على مساحة شاسعة من بلاد المغرب العربي، تمتد منطقة جبال الأطلس الكبير بطبيعتها الاستثنائية التي منحت سكانها حياة فريدة لا تشبه محيطها، بما تشمله من مزايا وتحديات.
رغم ذلك، قلصت التغيرات المناخية الخيارات أمام السكان، وبات عليهم إيجاد حلول لمواجهة تلك الآثار، أو الرحيل عن المنطقة التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين.
الجمعية المغربية للتنوع البيولوجي وسبل العيش انضمت، قبل سنوات، إلى قائمة المؤسسات التي تحاول دعم السكان المحليين بالمنطقة، وتحسين أوضاعهم بطريقة مستدامة لا تضر البيئة.
تحديات مناخية
الأكثر قراءة
قال الدكتور عبد الله أغراز المؤسس المشارك في الجمعية، خلال حديثه إلى "جرين بالعربي"، إن أهم التحديات المناخية التي تواجه منطقة جبال الأطلس، تتمثل في نقص الموارد المائية الذي وصل ذروته خلال توالي سنوات الجفاف؛ ما يؤثر على فرص العمل المتوفرة أمام السكان الذين يعتمدون على الزراعة وتربية الماشية؛ وذلك ما يدفعهم للهجرة إلى المدن.
وشارك "أغراز"، خلال عام 2014، في تأسيس الجمعية، بالتعاون مع عدد مع زملائه الباحثين في كلية العلوم السملالية بجامعة القاضي عياض بمدينة مراكش.
ويوضح "أغراز" أن البحث العلمي هو الأساس الذي تقوم عليه كافة أنشطة الجمعية، التي تنطلق منها كذلك جهود المحافظة على البيئة.
وتشمل المشروعات التي نفذتها الجمعية إنشاء بنوك البذور، والمشاتل التي تهدف إلى إنتاج النباتات المهددة بالانقراض، والنباتات الأصلية التي لا تنمو إلا في المغرب، علاوة على المحاصيل المدرة للدخل التي يجري تسويقها لاحقاً مثل نبات البردقوش، والحلحال.
ويشير "أغراز" إلى أن الجمعية عملت على مواجهة استخدام الأسمدة، والمبيدات الكيميائية؛ فمن خلال برنامج الزراعة الميدانية، قامت المؤسسة بتدريب المزارعين على ممارسات أكثر استدامة، مثل استخدام الأسمدة العضوية "الكومبوست"، واختيار النباتات التي لا تتطلب كميات كبيرة من المياه.
يشير المؤسس المشارك إلى أن المنتجات العضوية التي يجري إنتاجها من دون اللجوء إلى المواد الكيميائية، مرتفعة القيمة والسعر مقارنةً بالمنتجات الأخرى.
سوق منتجات الأطلس
إحدى العقبات التي تواجه سكان المنطقة لتسويق منتجاتهم باختلاف أنواعها هي أن كافة الجمعيات التعاونية التي يؤسسها السكان ترتكز في الجبال، وتبعد عن المناطق الحضرية، التي يحتاج الانتقال إليها تكلفة باهظة، وفقاً للمؤسس المشارك في الجمعية.
هناك سبب آخر يعيق تسويق المنتجات، وهو تناقص معدلات وجود الجليد في بعض المناطق، بالتزامن مع أزمة التغيرات المناخية، ومن ثم تراجع أعداد السياح القادمين إلى تلك المناطق لممارسة رياضة التزلج، الذين يقومون خلال رحلاتهم بشراء تلك المنتجات.
لهذا السبب أطلقت الجمعية سوق منتجات الأطلس الكبير الذي أُقيم منه عدة نسخ على مدى السنوات الماضية، في مدينة مراكش السياحية. وتتحمل الجمعية تكلفة نقل السكان وإقامتهم خلال تلك الفترة، حتى يتمكنوا من التسويق لمنتجاتهم، ومن بينها منتجات زيت الزيتون، والتشبيك مع زبائن دائمين لهم.
يقول "أغراز" إن الجمعية بدأت تعمل على هذا الاتجاه خلال جائحة فيروس كورونا، التي أدت إلى توقف التنقل بين المناطق، كما حدث في مختلف أنحاء العالم.
هناك جانب آخر عملت عليه الجمعية، وهو تدريب الجمعيات التعاونية في المنطقة على التسويق الإلكتروني، وعلى نشر مقاطع فيديو يروون فيها قصتهم.
تراث مستدام
جهود المؤسسة للمحافظة على البيئة لا تشمل مساعدة السكان على التطور فحسب، بل المساعدة كذلك على المحافظة على الممارسات التاريخية المستدامة.
في حديثه إلينا، يروي "أغراز" كيف يتحمل الرجال من كبار السن مسؤولية تطبيق تلك الممارسات، خاصةً في أوقات ندرة المياه؛ فهم من يتولون توزيعها على السكان، وعلى المناطق المزروعة بحيث يستفيد الجميع، علاوة على تحديد أوقات توقف الرعي في أوقات معينة من العام.
وتهتم الجمعية بتوثيق الممارسات الثقافية في المناطق التي تعمل بها، علاوة على عقد اجتماعات مع السكان المحليين، لتحديد إيجابيات وسلبيات كل ممارسة.
مبادرات نسائية
على الجانب الآخر، تقوم النساء بإطلاق العدد الأكبر من المبادرات؛ إذ أن 75% من الجمعيات التعاونية التي تعمل معها المؤسسة، جمعيات نسائية، بحسب "أغراز".
وشاركت الجمعية في إنشاء حديقة نباتية تمتد لآلاف الأمتار داخل إحدى المدارس الداخلية للفتيات في بلدة أوريكا، علاوةً على تدريب طالبات المدرسة على ممارسات الزراعة المستدامة، والمحافظة على النباتات، لينتهي الأمر بتحقيق الاكتفاء الذاتي للمدرسة من محاصيل الخضراوات والفواكه.