قصص "الدغافل اليتامى".. كيف تكافح زوال الغابات عبر تبني الأفيال؟


سلمى عرفة
الجمعة 24 مايو 2024 | 08:52 صباحاً

لم تكن "إيبيا" أكملت العام الثالث من العمر حين أُجبرت على رؤية أمها تُحتضَر أمام أعينها، بعدما فشلت الأخيرة في العثور على طعام كافٍ يُبقِيها على قيد الحياة، ويساعدها على مواصلة رعاية صغيرتها.

"إيبيا" هي أنثى فيل صغيرة السن، حاصرتها وأمها موجة جفاف شديدة اجتاحت منطقة "تسافو" الكينية، ودمَّرت الغطاء النباتي الموجود بها؛ ما أدى إلى نقص حاد في الغذاء، لدرجة أعجزت الأم عن مواصلة إرضاعها.

وصول بعد فوات الأوان

ولم يتمكن الفريق التابع لصندوق ديفيد شيلدريك للحياة البرية (مؤسسة بيئية غير ربحية) الذي وصل المنطقة، إلا من إنقاذ الصغيرة التي كانت بحالة سيئة، بعدما فارقت الأم الحياة.

قصة أنثى الفيل الصغيرة هي واحدة من عشرات القصص التي تنشرها المؤسسات البيئية للأفيال اليتامى التي فقدت عائلاتها، لتدعو إلى تبني أحدها، والتبرع بمال يُمكِّنهم من رعايتها.

دائماً ما ترتبط فكرة تبني الحيوانات أو التبرع بمال لصالح رعايتها في أذهان الكثيرين بالحيوانات الأليفة، كالقطط والكلاب، لكن ما حجم التأثير الذي يمكن أن تُحدِثه حين تكفل فيلاً يتيماً يبعد عن مكان عيشك بمسافات بعيدة؟

الفيل وأمه.. علاقة مميزة

تتمتع الفيل الأم بسمات مميزة مقارنة بنظيراتها من الحيوانات الأخرى؛ إذ تعد فترة حملها الأطول في عالم الثدييات وتبلغ 22 شهراً كاملاً، ويمكنها التكاثر حتى عمر الستين.

وترتبط أنثى الفيل بعلاقة قوية؛ ليس بصغارها فحسب، بل بكافة صغار القطيع الذي تعيش به.

منذ ولادة الدغافل – وهي صغار الفيلة – تقوم الأمهات التي تتولى مسؤولية قيادة القطيع تعليمها كافة الأمور؛ بدايةً من استخدام خراطيمها، واختيار النباتات الأفضل التي يمكنها أكلها، بعد انتهاء مرحلة الرضاعة، كما تقوم بالمهمة الأبرز، وهي حمايتها من أي أخطار تهددها.

وفقاً لموقع "ناشونال جيوجرافيك"، يعيش ذكور الأفيال مع أمهاتها لسنوات طويلة تصل إلى 15 عاماً، بينما تقضي الإناث معهن طيلة حياتهن.. كان هذا ما يُفترض أن تقوم به "إيبيا"، لكن الجفاف الذي يفاقمه التغير المناخي حال دون حدوثه.

العائلة هي كل شيء

في تصريح نقلته "بي بي سي"، تقول جينا باركر عالمة البيئة في جامعة ولاية كولورادو الأمريكية: "إذا ما راقبت الأفيال، فستعلم جيداً أن العائلة تمثل كل شيء بالنسبة إليها.. فحتى عمر 8 إلى 10 أعوام، لن تزيد المسافة التي يبعدها الصغار عن أمهاتها بضعة أمتار".

وفقاً لإحصائيات الصندوق العالمي للطبيعة، لم يتبقَّ في العالم إلا أقل من 500 ألف فيل تعيش غالبيتها في قارة إفريقيا، وتواجه تهديدات ضخمة بفعل الجفاف ونقص الغذاء، والصيد غير القانوني الذي يهدف في الأساس إلى الحصول على العاج من أنياب تلك الكائنات الضخمة.

ظاهرة الأفيال اليتامى التي تضطر إلى مواجهة الحياة وحيدة ليست جديدة؛ فدائماً ما تكون الأفراد الأكبر عمراً هدفاً مثالياً للصيادين؛ بسبب أنيابها الطويلة، كما تتراجع قدراتها على مواجهة نقص المياه والغذاء الناتج عن التغير المناخي.

في دراسة نشرتها دورية "PLOS"، قدر الباحثون أن الأفيال التي تبلغ 40 عاماً فأكثر في منطقة شرق إفريقيا ستكون هي الأكثر تضرراً من التغير المناخي، محذرين من التأثير السلبي الذي ينال الأجيال الأصغر سناً التي ستفتقد من يتولى توجهيها.

يتامى الأفيال هي الأقصر عمراً

إحدى الفرق البحثية التي حاولت رصد التأثيرات السلبية التي يتعرض لها يتامى الأفيال اعتمدت على دراسة ما يقرب من 60 من إناث الفيل اللاتي يعشن في محمية سامبورو الوطنية شمال كينيا، بينها 32 فيلاً فقدت أمهاتها.

الدراسة التي جرت بالتعاون بين جامعة ولاية كولورادو الأمريكية، ومنظمة "أنقذوا الأفيال"، وتحالف حديقة سان دييغو للحياة البرية (مؤسسات بيئية غير ربحية)، كشفت أن الأفيال اليتامى أعمارها أقصر من نظرائها، كما تعاني من مشكلات أكبر تتعلق بالنمو.

المفارقة أن كافة الأفيال التي خضعت للدراسة فقدت أمهاتها، بعد إتمام مرحلة الرضاعة، لكن الباحثين أشاروا إلى أثر اليُتم في الحصول على الغذاء الكافي، إثر غياب الأم التي تدخل في مواجهة مع الأفيال الأكبر عمراً؛ كي لا يستولوا على النباتات الأفضل لصغارها.

هناك خطر آخر قد يهدد عملية النمو، وهو زيادة هرمونات التوتر في أجساد هؤلاء الصغار بعد تعرضهم لصدمة فِراق الأم.

الأصدقاء والتعافي

لكنَّ هناك عاملاً قد يخفف من التأثير الطويل المدى للصدمة على تلك الفيلة، ويساهم في تقليل هرمونات التوتر، وهو العثور على أصدقاء.

في دراسة أخرى شاركت بها جامعة ولاية كولورادو، ونشرتها دورية Communication Biology، كشف الباحثون أن الأفيال اليتامى التي تعيش مع أفيال تقاربها في العمر، لديها قدرة أكبر على التعافي.

وشملت الدراسة 25 فيلاً فقدت أمهاتها منذ فترات متفاوتة تتراوح بين عام و19 عاماً، لكن الأفراد ذوي العدد الأكبر من الرفاق كانت لديها مستويات أقل من هرمونات التوتر.