هل فشل ميت غالا في امتحان الاستدامة؟ أسوأ 5 إطلالات بيئية على السجادة الخضراء


مروة بدوي
الاحد 12 مايو 2024 | 10:28 مساءً
ميت غالا 2024
ميت غالا 2024

يعتبر ميت غالا أكبر حفل سنوي للموضة بالعالم، ومن الأحداث الاجتماعية الأبرز والأكثر تميزاً التي تتصدر عناوين الأخبار، وقد جاء موضوع حفل ميت غالا هذا العام مثيراً للاهتمام، حيث طُلب من النجوم ارتداء تصاميم مستوحاة من رواية "حديقة الزمن".

ومن العنوان كان من المتوقع أن تتحول ليلة ميت غالا إلى مهرجان لدعم الطبيعة والكائنات الحية، وجمال البيئة المهدد من قبل الأزمات المناخية والبشرية.. فما الذي حدث على السجادة الحمراء لـ"ميت غالا"، الحدث الأكثر شعبية في مجال الموضة؟

لماذا كل هذا الاهتمام بحفل "ميت غالا"؟

في البداية، دعونا نوضح لكم لماذا كل هذا الاهتمام بحفل أزياء، كان من الممكن أن يمر مرور الكرام.

"ميت غالا" هو حفل لجمع التبرعات لصالح معهد الأزياء في متحف "المتروبوليتان" للفنون في مدينة نيويورك، أُقيم للمرة الأولى عام 1948، مستهدفاً المجتمع الراقي وصناع الأزياء في نيويورك، ثم تطور الحفل خلال عقود ليصبح حدثاً عالمياً يستقطب جميع المشاهير، واتسعت قائمة الضيوف لتشمل النجوم على مستوى العالم من مختلف المجالات الفن والموضة والترفيه والأعمال والرياضة والسياسة.

وعلى مدى أكثر من 70 عاماً، تحول الحدث إلى ما يعرف بحفل "جوائز الأوسكار للأزياء"، حيث يجتمع فيه كل أطراف صناعة الموضة والجمال بالعالم، تحت قيادة آنا وينتور، رئيس تحرير مجلة فوغ وسيدة عالم الموضة، لذلك ما يعتمده هذا الحفل من إطلالات سنوية يتحول إلى صيحة غير قابلة للنقاش.

ميت غالا 2024

موضوع الحفل "Theme"

أهم ما يميز السجادة الحمراء لحفل "ميت غالا" هو أن جميع الحضور ملتزمون بموضوع محدد سنوياً، تختاره مجلة فوغ، الجهة المنظمة للحدث، ويتنافس المصممون لتقديم أجمل الإطلالات لدعم هذا الموضوع بشكل مبتكر وخارج عن المألوف.

وفي نسخة هذا العام، كان موضوع الحفل هو "Sleeping Beauties: Reawakening Fashion"، أو "الجميلات النائمات: إعادة إيقاظ الموضة"، حيث يحتفل المعهد بإعادة إحياء أزياء "الفينتاج" القديمة، وطُلب من المشاهير استلهام إطلالاتهم من قصة "Garden Of Time" التي صدرت عام 1962، وتحكي عن حديقة ورود سحرية، يهددها مجموعة من الغوغاء، وعند قطف الوردة الأخيرة من هذه الحديقة، يجب على أصحابها الاستعداد للهلاك.

تاريخياً، لقد تجاهل حفل "Met Gala" مفهوم الموضة المستدامة، وكان هذا من الأسباب التي أثارت استياء نشطاء المناخ، وتظاهروا أمام حفل العام الماضي، وفي ظل ما يشهده الكوكب من أزمات بيئية متتالية، بدى موضوع حفل هذا العام وكأنه فرصة لتصحيح المسار، واتخاذ نهج أكثر وعياً بالبيئة على السجادة الحمراء.

أسوأ 5 إطلالات "بيئية" على السجادة الخضراء

تماشياً مع موضوع العام، حديقة الزمن، جاءت السجادة الرئيسية لاستقبال المشاهير مزينة باللون الأخضر، لكن مع توالي الإطلالات بدأت التوقعات والآمال البيئية تتبخر.

وقفت المغنية كاميلا كابيلو أمام الكاميرات مع حقيبة يد، مصنوعة من الجليد الحقيقي، ومُزينة بوردة مجففة بداخلها، والتي خلال الحفل ذابت بالتدريج حتى انتهت هباءً، في لقطة أبدت خلالها "كابيلو" رد فعل ساخر من مدى برودة الحقيبة وسرعة ذوبانها، لكنها قد لا تعلم أن هذا الذوبان السريع بسبب الاحتباس الحراري الذي يعاني منه الكوكب نتيجة الأنشطة البشرية.

ميت غالا 2024

أما المغنية تيلا فقد ذهبت بعيداً، وارتدت فستاناً مصنوعاً بالكامل من الرمال، مع حقيبة يد على شكل ساعة رملية مملوءة بالرمال، كما وضعت الرمل على كتفيها ويديها، في تصميمٍ أكد المدير الإبداعي لدار "Balmain" ومصمم الفستان، أنه عمل عليه طويلاً للتأكد من إمكانية تغطية تيلا بالرمال، ولكن كم طن من الرمل الطبيعي تم استخدامه من أجل فستان يتم ارتداؤه مرة واحدة فقط؟

ميت غالا 2024

ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، فهناك الممثلة الكندية تايلور راسل، التي انتقت فستاناً مصمماً من الخشب مع أزهار خشبية لتزيين شعرها، وقالت مازحة في مقابلة تلفزيونية "لطالما أردت أن أكون شجرةً".

ومن كندا إلى الولايات المتحدة، ظهرت مغنية الراب الأمريكية دوجا كات، التي بللت فستانها بالكامل بالمياه، رغم أنها واحدة من أكثر موارد الطبيعة استنزافاً، حتى تطل بمظهر يشبه تماثيل الحدائق الرومانية.

ميت غالا 2024

من المثير للسخرية أن تفكر صناعة الموضة، وهي من أكثر الصناعات استهلاكاً للموارد على الكوكب، في الاحتفاء بالطبيعة، فتصنع الملابس والإكسسوارات من مواد طبيعية تماماً، وتستنفد أطناناً من الرمال وكتل الجليد وخشب الأشجار والماء، بجانب الهدر غير المبرر في الأقمشة المُستخدمة في صناعة فستان واحد، مثل الثوب الضخم للنجمة كاردي بي، الذي تطلب حاشية من 9 أشخاص لحمل الفستان المُحاك من حوالي 3000 متر من الأورجانزا الرقيقة المزينة بالريش الأسود.. كل هذا الإفراط من أجل التعبير عن اتساع الأرض الغنية بالتربة السوداء المستخدَمة لزراعة المحاصيل والزهور!

ميت غالا 2024

افترشت السجادة الخضراء بالتصاميم الجديدة المصنوعة خصيصاً لهذه المناسبة، والتي سيتم ارتداؤها مرة واحدة فقط ثم تصبح جزءاً من متحف الأزياء، وكلها مُطرزة بزخارف تحتفي بالطبيعة مثل الزهور والطيور، في حين أن مجرد إنتاج هذه الملابس يضر بشكل كبير بالبيئة التي يحتفلون بها، ويترك آثاراً لا يمكن محوها، فقطاع الموضة مسؤول عن أكثر من 8% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، بينما اُعتبر قطاع النسيج ثالث أكبر مصدر لتدهور المياه واستخدام الأراضي عام 2020.

كما امتلأت السجادة الخضراء بالكثير من الفساتين التي اعتمدت على واحدة من أكثر المواد الضارة على صحة الكوكب، وهي الترتر الملون واللامع، المصنوع من مواد بلاستيكية غير قابلة للتحلل، وقد يستمر في النفايات لبضعة قرون حتى يتحلل.

وحملت اختيارات وتعليقات المشاهير رسائل ضمنية لا تعكس أبداً روح الموضة المستدامة والحفاظ على البيئة، حيث اختارت عارضة الأزياء الأمريكية أميليا جراي، أن تطل بأحد فساتين دار "Undercover" من مجموعة ربيع 2024، وهي المجموعة ذاتها التي استخدم فيها المصمم "جون تاكاهاشي" فراشات حية ترفرف حول الورود الاصطناعية وهي محبوسة داخل فستان شفاف، وتعرض على إثرها للانتقاد الشديد من جمعيات الحيوان، واضطر للاعتذار عن استغلال الكائنات الحية بهذا الشكل.

وتحدثت النجمات عن جمال المجوهرات المصنوعة من الألماس والمعادن الثمينة، وتناسوا تماماً أضرار صناعة التعدين البيئية والأخلاقية، التي تستهلك موارد البيئة وتضغط على المجتمعات الأصلية، بجانب ظروف العمل غير الآمنة لعمال المناجم.

ميت غالا 2024

رسائل إيجابية على السجادة الخضراء

ومع ذلك، لا يمكن أن ننكر وجود عدد قليل من أبطال الموضة المستدامة على السجادة الخضراء للحفل، منهم النجمة أماندا سيفريد التي قالت -قبل الحفل- إنها تشعر بالذنب كل يوم بشأن أزمة المناخ، وارتدت فستاناً مزيناً بالزهور مصنوعاً من قماش أعيد استخدامه من مجموعة برادا لربيع 2009.

وفاتنة التسعينات ديمي مور التي تألقت بإطلالة خارجة عن المألوف، لكنها وضعت البيئة في قلب هذا التصميم المصنوع من ورق حائط عتيق مُعاد تدويره.

وربما كان فستان المغنية البريطانية شارلي إكس سي إكس، هو الإطلالة الأكثر استدامة في تلك الليلة، حيث صُمم بشكل جميل وكامل من قمصان عتيقة متهالكة تعود إلى سنوات الخمسينيات والستينيات، تم حياكتها معاً، وزينت بالخرز الزجاجي المُعاد تدويره.

ميت غالا 2024

هل يمكن أن يكون حفل ميت غالا مستداماً؟

كان من المفترض أن يكون موضوع هذا العام -"حديقة الزمن"- فرصة مثالية لتبني الموضة المستدامة ودورها في حماية الطبيعة، وتوجيه رسالة قوية من الأشخاص الأكثر نفوذاً في عالم الموضة، لتسليط الضوء على تأثير صناعة الأزياء في أزمة المناخ، لكن للأسف لم يحدث ذلك، فقد تعامل معظم الضيوف من المشاهير والمصممين مع الحفل كالمعتاد، وأعطوا أهمية أكبر للمظهر على حساب تأثير الموضة على الكوكب.

كنا نتمنى أن ينظر عالم الموضة إلى موضوع الحفل بشكل أعمق، باعتباره دعوة إلى العمل من أجل البيئة وليس مجرد فكرة رمزية، لكن من الواضح أن معظم الحاضرين غضوا الطرف عن القضايا التي ابتليت بها الأرض مع التدهور البيئي، وبدلاً من ذلك زينوا أنفسهم بالأزهار والطيور.

لكن رغم ذلك، مازال هذا الحفل -الذي يتمتع بشعبية كبيرة- يقدم مساحة لبعض المشاهير للإدلاء ببيانات تتجاوز الموضة، وتقديم تصاميم لديها القدرة على تعزيز القضايا البيئية والمجتمعية، منهم مصممة الأزياء المعروفة ستيلا مكارتني، والتي تضع الاستدامة دائماً في جوهر علامتها التجارية، وتدعو إلى تفكيك الملابس وإعادة استخدامها كواحدة من الطرق لتحسين استدامة الصناعة، وهناك السوبر موديل كارا ديليفين التي اعتمدت في الحفل مجوهرات مستدامة من الألماس المزروع مخبرياً دون انبعاثات كربونية.

وأخيراً، يبقى عالم الموضة قوة ثقافية تسمح لنا بالتعبير عن الذات من خلال الأزياء، لكن علينا أن نتطلع الى مستقبل أكثر استدامة، يقف أمام الطوفان المستمر من السلع الاستهلاكية، خاصةً في عصر الموضة السريعة، لذلك سنظل نتابع حفل "ميت غالا" سنوياً، على أمل أن تنمو "بذور" الأزياء المستدامة وروح الموضة البطيئة، التي تم بذرها في حفل هذا العام، حتى يأتي يوم ويتبنى "ميت غالا" فكرة التغيير وينتصر للقيم البيئية، حتى ولو على حساب المعايير الجمالية والشكلية.