من ليبيا إلى الخليج.. هل فشلت نماذج الطقس في توقع الفيضانات العربية؟


سلمى عرفة
السبت 20 ابريل 2024 | 10:36 مساءً
فيضانات الإمارات- مصدر الصورة: AP
فيضانات الإمارات- مصدر الصورة: AP

مشاهد غير اعتيادية عاشتها منطقة الخليج العربي مؤخراً، إثر الفيضانات والعواصف التي اجتاحت مساحات واسعة من الإمارات وسلطنة عمان، بفعل فيضانات منخفضي "الهدير" و"المطير"، والتي أغرقت الطرق والوديان، وأدت إلى اضطرابات في حركة الطيران، والعمل، والدراسة.

السلطات الإماراتية وصفت ما تعرضت له بـ "حدث استثنائي يُسجَل في تاريخها المناخي"، وأ كميات الأمطار التي هطلت عليها هي الأكبر خلال ما يزيد عن 7 عقود، بحسب الصفحة الرسمية للمركز الوطني للأرصاد الإماراتي.

أما سلطنة عمان فامتدت الآثار بها لتشمل وفاة ما يزيد عن 20 شخصاً، بعدما حاصرت المياه العديد داخل مركباتهم.

رغم التحذيرات التي أطلقها خبراء الطقس قبل وقوع الموجة المتطرفة الأخيرة، إلا أن ما حدث أثار تساؤلات حول قدرة العالم على التنبؤ بحجم آثار الظواهر الجوية المختلفة، وليس مجرد توقع حدوثها فحسب، تزامناً مع تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.

أعاصير وليست منخفضات

في حديثه إلى "جرين بالعربي"، قال الدكتور أحمد الملاعبة مدير مركز الدراسات البيئية في الجامعة الهاشمية بالأردن إن نماذج الطقس لم تتنبأ بدقة بما حدث في منطقة الخليج العربي، واصفاً ما حدث بـ"الأعاصير"، وليست منخفضات، لأن سرعة الرياح تجاوزت 115 كم في الساعة.

ويعتمد العلماء في توقعاتهم بشأن الطقس أو المناخ على نماذج تشمل برامج حاسوبية تعمل على تحليل كم كبير من البيانات والمعادلات، لتوقع ما سيحدث خلال فترات تتراوح بين ساعات قليلة إلى مئات السنين.

فيضانات الإمارات- مصدر الصورة: رويترزفيضانات الإمارات- مصدر الصورة: رويترز

دقة منقوصة

يرى "الملاعبة" أنه لا يمكن التنبؤ بكل الظواهر المناخية بالدرجة نفسها من الدقة، لأنه لا يمكننا تزويد تلك النماذج ببيانات على درجة عالية من الدقة، في ظل ما أسماه بـ"صراع الغازات الدفيئة" في العالم.

وفقاً لرأي الخبير الأردني، تكرر هذا الأمر كذلك خلال إعصار دانيال الذي اجتاح ليبيا خلال وإعصار إلياس الذي ضرب اليونان خلال العام الماضي، واصفاً ما يحدث في العالم حالياً، ومن ضمنه العالم العربي، بـ"الفوضى المناخية".

"الملاعبة" اقترح زيادة عدد الأقمار الصناعية الموجهة لأغراض مناخية، وزيادة عدد مراكز الأزمات المناخية، وتوفير تقنيات على درجة عالية من التقدم حتى تكون مدخلات البيانات كافية، وترتفع درجة دقتها، حتى ولو لم تصل إلى 100%.

كما أشار إلى التجربة الماليزية في التعامل مع الفيضانات التي كانت تجتاح العاصمة كوالالمبور، وكان يصل عدد ضحاياها إلى 100 ألف شخص سنوياً، واستعانت السلطات بآلات الحفر الضخمة، لإقامة نفق بين اثنين من الأنهار لجمع المياه، حتى تراجعت الخسائر البشرية.

وأضاف أن المملكة العربية السعودية تستخدم مثل هذه التقنيات في إمارة مكة المكرمة، والتي يمكن استخدامها في الأوقات العادية لتخفيف أزمة زحام السيارات.

أمواج كاذبة

لكن هناك جانب آخر من الأمر، وهو الأخطاء التي قد تقع بها نماذج الطقس، لتحذرنا من خطر وهمي لن يحدث، لكنه يكفي لقلب حياة من يتعرضون لها رأساً على عقب.

قبل أيام قليلة من الفيضانات التي اجتاحت الخليج العربي، تفاجأ سكان جنوب أفريقيا من مستخدمي أحد تطبيقات الأرصاد الجوية، بظهور أمواج عاتية يصل ارتفاعها إلى ما يقرب من 25 متراً، قرابة ساحل بلادهم.

الأمواج التي امتدت مساحتها إلى ألفي ميل، ما يعادل مساحة ولاية تكساس الأمريكية، ظهرت على التطبيق لمدة 24 ساعة كاملة، قبل أن يتبين أن الأمر مجرد خطأ في البيانات التي اعتمدت عليها.

البيان الرسمي للتطبيق التابع لشركة تشيكية ألقى باللوم على خطأ البيانات التي حصل عليها من هيئة الأرصاد الألمانية "DWD"، والتي تداركت الخطأ لاحقاً، لكن بعدما سادت حالة من الذعر على وسائل التواصل الاجتماعي.

لم يكن ذلك الخطأ الوحيد الذي شهده العام الجاري، ففي فبراير 2024 أعلنت سلطات مدينة بوسطن الأمريكية إغلاق المدارس مؤقتاً تجنباً لثلوج متوقعة، لكن على العكس، تفاجأ الجميع بطقس هاديْ.

في حديثه إلى "جرين بالعربي"، يشير ريتشارد آلان أستاذ العلوم المناخية في جامعة ريدينغ بالمملكة المتحدة إلى أنه رغم زيادة دقة التوقعات الجوية على مدى الزمن، لكن الطبيعة المعقدة، والفوضوية لحالة الأجواء، ستُبقي تلك التوقعات غير مثالية.

ويتابع مؤكداً: "علينا تقييم تلك النماذج باستمرار، والعمل على تحسينها، وأن يدرك المستخدمون مدى جودة المصدر الذي يعتمدون عليه".

أستاذ العلوم المناخية يرى أنه من المرجح أن تساهم عمليات تحسين عمليات الرصد، ونظم المحاكاة التي تعتمد عليها التوقعات في تقليل الأخطاء التي قد تتزايد بالتزامن مع تغير الطقس الذي نعيشه في المستقبل.

وعن التوقع بالتغيرات الجوية على المدى الطويل، يشير "آلان" إلى أنه رغم حالة عدم اليقين السائدة بشأن كيفية تغير المناخ نتيجة لاستمرار انبعاثات غازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، واستمرار عمليات إزالة الغابات، إلا أن تلك النماذج توفر مسارات "مقبولة" نحو المستقبل، التي تسمح بالتكيف مع تغيرات خصائص الطقس.

كما أضاف أستاذ العلوم المناخية أن الميزة في استخدام الذكاء الاصطناعي هي السرعة الشديدة في تزويدنا بالتوقعات، مقارنة بأنظمة النماذج التقليدية، لكنها تحتاج إلى التدريب على كميات ضخمة من البيانات التي تنتجها تلك الأنظمة القائمة على علم الفيزياء.