هل ينتقل جنون البقر إلى الأسماك؟.. طريقة مثيرة للجدل لإنتاج العلف


سلمى عرفة
الخميس 11 ابريل 2024 | 02:40 مساءً

وسط دعوات زيادة الاعتماد على الأسماك بسبب تراجع البصمة الكربونية لأنشطة الصيد، مقارنة بإنتاج غذائي آخر على رأسها اللحم البقري، لكن هناك محاولات لتقليل الأثر البيئي الذي تحدثه المزارع السمكية.

وفق دراسة نقلتها دورية Nature، يعتمد أكثر من 3 مليارات شخص حول العالم على الأسماك في الحصول على ما لا يقل عن 20% من البروتين الذي يتناولونه.

واقترب المتوسط العالمي لاستهلاك الشخص الواحد من 20 كجم من الأسماك سنوياً، في وقت وصل إنتاج المزارع السمكية إلى ما يزيد عن 184 مليون طن متري سنوياً، بحسب موقع الإحصائيات "Statista".

الأثر البيئي لمزارع الأسماك

لكن التوسع في إنتاج الأعلاف التي تحتاجها المزارع السمكية يثير مخاوف حول التكلفة البيئية، بسبب زيادة الضغط على الموارد الطبيعية.

في فبراير 2023، نشرت دورية Current Biology دراسة عالمية رصد فيها الباحثون البصمة الكربونية الناتجة عن مزارع سمك السالمون على مستوى العالم، وتأثيرها الذي يطال المسطحات المائية العذبة، علاوة على التلوث الناتج زيادة نسبة العناصر الغذائية بأكثر من الحدود الطبيعية.

الدراسة خلصت أن 69% من انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن إنتاج السالمون المستزرع تنتج عن العلف الذي يتغذى عليه السمك، وقدرت أن تلك المزارع تحتاج إلى 2.3 مليون طن متري من المحاصيل سنوياً، والتي تتكون إلى حد كبير من المحاصيل الزيتية، والقمح، والصويا، لتوفير هذا العلف.

سمك يأكل نفسه

طريقة جديدة مثيرة للجدل طرحها مجموعة من العلماء لتقليل البصمة الكربونية لتلك المزارع.

الباحثون في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا في النرويج اقترحوا، في دراسة جديدة، أن تتغذى أسماك السلمون على أسماك من نفس نوعها، بدلاً من إطعامها أنواع أخرى من العلف، بهدف تقليل البصمة الكربونية لعملية الإنتاج.

لكن السلمون لن يتغذى على أفراد فصيلته بالطريقة التقليدية، وإنما سيجري إضافة "هيدروليزات" بروتين السلمون المجفف إلى العلف.

وفقاً لموقع Earth، تعرف هيدروليزات أسماك السلمون بأنها ناتج التحلل المائي للمواد الخام المتبقية من عمليات المعالجة التي تخضع إليها الأسماك قبل أن تصل إلينا، وتتميز تلك المركبات بأنها سهلة الهضم، وطيبة المذاق، ما يدفع الأسماك إلى تناول المزيد منها.

كما أن البروتينات المستخدمة في العلف الجديد خضعت للتحلل التام، ولا يمكن التعرف عليها إلا من خلال فحوصات الحمض النووي "DNA".

الأسماك وجنون البقر

لكن فكرة أن يتغذى السمك على نفسه يقابلها مخاوف شديدة يثيرها القائمون على المزارع السمكية، بأن تؤدي هذه الطريقة في تغذية السلمون إلى انتقال الأمراض إلى الأسماك الحية كأمراض "البريون"، وهي بروتينات موجودة في الجهاز العصبي للحيوانات والبشر.

هذه المخاوف تنقلنا إلى كيفية انتقال مرض جنون البقر التي تؤدي إلى اضطراب عصبي قاتل يصيب الماشية عندما ينتقل إليها "بريون" غير سليم نتيجة تناول أنسجة من ماشية أخرى مصابة بالمرض، ما يؤدي إلى إتلاف جهازها العصبي المركزي.

في حديثها إلى "جرين بالعربي"، تشير إنغريد ساندباكين الباحثة في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا إلى أهمية الاعتماد على مواد خام محلية في تصنيع علف الأسماك، في محاولة لتقليل الأثر البيئي لعمليات الإنتاج، ففي النرويج على سبيل المثال ترتبط 75% من انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن عمليات الاستزراع السمكي بإنتاج العلف ومكوناته، لأن 92% من المكونات يجري استيرادها من الخارج.

"ساندباكين" لفتت إلى التأثيرات الإيجابية التي لاحظها الفريق من حيث هضم البروتين، وزيادة معدل النمو الأولي للأسماك، خلال تجربة محدودة النطاق شهدت استبدال مسحوق السمك بهيدروليزات السلمون في العلف بنسبة تصل إلى 18%.

ولم يلاحظ الباحثون أي تأثيرات سلبية على سلوك السمكة، أو صحتها سواء خلال التجارب المحدودة أو المكثفة التي أجروها ورصدت دورة الحياة الكاملة للسلمون في مياه البحر.

الباحثة النرويجية تتفهم كذلك حالة الخوف من انتقال أمراض البريون ، على غرار انتشار مرض جنون البقر، لكنها لفتت أن تلك الأمراض لم يجر رصدها قط في الأسماك أو الطيور، وأن الأسماك الآكلة للحوم تلتهم كل ما يقابلها دون أن تميز بين الأنواع.

ما يضمن أمان تلك الطريقة، ويجعلها مطابقة للقوانين في الاتحاد الأوروبي، بحسب رأيها، هو تحلل البروتينات إلى أجزاء أصغر عن طريق التحلل المائي الإنزيمي، ما يمنع احتمالية ظهور أي من بروتينات "البريون" في الهيدروليزات السائلة، لأنها ستتحلل أو لا يمكنها الذوبان في المياه.

وفي الوقت الذي يعد تناول الأسماك أكثر ملائمة للمعايير البيئية مقارنة باللحوم، ترى "ساندباكين" أنه يجب توعية المستهلكين بالفوائد الصحية للأسماك لدفعهم إلى تناول المزيد منها، كما يجب أن تكون سهلة الإعداد و أقل تكلفة من اللحوم، علاوة على تشجيع الأطفال على تناولها من خلال تقديمها في صورة شرائح "الفيليه" الخالية من العظم، وكعك السمك.