هل جربت يوماً زراعة سطح منزلك أو حديقته بمحاصيل تستعين بها في مطبخك؟.. إذا كانت إجابتك بنعم، فلا بد أنك ستلاحظ اختلافاً فيها عما تشتريه من الأسواق التقليدية.. ليس فيما يخص اختلاف السعر أو المذاق فحسب، بل في طريقة تعاملك مع تلك المحاصيل كذلك، والجهود التي تبذلها لعدم إهدارها.
أزمة إهدار الطعام تتضح بشدة خلال شهر رمضان الفضيل؛ فكثيراً ما نخطئ تقدير كميات المقادير التي نحتاجها، وينتهى الأمر بإلقاء كميات كبيرة منها في سلة المهملات.
عندما تصل تلك الكميات إلى مكبات النفايات، تبدأ في التعفن، وإطلاق غاز الميثان الذي يساهم في زيادة درجة حرارة الأرض، ويتفوق أثره على درجة الاحترار التي يسببها ثاني أكسيد الكربون بفارق يقترب من 80 مرة، عند احتساب الأثر على مدى 20 عاماً.
أزمة عربية وعالمية في المنطقة العربية التي تُنتِج أقل من 50% فحسب من الغذاء التي تنتجه، يتراوح معدل هدر الطعام للفرد الواحد بين 76 و120 كجم سنوياً، ويستحوذ الغذاء على ثلث دخل الأسرة العربية المتوسطة، بحسب إحصائيات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا".
ما يحدث في منطقة العالم العربي جزء من أزمة أكبر تخص تعامل سكان العالم مع الغذاء، حتى تجاوزت كميات الطعام التي تُهدَر سنوياً مليار طن، بالتزامن مع تصاعد أزمات انعدام الأمن الغذائي في المناطق المتضررة من موجات الجفاف، والتصحر، ونقص المياه.
وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، يساهم فقدان الطعام وإهداره في مختلف أنحاء العالم بـ8% من انبعاثات غازات الدفيئة.
الزراعة المنزلية وإهدار الطعام
إحدى الطرق الناجحة التي رصدها العلماء لتقليل الأضرار البيئية لهدر الغذاء هي تشجيع الأفراد على زراعة الطعام الذي يتناولونه بأنفسهم.
الدراسة أجرتها اثنتان من باحثات جامعة شيفلد البريطانية، خلصت إلى وجود علاقة بين الزراعة المنزلية وتراجع معدلات إهدار الطعام، حسبما نقلت دورية "Plants, People, Planet".
الاهتمام بقيمة الطعام
الباحثتان جيل إدموندسون وبوجلاركا جولياس درستا المعلومات التي سجلتها عشرات الأسر ممن يزرعون الخضراوات والفواكه في حدائق منازلهم، أو في المزارع المجتمعية، لتكتشفا تراجع كميات الطعام التي يهدرونها بفارق يزيد عن 90% مقارنة بمتوسط إهدار الطعام في المملكة المتحدة.
في تقرير نشره موقع "The conversation"، تفسر الباحثتان تلك الظاهرة بأن الأشخاص الذين ينتجون طعامهم بأنفسهم ينظرون إليه بأهمية تفوق أولئك الذين يشترونه من الأسواق.
لكن التحدي الذي أشارت إليها الدراسة هو أن الزراعة تحتاج إلى وقت تخصصه لها؛ إذ كان متوسط الساعات ما احتاجه المشاركون أسبوعياً للعمل في الزراعة ما يصل إلى 4 ساعات.
مزايا بيئية وصحية
هناك جانب إيجابي آخر في الأمر، وهو أن الأسر التي شملتها تستهلك كميات أكبر من الخضراوات والفواكه، مقارنة بالمتوسط؛ ما يعزز الاعتماد على أنظمة غذائية أكثر ملاءمةً للمعايير البيئية مقارنةً بالمنتجات الحيوانية التي يتسبب إطلاقها في كميات أكبر من غازات الدفيئة.
علاوة على ذلك، يساهم الإكثار من تناول الخضراوات والفواكه – وهي أطعمة غنية بالألياف، وقليلة السعرات الحرارية – في الوقاية من العديد من الأمراض المزمنة كمرض السكري، وأمراض القلب، بحسب عدة دراسات نقلها موقع "Health Line".
وبخلاف المساهمة في تقليل هدر الطعام، فإن انتشار الزراعة في قلب منازل المدن يساهم في تنقية الهواء المحيط، واستغلال المساحات بصورة جيدة، وفي اختصار تكلفة نقل الأغذية من المناطق البعيدة.
سطح منزلك أو حديقته قد يتحوَّل تدريجياً إلى مكان مستدام تنتهي إليه بقايا طعامك التي لم تتناولها، بتحويله إلى سماد عضوي تنمو عن طريقه النباتات التي ستزرعها.
وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، يعد تسميد الطعام بديلاً صديقاً للبيئة للأسمدة الكيميائية التي نحتاجها للإنتاج الزراعة، ويوفر العناصر الغذائية التي تحتاجها التربة.
تسميد الطعام بدلاً من إلقائه في مكبات النفايات يساهم كذلك في تقليل انبعاثات غازات الدفيئة التي تنطلق إلى الغلاف الجوي؛ ففي عام 2022، كشفت مجموعة من الباحثين في كندا أن تحويل الطعام إلى سماد منع انطلاق 1.8 ميجا طن من ثاني أكسيد الكربون خلال عام واحد.