن "تغيُّر الظروف المناخية" خلال العامين الماضيين دفع السلطات إلى إعادة التجارب التي كُتب لها النجاح.
وتستورد مصر ما يزيد عن 60 ألف طن من البن سنوياً، ما يعني 100% من استهلاكها.
البن كذلك يحتل مكانة مهمة في خطط المملكة العربية السعودية التي بدأت تزرعه بالفعل؛ إذ تخطط لتحويل ما يزيد عن 10 محافظات في الجزء الجنوبي الغربي من المملكة إلى مناطق مهمة لإنتاج المحصول، حسبما نقلت وكالة الأنباء السعودية "واس".
مصدر الصورة: واس
وارتفع حجم إنتاج البن في المملكة إلى ما يقرب من 1500 طن العام الماضي، وفقاً لإحصائيات برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة التابع لوزارة البيئة والمياه والزراعة في السعودية.
الأفوكادو يغير وجهته
ورغم الأضرار البيئية التي تسببها زراعة فاكهة الأفوكادو بسبب ارتباطه بإزالة مساحات واسعة من الغابات في المكسيك، علاوةً على الكميات الكبيرة من المياه التي تحتاجها زراعته، فإنه لا زال يمثل مصدراً هاماً لأعداد كبيرة من المزارعين حول العالم.
ووفقاً لتقديرات علمية نقلتها مجلة "تايم" الأمريكية، يمكن أن تشهد المناطق المناسبة لمزارع الأفوكادو حالياً مثل المكسيك، وبيرو، وإندونيسيا، والدومينيكان، التي تمثل قرابة 60% من الإنتاج العالمي، تراجعاً في حجم المحاصيل.
على الجانب الآخر، يمكن أن توفر الصين والولايات المتحدة ومناطق شرق إفريقيا ظروفَ نمو مثاليةً للفاكهة، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة في المناطق الواقعة ضمن خطوط العرض العليا، لكن هناك تحديات مناخية أخرى ستلاحقه في مناطق الإنتاج الجديدة.
المزيد من الطماطم
في جبل لبنان، وعلى بعد 1500 متر فوق سطح البحر، أدى ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة في عام 2023 إلى مضاعفة إنتاج الطماطم في عدد من المزارع، مع توقعات بأن يستمر موسم الزراعة لفترات أطول إذا ما تواصلت تلك الوتيرة، حسبما نقل موقع European Food Agency.
لكن مناطق أخرى في العالم تواجه العديد من التحديات فيما يخص إنتاج الطماطم، ومنها ولاية كاليفورنيا الأمريكية التي تستحوذ على ربع الإنتاج العالمي.
وبحسب وزارة الزراعة الأمريكية، ساهم الجفاف الذي يفاقمه التغير المناخي في انخفاض المساحة المزروعة المخصصة لإنتاج الطماطم المعالجة بأكثر من 20% في الفترة بين عامي 2014 و2022.
المانجو في إيطاليا
وفي الوقت الذي يهدد فيه ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة الناتج عن التغيرات المناخية محصول المانجو في العديد من مناطق العالم، ومن بينها مصر؛ تزدهر تلك الفاكهة على الجانب الآخر من البحر المتوسط، وبالتحديد في إيطاليا.
رغم ذلك، سمح ارتفاع درجات الحرارة في إيطاليا للمزارعين بالتوسع في زراعتها حتى وصلت إلى كافة أنحاء الأجزاء الجنوبية، حسبما نقل موقع "Eco Watch.
هذا التوسع جاء ليعوض التراجع في المحاصيل الأخرى الهامة مثل القمح، والكمثرى، والطماطم، والعنب، والكرز، وهو التراجع الذي وصلت نسبته إلى ما يصل إلى 70% في بعض الفترات.