الوعي المناخي هو كلمة السر التي لابد من الاستعانة بها لمواجهة التهديدات التي تحاصر كوكبنا، وتهدد الموارد التي نعتمد عليها، بعدما وصلت آثار ظاهرة التغيرات المناخية إلى مستويات غير مسبوقة.
بقائمة طويلة من المشروعات، والبرامج، والمناهج التعليمية، والمبادرات، يعمل المجلس الثقافي البريطاني، وهو هيئة دولية غير ربحية معنية بالثقافة والتعليم، على تعزيز الوعي البيئي، والتواصل العلمي، وتذليل العقبات أمام أصحاب المهارات في المجالات المتعلقة بحماية البيئة.
في حديثها إلى "جرين بالعربي"، سردت شيماء البنا رئيسة قطاع التعليم في المجلس الثقافي البريطاني كيف يعمل المجلس على دمج القضايا البيئية في المناهج التي يقدمها، من خلال مجموعة متنوعة من المشروعات التعليمية، والفرص الدراسية والتدريبية التي تمكن الأفراد من الحصول على المعرفة والمهارات اللازمة لاتخاذ إجراءات بشأن التغير المناخي.
جهود المجلس لا تقتصر على تقديم القضايا المناخية في الفصول الدراسية التابعة له فحسب، بل تمتد لما هو أبعد من ذلك من خلال فرص الشراكة مع المدارس، وتدريب المعلمين.
الصحافة العلمية
هناك هدف آخر يجري التركيز عليه، وهو تعزيز الإعلام العلمي، والذي يقوم بدوره برفع الوعي المناخي، إذ تشير رئيسة قطاع التعليم، في حديثها، إلى تنظيم ورش تستهدف الصحفيين والعاملين في مجال التواصل العلمي، لتزويدهم بالمهارات والمعرفة اللازمة لإنتاج محتوى رقمي عالي الجودة، من بينها طرق السرد القصصي، والتمثيل البصري للبيانات، وتدقيق المعلومات، وكيفية الاستفادة من المنصات الرقمية للتواصل العلمي.
تتابع "البنا" مشيرة إلى أن المجلس الثقافي البريطاني يدرك الأهمية المتزايدة للمنصات الرقمية في التواصل العلمي، ويستخدم المنصات الخاصة به لتعزيز ذلك النوع من المحتوى من خلال العديد من المبادرات.
أنشطة المجلس بشأن التواصل العلمي لا تستهدف الصحفيين فحسب، فعلى سبيل المثال، يوفر برنامج "Researcher Connect" التابع للمجلس فرصاً للباحثين لتعزيز مهارات التواصل لديهم خاصة فيما يتعلق بالسياقات الرقمية.
ومن خلال الدورات، والندوات، وورش العمل التي تنعقد عبر الإنترنت يتعلم الباحثون كيف ينقلون أعمالهم بفعالية لمجموعات مختلفة من الجمهور باستخدام الأدوات والمنصات الرقمية، وفقاً لـ"البنا".
ويسلط المجلس الضوء من خلال منصاته وقنواته على مواقع التواصل الاجتماعي قصصاً بحثية، والمشروعات العلمية المبتكرة، إلى جانب التفاعل مع الجمهور عبر هذه المنصات، لتيسير المحادثات بشأن الموضوعات العلمية، والتعاون مع المؤسسات البحثية المختلفة، ومع وسائل الإعلام لتعزيز جهود التواصل العلمي على المنصات الرقمية.
المجلس الثقافي البريطاني في "COP"
قوة التعليم عن بعد في تعزيز التواصل بشأن القضايا البيئية ظهرت عبر أنشطة المجلس خلال الفترة التي سبقت انعقاد مؤتمر المناخ "COP 28" الذي انعقد في مدينة دبي الإماراتية، وخلاله.
تشير رئيسة قطاع التعليم بالمجلس إلى التعاون الذي حدث بين جامعة إدنبره باسكتلندا، وبرنامج "Schools connect" التابع للمجلس لإطلاق اثنتين من الدورات التدريبية عبر الإنترنت، وسجلتا عدد قياسي من الحضور بأكثر من 21 ألف شخص مما يزيد عن 100 دولة، خلال الفترة بين أكتوبر وديسمبر 2023.
مؤتمر المناخ "COP 28" شهد كذلك صدور التقرير البحثي الجديد حول التعليم المناخي لبرنامج "School Content" التابع للمجلس، وهدف إلى مشاركة الطرق التي يمكن من خلالها أن تقوم المنظمات الدولية غير الحكومية المساهمة في ازدهار التعليم المناخي والتعليم المتعلق بالاستدامة، عبر عقد الشراكات، والحوار، والتعلم المتبادل بين العاملين في مجال التعليم، وصناع القرارات، والشباب، والأطفال في مختلف أنحاء العالم.
عدد كبير من الأنشطة التي ينفذها المجلس للتصدي التغير المناخي تأتي ضمن برنامج "Climate Connection" الذي انطلق قبل مؤتمر المناخ "COP 26" في مدينة جلاسكو باسكتلندا.
ومنذ عام 2020، وصلت أنشطة البرنامج إلى ما يزيد عن 400 مليون شخص في أكثر من 200 دولة وإقليم، فيما تخطى عدد الشركاء 7600 شريك في مختلف أنحاء العالم.
"جرين بالعربي" تواصلت مع نانسي الأمير المديرة الدولية لبرنامج "Climate Connection" لتخبرنا المزيد عن تفاصيل الأنشطة التابعة له.
تقول "الأمير" "لقد ساعدنا ما يزيد عن 500 باحثاً في بداية مسيرتهم العملية على تعزيز قدراتهم على العمل على حلول متعلقة بقضية التغير المناخي، وعلى توسيع فهمهم للمزيد من التخصصات، عبر تقديم المنح الدراسية، والزمالات، والشراكة مع الجامعات".
ويعمل البرنامج، الذي يركز على فئة الشباب، على إعداد قادة المناخ من تلك الفئة، عبر عدة وسائل من بينها المنح التي يقدمها المجلس الثقافي البريطاني والتي تعزز مهارات صناع التغيير حول العالم بمهارات القيادة اللازمة لتنفيذ حلول محلية للتغير المناخي.
كما يهدف، من خلال برنامج المهارات المناخية، إلى تعزيز قدرة المنظمات المحلية على تزويد 12 ألف من الشباب بالمهارات الخضراء حتى عام 2026، التي تشمل المعرفة والقدرات اللازمة للاستخدام الفعال للطرق التكنولوجية الصديقة للبيئة في المحيط المهني.
كما تشمل هذه المهارات قائمة من المعارف والقيم، والاتجاهات التي توجه عملية صنع القرار المستدام بيئيًا في العمل وفي الحياة اليومية.
هناك تعاون كذلك بين البرنامج وبين كليات التعليم الفني والمهني في بريطانيا وحول العالم من أجل تعزيز تلك المهارات بطرق غير تقليدية، فعلى سبيل المثال، تدمج الشراكات بين مؤسسات المملكة المتحدة والمغرب أساليب مبتكرة قائمة على التكنولوجيا مثل استخدام الواقع الافتراضي في التدريب على المهارات الخضراء.
حماية التراث
"الأمير" أشارت إلى صندوق الحماية الثقافية الذي يساهم في الحفاظ على التراث المعرض للخطر بفعل ظاهرة التغير المناخي، ويخفف من آثارها على التراث الثقافي القيم في مختلف أنحاء العالم.
منذ عام 2016، قدم المجلس الثقافي البريطاني تمويلاً بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني لنحو 150 مشروع من مشروعات الصندوق في عدد كبير من البلدان من بينها مصر، والعراق، والأردن، ولبنان، وليبيا، وفلسطين، وسوريا، وتونس، واليمن.
وفقاً لمديرة البرنامج، يساهم المجلس الثقافي البريطاني في حماية اثنين من المعالم الإسلامية المعرضة لأخطار ترتبط بالتغير المناخي في العاصمة المصرية القاهرة، وهي قبتي صفي الدين جوهر، ويحي الشبيه، إلى جانب إشراك النساء والأطفال في مشروعات التخضير بالمناطق الحضرية في العاصمة.
مصدر الصورة: مبادرة الأثر لينا المشاركة في مشروع الترميم
وفي جنوبي العراق، يعمل البرنامج على حماية التراث المحلي الفريد المتعلق بصناعة القوارب، والتي يتسارع اختفائه بفعل التغير المناخي.
وتأثرت صناعة المشاحيف، وهي قوارب خشبية يعود تاريخها إلى آلاف السنوات في العراق، بالجفاف الحاد الذي أصاب مناطق الأهوار وهي أحد أنواع الأراضي الرطبة التي تتكون بالقرب من الأنهار.
وعن الخطط المستقبلية للبرنامج، أشارت "الأمير" إلى أنهم في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على استراتيجية جديدة ستحدد الطريقة التي سيواصلون من خلالها التصدي للتحديات المناخية على مدى السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة، والتي ستسلط الضوء على أولويات البرنامج، وتتضمن المشاركة في مؤتمرات المناخ القادمة "COP 29" المقرر عقده في أذربيجان، و "COP 30" المقرر عقده في البرازيل.
لكن هناك جانب آخر من الأمر لفتت إليه مديرة البرنامج وهو عمل المجلس على تقليل الآثار البيئية الناتجة عن المشروعات التي ينفذها.
تقول "الأمير" "هناك مسؤولية اجتماعية تقع على عاتقنا، بتقليل البصمة الكربونية للمشروعات والخدمات التي نقدمها، إذ نواصل تنفيذ خطتنا لتقليل الانبعاثات الكربونية بفارق 33% مقارنة بعام 2017، كما تعهدنا بالوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2040.