تشكل قطعة اللحم مع الأرز، رغم اختلاف النكهات والمقبلات والإضافات، المكون الأساسي الأشهر لمجموعة متنوعة من الوجبات حول العالم، ولا تخلو مائدة في العالم العربي من الأرز أو اللحم، سواء كانا ضمن الطبق الرئيسي أو الجانبي.
يقدم هذان العنصران للإنسان أغلب احتياجاته الغذائية؛ حيث تمد حبات الأرز الجسم بالطاقة والألياف الغذائية، وتوفر 20% من السعرات الحرارية اليومية لنحو نصف سكان العالم، وفقاً لمؤشرات منظمة العمل ضد الجوع العالمية. أما اللحوم الحمراء فتعد مصدراً أساسياً للبروتين، وتحتوي على مجموعة من العناصر الغذائية وتشكل الدهون نسبة كبيرة جداً منها.
من الناحية البيئية، هما من أكبر المساهمين في إحداث التغير المناخي، بسبب انبعاثات غاز الميثان الناتجة عن القطاعين. ووفقاً لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، تنتج الثروة الحيوانية نحو 32% من انبعاثات غاز الميثان التي يسببها النشاط البشري، بينما تعد زراعة الأرز مسئولة عن 10٪ من انبعاثات غاز الميثان العالمية، بجانب استهلاك الموارد من أراضٍ وماء، وليس دليلاً على ذلك أكثر من أن زراعة الأرز تستهلك نحو 40% من مياه الري حول العالم.
طبق "أرز ولحم" مستدام دون أضرار مناخية
مؤخراً، نجح علماء من كوريا الجنوبية في إنتاج نوع جديد من الأغذية الهجينة المستدامة، يتكون من العضلات البقرية وخلايا الدهون المزروعة في حبات الأرز، والنتيجة هي الحصول على أرز وردي، يمثل بديلاً أرخص وأكثر استدامة من الناحية البيئية للحوم ويترك بصمة كربونية أقل.
وصرحت بارك سو هيون إحدى المشاركين في الدراسة، بأنه من خلال زراعة الخلايا الحيوانية في حبوب الأرز، يستطيع الإنسان الحصول على جميع العناصر الغذائية من الأرز البروتيني المزروع في المختبر؛ لأنه يحتوي على مستوى عالٍ من المغذيات، كما أن تعزيزه بخلايا أكثر من الماشية يمكن أن يزيد من قيمته الغذائية
وشهد مختبر جامعة يونسي في سيول زراعة حبات الأرز الجديدة؛ حيث نمت عضلات اللحم الحيواني والخلايا الدهنية داخل حبات الأرز المغلفة بجيلاتين السمك، لمساعدة خلايا اللحم البقري على الالتصاق بالأرز، ثم تُركت لمدة تصل إلى 11 يوماً داخل المختبر.
الفوائد
يؤكد الباحثون أن الأرز اللحمي يمكن أن يساعد في حل الأزمات الغذائية وتغير المناخ. وقال فريق الدراسة في البيان الصحفي إن المنتج النهائي يحتوي على بروتين أكثر بنسبة 8% ودهون أكثر بنسبة 7% من الأرز العادي، وهو أكثر صلابة من الحبوب الطبيعية، كما أن الأرز اللحمي يصدر بصمة كربونية أقل بكثير؛ لأن طريقة إنتاجه تستغني عن تربية الحيوانات التي تستهلك الكثير من الموارد والمياه، وتطلق الكثير من غازات الدفيئة.
من المتوقع أن يطلق الأرز الهجين أقل من 6.27 كجم من ثاني أكسيد الكربون لكل 100 جرام من البروتين المنتج. أما إنتاج لحوم البقر فيطلق ثمانية أضعاف ذلك، كما أنه سوف يوفر خياراً أرخص بكثير للمستهلكين مقارنة بتكلفة لحم البقر؛ وذلك بعد إجازته وتسويقه تجارياً، وفقًا للبيان الصحفي المنشور في مجلة Matter.
اللحوم المستزرعة ومستقبل الغذاء
يمثل وعاء الأرز الوردي أحدث ابتكار لموجة متزايدة من الأبحاث حول البروتين الحيواني المزروع في المختبر، الذي يرتبط بمستقبل الطعام من حيث الاستدامة والسلامة الغذائية.
ومن وجهة نظر العديد من العلماء، يقدم المجال المتنامي لأبحاث اللحوم المزروعة في المختبر مستقبلاً خالياً من المشاكل التقليدية الناتجة عن الزراعة وتصنيع اللحوم، مع تقليل احتمالات نقل مسببات الأمراض الخطيرة مثل السالمونيلا، كما أن تقليل عدد الثروة الحيوانية المكتظة في الحظائر قد يخفض انبعاثات الكربون بشكل كبير
وقد اجتذبت بالفعل اللحوم المزروعة استثمارات بمليارات الدولارات، لكن إنتاجها ما زال مكلفاً ويصعب توسيع نطاقها، حيث توجد دولتان فقط في العالم: الولايات المتحدة وسنغافورة، تسمحان للمستهلكين بشراء اللحوم المزروعة، وفقاً لصحيفة washington post.
منذ نحو عقد من الزمن، كان العلماء في جميع أنحاء العالم يبحثون عن "الناقل الدقيق" الذي يمكن من خلاله رفع البروتين الحيواني والخلايا الدهنية المصنوعة بالمختبر. وقد أظهر فريق جامعة يونسي في كوريا الجنوبية، أنه يمكن القيام بذلك عبر استخدام طعام مألوف مثل الأرز؛ لذلك يخطط فريق الباحثين لمواصلة تطوير العملية قبل طرح الأرز في السوق، حتى تتمكن الخلايا من النمو بشكل أفضل لتعظيم القيمة الغذائية وتحسين الطعم، حتى يكون يوماً حلاً مستداماً للغذاء في العالم.