في رمضان أو غيره من باقي الشهور، لا تغيب ثمار التمر عن البيوت العربية، لكنه يمتلك جاذبية خاصة في الشهر الفضيل؛ لكونه غنياً بالفيتامينات، علاوةً على قيمته الثقافية، وهناك مميزات أخرى للتمر تجعله وسيلة فعالة نحو عالم أكثر استدامةً.
عرفت منطقة العالم العربي نخيل التمر، واسمه العلمي "فينيكس داكتيليفيرا" قبل 4 آلاف عام قبل الميلاد؛ إذ يُعتقد أن زراعته بدأت في منطقة الهلال الخصيب، قبل أن ينتقل إلى شبه الجزيرة العربية، ومنها إلى بقية مناطق العالم.
حتى يومنا هذا، لا زالت المنطقة تتصدر بلا منازع سوق التمور التي تنتشر زراعته في مناطقها المختلفة، ويساهم في تحقيق أمنها الغذائي؛ إذ تنتج ما يزيد عن 75% من الإنتاج العالمي، وتسيطر على ما يقرب من 70% من سوق التصدير، وفقاً لدراسة نشرتها منظمة الأغذية والزراعة "الفاو".
بحسب إحصائيات المنظمة لعام 2022، تأتي 8 دول عربية بين أكثر 10 دول منتجة للتمور في العالم، وهي: مصر والمملكة العربية السعودية، والجزائر، والعراق، والسودان، والإمارات، وسلطنة عمان، وتونس، بينما تأتي الهند، والولايات المتحدة وعدة دول أوروبية بين أبرز المستوردين.
السمات التي يتمتع بها نخيل التمر جعلت من المنطقة مكاناً مناسباً لزراعتها؛ إذ تنمو في التربة الصحراوية، ويمكنها مقاومة ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه بدرجات تختلف من نوع إلى آخر، وفقاً لموقع المنتدى العالمي للمناظر الطبيعية، وهي مؤسسة غير ربحية معنية بالتغير المناخي والاستخدام المستدام للأراضي.
نخيل التمر يمكنه كذلك لعب دور هام في خطط العالم لمواجهة انبعاثات غازات الدفيئة التي تزيد درجة حرارة الأرض؛ إذ تصل كمية ثاني أكسيد الكربون التي يمكن للنخلة الواحدة امتصاصها سنوياً إلى 200 كجم، وفقاً لنتائج دراسة جديدة نشرتها دورية Family Studies, Food Science And Nutrition Health.
وبتوقع حجم الإنتاج العالمي في المستقبل، قدرت الدراسة كميات ثاني أكسيد الكربون التي سيمتصها نخيل التمر في عام 2050 بأكثر من 112 مليون طن، وسيتواصل ارتفاع الرقم تدريجياً، حتى يصل إلى ما يزيد عن 850 مليون طن في عام 2200.
تنوع الأصناف
تفوُّق العالم العربي في إنتاج التمور لا يقتصر على الإنتاج الكمي فحسب، بل في التنوع الشديد للأصناف التي ينتجها.
في المملكة العربية السعودية التي تتصدر سوق التصدير بقيمة تتخطى مليار ريال، هناك ما يزيد عن 300 صنف من التمور، موزعة على ما يقرب 35 مليون نخلة، وفقاً لبيانات وزارة البيئة والمياه والزراعة في السعودية.
وبجانب تمر العجوة، والرُّطب، والسكري، والمجدول، وغيرها من الأنواع، تمتد قائمة التمور السعودية لتشمل تمر "الخلاص" الذي يتمتع بمزايا بيئية.
مجموعة من الباحثين قارنوا بين 4 أصناف من التمر من حيث القدرة على تحمل الجفاف، وهي تمر الخلاص، والهلالي (اللذان تشتهر بهما الجزيرة العربية)، وصنفا البرحي والأشرسي الموجودان بكثرة في العراق.
النتائج التي نشرتها دورية "Plant–Water Relationships for Sustainable Agriculture"، خلصت إلى أن تمر الخلاص، وتمر البرحي هما الأكثر تحملاً لآثار الجفاف، مقارنةً بالنوعين الآخرين.
وفي مصر التي يتخطى عدد النخيل المثمر بها 15 مليون نخلة، والتي يتركز أغلبها في مناطق أسوان، والبحيرة، والشرقية، والجيزة، والوادي الجديد؛ تتنوع الأصناف لتشمل التمر السيوي، والبلح الأحمر "وبلح الأمهات، وبلح جعجع".
وإذا ما انتقلنا جنوباً إلى السودان، نجده يتميز بإنتاج تمر "القنديلة"، والتمودا اللذين يمكن تخزينهما بطريقة جافة، واكتسبا شهرة عالمية. وفي منطقة المغرب العربي، يأتي تمر "دقلة النور" بين أشهر الأنواع.
تحديات عربية
رغم تفوق نخيل التمر في قدرته على تحمل الجفاف مقارنةً بالعديد من النباتات الأخرى، فإنه يحتاج كميات ليست بالقليلة من المياه، ومن ثم فإن التغير المناخي يزيد من التهديدات التي تحيط بإنتاجه، لا سيما في مناطق معينة.
بحسب تقرير لموقع Wion، فإن ندرة المياه وأزمات البنية التحتية الموجودة في العراق، ساهمت في تراجع إنتاجية التمور، بجانب الأزمات المتتالية التي مرت بها الدولة العربية على مدى عقود طويلة، بعدما كان ذات يوم مسؤولاً عن إنتاج غالبية الإنتاج العالمي.
ووفقاً لتصنيف الأمم المتحدة، يحتل العراق المرتبة الخامسة في قائمة بلدان العالم الأكثر هشاشةً في مواجهة آثار التغير المناخي، لكنه لا يزال يحتل المركز السادس عالمياً في إنتاج التمور بأكثر من 715 ألف طن أنتجها في عام 2022.
تحديات مشابهة يشهدها السودان، وأوردها مجموعة من الباحثين في دراسة نشرتها المجلة العربية لسياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وهي التحديات التي شملت الموجات الحارة، والتصحر، علاوة على غياب الممارسات الحديثة في الزراعة، وأزمات إدارة المياه.
تمر أكثر استدامةً
محاولات تقليل كميات المياه التي يحتاجها نخيل التمر، ومواجهة ندرتها في العالم العربي تنوعت بين ممارسات تراثية عرفها السكان، وبين ابتكارات حديثة نجح الباحثون في التوصل إليها.
في واحات الغوط الواقعة جنوب شرق الجزائر، على سبيل المثال، يستخدم السكان منذ مئات السنين أوراق النخيل في صد الرياح، وفي تكوين الحواجز التي تساهم في حفر الرمال لزراعة النخلة بطريقة تمكنها من الوصول إلى المياه الجوفية النادرة في المنطقة، وفقاً لموقع "الفاو".
هناك خطوات أخرى خَطَتها الدول العربية؛ ففي عام 2023 أعلنت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية نجاح تجارب استخدام مياه الاستزراع السمكي في ري النخيل، بل زيادة جودة المحصول الناتج، بحسب وكالة الأنباء السعودية "واس".
العناصر الغذائية التي تحتوي عليها مياه صرف أحواض مزارع الأسماك ساهمت في تراجع الحاجة إلى استخدام الأسمدة، وحسَّنت خصائص الثمار وزادت وزنها، ورفعت نسبة السكريات بها بنسبتَي 26% و25% على الترتيب.
هناك تجربة ناجحة أخرى أجراها المركز الدولي للزراعة الملحية – وهو منظمة دولية غير ربحية تتخذ من الإمارات مقراً لها – باستخدام المياه التي تحتوي على كمية من الأملاح، بنسبة تعادل 50% من ملوحة مياه البحر، علاوة على تطوير أجهزة استشعار لسقي النخيل بأقل كمية ممكنة من المياه، وانتهت النتائج إلى أنه يمكن ري نخيل التمر بثلث كمية المياه العذبة المستخدمة.