الدعاوى المناخية.. أداة قضائية لإجبار الحكومات والشركات على تقليل الانبعاثات


مروة بدوي
الثلاثاء 23 ابريل 2024 | 04:36 مساءً

لمواجهة السياسات أو القرارات العاجزة عن مواجهة تغير المناخ، كثَّف نُشطاء المناخ جهودهم مؤخراً لاستغلال الأطر القانونية المحلية والدولية لتحقيق العدالة وحماية البيئة والأفراد.

ومؤخراً، رفع 6 شباب من البرتغال دعوى قضائية في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ضد 32 حكومة؛ لاتهامها بالفشل في تقليل انبعاثات غازات الدفيئة، وهو ما يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان.

وشهد هؤلاء الشباب موجة ارتفاع درجات الحرارة الشديدة وحرائق الغابات، التي اجتاحت بلادهم عام 2017، وأودت بحياة أكثر من 100 شخص، وأضرمت النيران في عشرات آلاف الهكتارات؛ ما أثر على حياتهم، وجعلهم يشعرون بالقلق والخوف ويعانون من أمراض الجهاز التنفسي.

وأكد أصحاب الدعوى القضائية أن هذه الحرائق نتيجة مباشرة لظاهرة الاحتباس الحراري، التي باتت تؤثر على ظروفهم المعيشية وصحتهم وحقوقهم الإنسانية – بما في ذلك "الحق في الحياة" و"الحق في احترام الحياة الخاصة" – التي تعرضت للانتهاك بسبب إحجام الحكومات عن مكافحة تغير المناخ.

وتكتسب هذه القضية حيثية خاصة؛ لكونها الأولى من نوعها التي تُرفَع أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، كما تعد سابقة قضائية لتعزيز مكافحة تغير المناخ.

ومن المرجح أن يلزم حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الحكومات الـ32 – بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي الـ27، إضافة إلى روسيا وتركيا وسويسرا والنرويج والمملكة المتحدة – بزيادة إجراءاتها المناخية عن طريق الحد من انبعاثات غازات الدفيئة.

ومن شأن هذا الحكم أيضاً أن يؤثر على قرارات المحاكم المحلية التي كانت تسعى للحصول على إرشادات من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشأن القضايا المتعلقة بتغير المناخ، ومن المتوقع صدور الحكم خلال تسعة أشهر إلى 18 شهراً.

في 2023، تمكن 16 شاباً وشابة في ولاية مونتانا الأمريكية من تحقيق انتصار؛ إذ رفعوا دعوى قضائية ضد الولاية؛ لاتهامها بانتهاك حقهم الدستوري في الحصول على بيئة صحية، من خلال السماح بتطوير الوقود الأحفوري الذي يضر البيئة ويؤثر على الصحة العقلية والجسدية.

أشهر القضايا

ووفق تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تضاعفت الدعاوى القضائية المتعلقة بالمناخ خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتحوَّلت إلى أداة رئيسية لتحقيق العدالة، وجزء لا يتجزأ من تأمين العمل المناخي.

وفي عام 2015، أصدرت محكمة في هولندا قراراً تاريخياً يقضي بضرورة أن تحمي حكومة هولندا مواطنيها من التغير المناخي، وأن تعمل على خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 25% قبل حلول عام 2020؛ وذلك في دعوى قضائية أقامها 900 مواطن هولندي ضد حكومة بلادهم؛ لأنها لم تبذل الجهد الكافي لتقليل الانبعاثات.

كما قررت المحكمة آنذاك أن خطة الحكومة التي كانت تهدف إلى خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة تتراوح بين 14 و17% تُعَد غير قانونية، وأمرت بزيادة النسبة لتصل إلى 25%؛ نظراً إلى التغيرات المناخية. ونتيجةَ هذا الحكم، اضطرت الحكومة إلى تقديم خطة مناخية جديدة عام ٢٠١٩ تتفق مع الحكم القضائي.

وفي 2023، تمكن 16 شاباً وشابة في ولاية مونتانا الأمريكية من تحقيق انتصار؛ إذ رفعوا دعوى قضائية ضد الولاية؛ لاتهامها بانتهاك حقهم الدستوري في الحصول على بيئة صحية، من خلال السماح بتطوير الوقود الأحفوري الذي يضر البيئة ويؤثر على الصحة العقلية والجسدية.

وأقرَّت المحكمة بقبول الدعوى القضائية استناداً إلى الدستور الذي ينص على واجب الولاية والأفراد في الحفاظ على البيئة من أجل الأجيال القادمة.

وبجانب القضايا المرفوعة ضد الحكومات، يزداد عدد الدعاوى القضائية ضد الشركات أيضاً، ومنها دعوى بإلزام شركة النفط العملاقة "رويال داتش شل" بخفض انبعاثاتها، والامتثال لاتفاق باريس للمناخ.

وعملاً بالمبدأ نفسه، رفعت جمعيات البيئة الألمانية دعاوى ضد شركات صناعة السيارات "بي إم دبليو" و"مرسيدس-بنز" و"فولكسفاغن"؛ لإجبارها على التخلص من محركات الاحتراق والتحول إلى شركات محايدة الكربون.

التقاضي المناخي

ويوجد حالياً أكثر من 2000 قضية مرفوعة ضد الدول والحكومات والشركات؛ إذ ذكر تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة الصادر عام 2023، أن السياسات المناخية متأخرة جداً عما هو مطلوب لإبقاء درجة الحرارة العالمية أقل من 1.5 درجة مئوية.

ومع تواتر الظواهر الجوية المتطرفة، يلجأ الناس بشكل متزايد إلى المحاكم لمكافحة أزمة المناخ، ومحاسبة الحكومات والقطاع الخاص، وجعل التقاضي آلية رئيسية لتأمين العمل المناخي وتعزيز العدالة المناخية.

ويشير التقرير الأممي إلى أن التقاضي المناخي فرصة لسماع أصوات الفئات الضعيفة على مستوى العالم؛ حيث تم رفع 34 قضية من قِبل أطفال وشباب دون سن 25 عاماً، بما في ذلك فتيات لا تتجاوز أعمارهن سبع أو تسع سنوات في باكستان والهند، بينما تُلقي القضايا السويسرية الضوء على التأثير غير المتناسب لتغير المناخ على كبار السن.

كما كشفت هذه القضايا عن الروابط القوية بين حقوق الإنسان وتغير المناخ، والحاجة إلى توفير قدر أكبر من الحماية للفئات الأكثر ضعفاً بالمجتمع، وزيادة المساءلة والشفافية والعدالة؛ ما يجبر الحكومات والشركات على متابعة أهداف أكثر طموحاً للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها.

اجراءات التقاضي والدعاوى المناخية في العالم العربي

يذكر تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة الصادر عام 2023؛ أن العديد من القضايا المناخية تُرفَع في الولايات المتحدة، لكنه نوه إلى أن التقاضي

المناخي يتجذر حاليا في جميع أنحاء العالم مع وجود 17% من تلك القضايا داخل البلدان النامية والدول الجزرية الصغيرة، مما ينبئ بانتشار هذه الآلية عالميا وداخل المنطقة العربية، فما هي إجراءات التقاضي المناخي بشكل عام ؟ وفعالية تطبيقها لتحقيق العدالة وحماية البيئة والأفراد؟ وما هي المحاكم العربية المختصة بمثل هذه القضايا؟

وجهت " جرين بالعربي" هذه التساؤلات الى الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي، الذي أكد أن الدعاوى المناخية تُعد أداة قضائية فاعلة للمحاسبة عن تلويث البيئة وحماية صحة الأفراد، موضحا في تصريحات خاصة لمنصة "جرين بالعربي" أن هذه الدعاوى تستند لمبادئ المسؤولية المدنية والجنائية، حيث يطالب المدعون بتعويضات مالية أو إصدار أحكام قضائية تلزم المتهمين باتخاذ إجراءات لخفض الانبعاثات.

وحول إجراءات التقاضي المناخي، أوضح مهران انها تبدأ بتقديم دعوى قضائية أمام المحكمة المختصة، سواء كانت محكمة محلية أو إقليمية أو دولية، ضد جهة معينة كالدولة أو الشركات متهمين إياها بالمساهمة في تغيّر المناخ، ثم يلي ذلك تقديم الأدلة والبراهين العلمية التي تدعم ادعاءات المدعين بوجود علاقة سببية ما بين أفعال الجهة المدعى عليها وبين الأضرار الناجمة عن تغير المناخ.

ضرب مهران مثالا بإلزام شركة "رويال داتش شل" العملاقة للنفط بتقليل انبعاثاتها بنسبة 45% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 1990 ودفع تعويضات للمجتمعات المتضررة

وبعدها تنظر المحكمة في الدعوى والأدلة المقدمة وتصدر حكمها، إما برفض الدعوى أو قبولها وإلزام الجهة المدعى عليها بتعويضات مادية أو اتخاذ إجراءات لخفض الانبعاثات، وبهذه الآلية تسعى الدعاوى المناخية لتحقيق العدالة ومساءلة الملوثين وحماية البيئة من خلال القضاء.

وتابع أستاذ القانون الدولي أن التقاضي المناخي يساهم في لفت الانتباه العالمي لخطورة أزمة المناخ وأضرارها على البيئة وصحة الإنسان، ويجبر العديد من الحكومات والشركات على تعديل سياساتها واعتماد خطط لخفض الانبعاثات تحت طائلة المساءلة القانونية، فضلا عن المساهمة في زيادة الوعي المجتمعي، وتعزيز المطالبة بالمساءلة عن الجرائم المناخية محليًا ودوليًا.

بالإضافة إلي تحقيق انتصارات قضائية مهمة، وضرب مهران مثالا بإلزام شركة "رويال داتش شل" العملاقة للنفط بتقليل انبعاثاتها بنسبة 45% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 1990 ودفع تعويضات للمجتمعات المتضررة.

وأشار الخبير الدولي محمد محمود مهران الى زيادة السوابق القضائية في هذا الشأن خلال الأعوام الماضية، حيث يوجد العديد من الدعاوى المناخية التي رفعت ضد حكومات ودول بسبب ارتفاع عدد النزاعات المتعلقة بالمناخ من حيث التكرار والحجم، موضحا أنه تم التقدم بتلك الدعاوى القضائية في أكثر من 65 هيئة حول العالم بما في ذلك المحاكم الدولية والإقليمية والوطنية، والمحاكم المحلية، والمحاكم العليا، والهيئات شبه القضائية والمحاكم الأخرى، بما في ذلك الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة ومحاكم التحكيم.

واستطرد مهران أنه يوجد أيضا عدة حالات لدعاوى مناخية رفعتها دول ضد شركات أو دول أخرى، منها الدعوى القضائية المقامة من جمهورية فانواتو عام 2019، دولة جزيرة تقع في جنوب المحيط الهادئ، ضد شركات الطاقة الأحفورية في محكمة نيويورك، متهمةً إياها بتغير المناخ ودورها في ارتفاع مستوى سطح البحر مما يهدد وجود الجزر.

واعتبر الخبير الدولي أن هذه الحالات تؤكد أهمية اللجوء للآليات القانونية الدولية لمساءلة الدول والمؤسسات عن سياساتها البيئية الضارة، وإلزامها باتخاذ تدابير للتخفيف من حدة التغير المناخي، مؤكدًا أن مثل هذه الدعاوى الرائدة ستشجع على اعتماد التقاضي المناخي لتحقيق العدالة البيئية بالمستقبل.

وفيما يتعلق بالمحاكم المختصة بمثل هذه القضايا، ذكر أستاذ القانون الدولي أنه يمكن للمدعين في القضايا المناخية اللجوء إلى المحاكم الوطنية أو الإقليمية أو الدولية حسب الحالة، مشيرً إلى اختصاص المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي قبلت العديد من الشكاوى المناخية ضد الدول الأوروبية، استنادًا لانتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن آثار تغيّر المناخ.

بالإضافة إلي المحكمة الجنائية الدولية التي يمكنها التحقيق ومقاضاة المسؤولين عن أخطر الجرائم البيئية، بما فيها تلك المتعلقة بتدمير البيئة والتسبب في كوارث إنسانية نتيجة تغير المناخ، والتي تندرج تحت الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي تنطوي على تدمير البيئة.

كما تختص أيضًا محكمة العدل الدولية بالفصل في المنازعات بين الدول، وقد شهدت بعض القضايا المتعلقة بالآثار العابرة للحدود لظاهرة الاحتباس الحراري، ونوه مهران إلى توصيات وجهود الباحثين لإنشاء محكمة مناخ دولية متخصصة للفصل في مثل هذه القضايا البيئية على وجه التحديد.

وطرحت "جرين بالعربي" هذا التساؤل: هل شهدت المحاكم العربية أي دعوى قضائية ضد الحكومات أو الشركات، متعلقة بافساد المناخ والبيئة مما يؤثر على الصحة العقلية والجسدية للمواطنين وبالتالي يتعارض مع حقوق الإنسان؟ وأجاب مهران أنه هناك بعض الدعاوى ذات الصلة شهدتها المحاكم العربية، مثل قضية تلوث نهر الليطاني في لبنان، ودعوى أخرى في مصر بشأن انبعاثات ضارة من أحد المصانع، متوقعًا زيادة هذه القضايا مستقبلًا لمواجهة تحديات تغير المناخ.

المحاكم الوطنية

وفي نهاية حديثه، يرى الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي، أن المحاكم الوطنية داخل كل دولة هي الأنسب لتمتعها بالولاية القضائية المباشرة على الجهات الحكومية والشركات العاملة ضمن حدودها الإقليمية، غير أنها الأقدر على تنفيذ الأحكام التي تصدر مقارنة بالمحاكم الدولية، داعيا إلى تفعيل دور القضاء الوطني في البلدان العربية لنظر الدعاوى المناخية، إلى جانب سن تشريعات بيئية صارمة تؤسس لمبدأ المساءلة عن الجرائم ضد البيئة.

وأخيراً، يتوقع تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة ارتفاعاً في عدد القضايا التي تتناول الهجرة المناخية، والقضايا التي ترفعها الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية المتأثرة بتغيرات مناخية، والدعاوى التي تُرفَع عقب الأحداث المناخية المتطرفة لتحديد المسؤوليات، مما يؤكد أن التقاضي المناخي أثبت فاعليته كأداة للضغط من أجل سياسات بيئية أكثر عدالة ومواجهة تحدي تغيّر المناخ بالمستقبل