فيضانات دبي وحرائق أوروبا.. فوضى الفصول تعبث بربيع 2024


سلمى عرفة
الثلاثاء 16 ابريل 2024 | 09:21 مساءً

مع قدوم الربيع، يعتدل الطقس، وتتفتح الأزهار، وتعلو أصوات الطيور القادمة من مناطق أخرى في رحلتها الدورية التي اعتادتها.. تلك الكلمات تصف الصورة الجذابة التي طالما صوَّرها الكتاب والشعراء في أعمالهم، كانت تسير وفق نظام محدد يحفظ التوازن البيئي، على مدى سنوات طويلة، لكنها باتت مهددة الآن.

جملة من المفاجآت غير السارة حملها ربيع 2024 لسكان العالم، ومنهم بالطبع سكان العالم العربي.

منخفضات جوية

في منطقة الخليج العربي، أدى منخفضا "المطير" و"الهدير" إلى هطول أمطار غزيرة في كل من سلطنة عمان والإمارات، وصلت إلى حد الفيضانات العارمة التي أغرقت الطرق والوديان، وملأت العديد من طرق الدولتين بحبَّات ضخمة من الكتل الجليدية "البرد"، علاوة على سقوط وفيات في عُمان.

وقوع المنخفضات الجوية ليس ظاهرة جديدة على المنطقة، لكن التغيرات المناخية متهمة بزيادة حدة الآثار الناتجة عنها من عواصف، وأمطار غزيرة، وفيضانات.

ارتفاع درجة حرارة الأرض الناتج عن تراكم غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، يؤدي إلى زيادة معدلات البخر من المسطحات، وفي الوقت نفسه، يمكن للهواء الساخن الاحتفاظ بالمزيد من الرطوبة؛ ما ينتهي بسقوط أمطار غزيرة وفيضانات في بعض المناطق.

حبَّات البرَد التي سقطت في عُمان، وتفاجأ مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي بحجمها، لدرجة جعلتهم يقارنونها بكرة البيسبول، وأدت إلى تحطم بعض المركبات؛ قد ترتبط كذلك بظاهرة التغيرات المناخية.

بحسب الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي "NOAA"، تعتمد زيادة حجم تلك الحبَّات على عدة عوامل؛ من بينها مستوى الرطوبة، ومدى سرعة الرياح؛ إذ يمكن لتيار هواء تبلغ سرعته نحو 105 كم/ساعة، المساهمة في تكوين كرة ثلج بحجم كرة الجولف. وإذا ما زادت تلك السرعة بـ27%، فإنها قد تصل إلى حجم كرة "البيسبول" التي تردَّد ذكرها في عُمان.

إلى الشرق من العالم العربي، طالت الفيضانات عدة مناطق بروسيا وكازاخستان مؤخراً، وهي الفيضانات الأسوأ التي تشهدها المنطقة منذ عقود طويلة؛ ما أدى إلى إجلاء ما يزيد عن 100 ألف شخص، حسبما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

السلطات الروسية قالت إن معدل ارتفاع المياه في بعض المناطق وصل إلى مستويات لم تصل إليها على مدى قرن كامل.

حرائق الغابات

وفي الوقت الذي لم يتعافِ فيه العالم بعدُ من آثار حرائق الغابات التي اشتعلت العام الماضي، بدأ موسم جديد من النيران في عدد من البلدان.

على سبيل المثال، بدأ موسم الحرائق مبكراً بفارق ما يزيد عن أسبوع، بعدما كان شتاؤها الأخير هو الأعلى حرارةً في الفترة بين ديسمبر عام 2023 إلى فبراير من عام 2024 منذ بدء تسجيل البيانات.

ارتفاع درجات الحرارة، وازدياد معدلات جفاف الغطاء النباتي، وازدياد سرعة الرياح، يفاقم تأثير حرائق الغابات التي قد تندلع بفعل عوامل طبيعية، مثل البرق، أو بشرية مثل إلقاء السجائر.

منطقة الغرب الأوسط الأمريكي شهدت كذلك بدء اندلاع الحرائق مبكراً، التي بدأت، في الواقع، قبل قدوم فصل الربيع؛ إذ ارتفع معدل الحرائق خلال الأشهر الأولى من هذا العام إلى المئات، بعدما اعتادت المنطقة التعامل مع عدد محدود لا يتخطى العشرات.

ويصف ستيفن ماريان عالم الأرصاد في إدارة المتنزهات الوطنية الأمريكية، في تصريح لصحيفة "الجارديان" البريطانية، ما يحدث قائلاً: "لقد سكب التغير المناخي الوقود على النار".

ربيع مبكر

لكن الأمر لا يقتصر على الظواهر المتطرفة فحسب، بل عبثت التغيرات المناخية بجدول مواعيد فصول السنة، ومن بينها فصل الربيع؛ فبينما يشتد الاحترار، تتراجع فترات الطقس البارد، وينتهي الشتاء سريعاً، ويبدأ الربيع مبكراً.

في تقرير نشره موقع "The Conversation" في عام 2023، يشير جادو داش أستاذ الاستشعار عن بعد في كلية الجغرافيا وعلوم البيئة في جامعة ساوثهامبتون البريطانية؛ إلى نتائج تحليل بيانات 5 عقود كاملة، وهي النتائج التي كشفت عن اختلاف موعد بدء فصل الربيع، الذي بات يأتي مبكراً بفارق 15 يوماً، فيما تأخر قدوم الخريف لفترة مماثلة.

هذا الأمر يعني دخول النباتات في مرحلة الإزهار مبكراً، وهو أمر يبدو إيجابياً بتشكل المناظر الطبيعية الخلَّابة قبل الموعد المعتاد لها، لكنه في الواقع، يحمل عواقب بيئية وخيمة.

محاصيل مهددة

تلك النباتات الزهرية تنتظر الملقحات التي ستساهم في إتمام عمليات التكاثر، وإنتاج البذور، لكنها قد لا تكون مدركة لتلك الوتيرة الجديدة.

إذا ما نظرنا إلى النحل والطيور الطنَّانة، باعتبارها من أهم الكائنات المسؤولة عن التلقيح، فسنجد أنها تعتمد في القيام بوظيفتها على إشارات مختلفة، لينتهي عدم تطابق بينهما إلى تراجع إنتاج البذور، وانخفاض كميات المحاصيل الغذائية التي نعتمد عليها، حسبما نقل موقع "Scientific American".

وتعتمد 35% من المحاصيل الغذائية التي ينتجها العالم على الملقحات الحيوانية، بينما تصل النسبة إلى 75% إذا ما تحدَّثنا عن النباتات الزهرية، وفقاً لموقع وزارة الزراعة الأمريكية.

جانب آخر من الخطر يتمثل في احتمالية تقلب الأجواء مجدداً، وتراجع درجات الحرارة؛ ما يؤدي إلى تدمير البراعم التي تساهم في إنتاج الثمار بالنهاية.

خلال العام الماضي، خرج مجموعة من العلماء في الولايات المتحدة الأمريكية، بتقديرات تشير إلى أن الفارق في موعد قدوم الربيع، سيبلغ 25 يوماً كاملة بحلول نهاية القرن، وهو ما سيعود بالضرر على أنواع مختلفة من الكائنات الحية.

صغار الطيور في خطر

وفقاً للدراسة التي نشرتها دورية "Proceedings of the National Academy of Sciences"، تتراجع قدرة الطيور على الإنجاب إذا ما تغيرت مواعيد التكاثر المرتبطة كذلك بفصول السنة، وهو ما يعني تراجع أعداد صغار تلك الأنواع.

اختلاف المواعيد يُحوِّل كذلك مهمة إطعام الصغار إلى مهمة صعبة؛ فالبحث عن أنواع بعينها من الغذاء قبل موعد وجودها الطبيعي، أو بعده، قد يعني أنه لن يكون هناك موارد كافية لإبقاء هؤلاء الصغار على قيد الحياة.

ذلك الارتباك يتضح بشدة بالنسبة إلى الطيور المُهاجِرة؛ فقد تؤدي الهجرة والتكاثر المبكر إلى زيادة المنافسة على مواقع التعشيش، كما هو الحال مع موارد الغذاء؛ ما يؤدي إلى تغيرات في مدى هيمنة كل نوع داخل النظام البيئي.

أزمات عربية

العالم العربي لم يَنْجُ بالتأكيد من الآثار الناتجة عن الفوضى التي طالت مواعيد الفصول؛ إذ يشير الدكتور طارق قابيل الأستاذ في كلية العلوم جامعة القاهرة، في حديثه إلى "جرين بالعربي"، إلى أن تأثيرات قدوم فصل الربيع مبكراً على المنطقة، تشمل حدوث تغيرات في الغطاء النباتي، مثل تفتح الأزهار مبكراً، ومنها زهور النرجس واللوزيات، وتغير مواعيد تفتحها المعتادة.

ويضيف أن الحبوب مثل القمح والشعير والذرة، تندرج ضمن المحاصيل العربية المُعرَّضة لتهديدات قدوم الربيع مبكراً؛ لأنها تعتمد على درجات حرارة محددة لنموها وتطورها، وقد تنخفض إنتاجيتها حال نضوجها قبل اكتمال دورة حياتها.

وتابع أن تغير سلوك الحشرات نتيجةَ اختلاف موعد بدء الربيع، قد يؤثر على تلقيح محاصيل العدس والحمص والفول، بينما تُهدد إنتاجية محاصيل الفواكه، مثل الحمضيات والعنب والتفاح، بفعل تأثيره على الأزهار.

"قابيل"، الذي يتولى كذلك منصب عضو المجموعة الاستشارية العربية للعلوم والتكنولوجيا، التابعة للمكتب الإقليمي للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث؛ يرى أن التغيرات المناخية تُحتِّم على المزارعين تغيير نماذج الإنتاج، واستخدام أنواع مختلفة من النباتات المقاوِمة لتلك التغيرات.

يضيف "قابيل"، في حديثه إلينا"، إلى أن الأبحاث العلمية تشير إلى تضرر الطيور التي تعتمد على الحشرات مصدراً للغذاء ومن بينها طائر الهدهد والسنونو، وكذلك الطيور التي تعتمد على المسطحات المائية، كالبجع والبط البري؛ لأن قدوم الربيع مبكراً يساهم في جفاف تلك المسطحات وتراجع أعداد الحشرات.

على الجانب الآخر، قد يؤدي دفء الطقس مبكراً إلى ازدياد انتشار بعض الحشرات الضارة التي تهدد المحاصيل الزراعية؛ إذ يشمل تأثير ارتفاع درجات الحرارة، زيادة نشاط الحشرات، وحاجتها إلى المزيد من الطعام؛ ما يسبب ضرراً أكبر للنباتات، علاوةً على توسيع نطاق انتشارها، وقدرتها على العيش في مناطق جديدة، وفقاً لـ"قابيل"

على سبيل المثال، تُنهِي ذبابة الفاكهة البيضاء دورة حياتها خلال 8 أيام فحسب إذا ما بلغت درجة الحرارة 25 درجة مئوية، مقابل 20 يوماً عند الوجود في درجة حرارة تقتصر على 15 درجة.