صحارٍ تتحول إلى أنهار، ومركبات تحاصرها المياه على طرق سريعة.. مشاهد فاجأتنا خلال الأيام القليلة الماضية في منطقة الخليج، بعدما اجتاحت فيضانات عارمة عدة دول لتطلق جرس إنذار جديداً بشأن أخطار التغير المناخي.
في المنطقة العربية المُصنفة ضمن أكثر مناطق العالم معاناةً من ندرة المياه، يبدو الموت غرقاً تحت مياه الأمطار احتمالاً مستبعداً، لكن ظاهرة الاحتباس الحراري، وما نتج عنها من اضطرابات في البيئة التي نعيش فيها تزيد احتمالية ذلك الخطر.
في مطلع 2024، نشرت عدة منظمات أممية، من بينها المنظمة الدولية للهجرة، تقريراً أشارت فيه إلى 58% من نسبة سكان العالم العربي الذين اضطروا إلى النزوح خلال الفترة بين عامي 2010 إلى 2019، أجبروا على هذا القرار بسبب الفيضانات.
فيضانات ومضية
الأكثر قراءة
ارتفاع درجة الحرارة يؤدي إلى معدلات البخر، وانتقال الرطوبة من المسطحات المائية إلى الغلاف الجوي؛ ما يزيد خطر الفيضانات الومضية، التي تحدث من جراء تساقط كميات غزيرة من الأمطار خلال فترة قصيرة، لكنها كافية لتهديد سلامة البشر.
بدرجات متفاوتة، تواجه مختلف مناطق العالم العربي تحت خطر الفيضانات الناتجة عن الأمطار، التي قد تأتي بعد فترات طويلة من الجفاف، وهو ما أثبتته العديد من الدراسات والإحصائيات.
الموجة التي اجتاحت الإمارات وتسببت في هطول كميات من الأمطار خلال 24 ساعة كميات أمطار تعادل ما يسقط عليها خلال عامين، لم تكن الأولى من نوعها.
في صيف عام 2022، فارق 7 أشخاص الحياة، بعدما ضربت العواصف المطيرة شمال الإمارات في موجة "قياسية"، بحسب وصف دراسة أجراها فريق بحثي، ونشرتها دورية "Journal of Arid Environments".
وتوقع باحثو المركز الوطني للأرصاد الإماراتي، في دراسة نشرتها دورية "Nature"، زيادة المعدل السنوي للأمطار في الدولة العربية بفارق يصل إلى 30%، وهو احتمال متوقع حدوثه على المدى المتوسط بداية من عام 2051.
في الإمارات العربية المتحدة، توقعت دراسة أجراها باحثو المركز الوطني للأرصاد في الإمارات، ونشرتها دورية "نيتشر" أن يزيد معدل تساقط الأمطار السنوي سيرتفع بمعدل يصل إلى 30% في المستقبل المتوسط الذي يتراوح بين عامي 2051.
فيضانات الإمارات- مصدر الصورة: AFP
إذا ما انتقلنا إلى المملكة العربية السعودية، فإن الإحصائيات الرسمية تشير إلى وصول معدلات تساقط الأمطار إلى مستويات قياسية.
بحسب بيانات وزارة المياه والبيئة والزراعة السعودية، بلغت مستويات الأمطار التي هطلت على أراضي المملكة خلال عام 2023 أكثر من 105 ملم، وهو مستوى قياسي مقارنة بمتوسط الأربعين عاماً السابقة، الذي اقتصر على 103 ملم فحسب.
ويرجح العلماء وجود علاقة بين ارتفاع درجات الحرارة التي تزيد معدلات البخر، وبين معدلات وقوع السيول في المملكة التي شهدت ارتفاع متوسط درجة الحرارة بنحو 1.5 مئوية في الفترة بين عامي 1901 و2021، وفقاً لدراسة نشرتها دورية "Water".
المستقبل كذلك قد يحمل المزيد من تلك الموجات؛ إذ توقعت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" زيادة عدد الأمطار الغزيرة في بعض مناطق شرق ووسط المملكة، خلال الفترة بين عامي 2041 و2060، على أن تصل عدد موجات الأمطار المتطرفة إلى ما يصل إلى 3 أو 4 مرات سنوياً خلال الفترة نفسها.
إذا ما انتقلنا غرباً نحو مصر، فسنجد أن الفيضانات مثلت ما يزيد عن 45% من الأحداث الخطرة التي شهدتها خلال الفترة بين عامي 1990 و2014، في الوقت الذي خسر فيه الاقتصاد المصري ما يزيد عن مليار دولار أمريكي سنوياً خلال عامي 1980 و2010.
الدراسة التي نشرتها دورية "Progress in Disaster Science" أدرجت الفيضانات الومضية ضمن أنواع الكوارث التي تهدد مصر.
وتشمل المناطق المعرضة لتلك الموجات، مناطق شبه جزيرة سيناء، وساحل البحر الأحمر، والساحل الشمالي الذي يضم مدينة الإسكندرية الموضوعة على قائمة المدن المهددة بغرق مساحات واسعة منها بحلول عام 2050 بفعل التغير المناخي.
وقدرت دراسة أخرى نشرتها دورية Atmospheric Research، زيادة معدلات هطول الأمطار المتطرفة على الساحل الشمالي المصري بفارق يصل إلى 14% إذا ما وصل متوسط زيادة درجات حرارة الأرض إلى درجتين، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة.
أعاصير "المتوسط"
الوقائع التي شهدها الساحل الشمالي المصري، على مدى سنوات طويلة، لم تكن سوى قطرة في بحر الأهوال التي خلَّفها إعصار دانيال الذي اجتاح ليبيا العام الماضي، ومحت السيول المصاحبة له أحياء كاملة، وانتهت بمقتل الآلاف من السكان، وتشريد عشرات الآلاف من الآخرين.
إعصار ليبيا- مصدر الصورة: رويترز
في تحليل أجراه فريق دولي من الباحثين التابعين لمبادرة "World Weather Attribution"، أشار الفريق إلى أن التغير المناخي هو ما زاد من احتمالية وقوع كارثة ليبيا وما يشابهها، بما يصل إلى فارق 50 مرة.
لكن ليبيا ليست الوحيدة المهددة، بل جاراتها كذلك المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط؛ إذ أشار التقرير السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "IPCC" إلى تزايد حدة الأعاصير التي تضرب المنطقة، رغم تراجع عددها، بالتزامن مع زيادة كميات الأمطار التي تحملها بفعل التغير المناخي.
على مدى الأربعين عاماً الماضية، ارتفعت درجة حرارة البحر المتوسط بمعدل درجتين مئويتين، ووصلت إلى معدلات قياسية خلال صيف عام 2023، وفقاً لمركز بحوث البيئة "CEAM" الإسباني المعني.
الأخطار تمتد إلى الدول العربية الواقعة في القرن الإفريقي، ومن بينها "جيبوتي" التي يحدها من الشرق البحر الأحمر، والتي تتعرض لموجات متطرفة من الأمطار بوتيرة غير متجانسة على مدار العام لكنها تشتد في الفترة بين شهري مارس وسبتمبر.
وفي ديسمبر عام 2023، لفت مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "OCHA" إلى أن الأمطار الغزيرة والفيضانات التي اجتاحت منطقة القرن الإفريقي خلال العام الماضي بفعل ظاهرة "النينو"، أدت إلى تضرر ما يزيد عن 5 ملايين شخص في عدد من البلدان، من بينها السودان والصومال.
وتحدث ظاهرة "النينو" التي بدأت في المحيط الهادئ عام 2023، عندما تنتقل المياه ذات درجات الحرارة الأعلى إلى السطح، فتصل كميات أكبر من الحرارة إلى الغلاف الجوي.