يدخل علينا رمضان ببهجته المعهودة، التي تدفعنا نحو التحضير والنظر فيما يحتاجه المنزل، لنصبح فريسة يتحين وقوعها مسوقو المنتجات والخدمات المختلفة.
الصائم يجد نفسه محاصراً بسياج مبهر من إعلانات السلع المختلفة على الإنترنت، واللافتات في الشوارع، وداخل المراكز التجارية التي يزداد الإقبال عليها في ذلك الوقت من العام.
عروض التخفيض هي السمة الأساسية لتلك الإعلانات التي تدفعنا إلى شراء المنتجات المختلفة؛ بداية من الطعام ووصولاً إلى الأجهزة الإلكترونية.
بحسب نتائج استطلاع نقله موقع "Statista" حول عادات التسوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال شهر رمضان 2022، تصدَّر شراء الطعام لإعداده خلال أحد التجمعات الرمضانية قائمة أهداف المشاركين من التسوق بنسبة 55%، بينما كان تزيين المنزل هدفاً لـ35% منهم.
مع استمرار النشاط الاستهلاكي المفرط خلال المناسبات المختلفة، تدخل الأرض في دورة مفرغة؛ فزيادة الطلب على السلع غير المستدامة يزيد معدلات إنتاجها، فيزيد الضغط على الموارد الطبيعية التي نحتاجها في عمليات التصنيع، وتزيد كميات المخلفات التي تصل إلى المكبات.
كل تلك الخطوات تعني كذلك زيادة معدلات غازات الدفيئة التي تنطلق إلى الغلاف الجوي، وتزيد درجة حرارة الأرض.
علم التسويق العصبي
وفقاً لتقرير الأمم المتحدة حول توقعات الموارد العالمية الصادر في 2024، ارتفع معدل استخراج الموارد الطبيعية بنسبة تقترب من 400% منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي.
ورغم أن المستهلك يختار بمحض إرادته ما يشتريه، فإن هناك حيلاً تسويقية قد تتحكم في قراراته، وتدفعه إلى الخضوع دون أن يدري لتلك الإغراءات، عن طريق ما يسمى بـ"علم التسويق العصبي" وهو استخدام علوم الأعصاب لدراسة سلوك المستهلك واستهدافه.
الخوف من فوات الشيء
العامل الأول الذي يكمن وراء فكرة التخفيضات هو إشعارك بالندرة، وهو ما يفسره عالم النفس روبرت سيالديني بأن المنتجات والعروض تزيد قيمتها لدى المستهلك إذا ما زادت صعوبة الحصول عليها، حسبما نقل موقع Retail Wire.
وبناء على ذلك، فإن تحديد فترة عرض التخفيض لمدة معينة – كالعروض المرتبطة بشهر رمضان – تثير لدى المستهلكين شعوراً أن هناك أمراً ذا قيمة قد يفوتهم.
ووفقاً لنتائج استطلاع نقله الموقع، ترتفع احتمالية الإقبال على المنتج غير المتوافر بكثرة بفارق يزيد عن 170% إذا عرض على المشاركين شراؤه بتخفيض يقدر بـ30%.
سياق الأسعار
هناك أمر آخر يساهم في زيادة الإقبال على العروض، وهو أن تلك التخفيضات تضع الأسعار في سياق يمكن لعقلك التعامل معه.
في وثائقي قصير أنتجته شبكة "دويتش فيله"، يقول موران سيرف عالم الأعصاب في جامعة نورث وسترن الأمريكية إنه في الأحوال الطبيعية لا يمكن للبشر إدراك الأسعار، ويشكلون فكرتهم عنها من واقع العينات التي يشاهدونها.
نتيجة لذلك، فإن وضع منتج بسعر يقل عن سعر المنتج المماثل له يدفعك إلى اعتقاد أن الخيار الأول هو الصفقة الرابحة.
الدوبامين يلعب دوراً
في تصريح لمجلة "تايم" الأمريكية، تشير آن كريستين دوهيم عالمة جراحة الأعصاب في جامعة هارفارد إلى أن خلايا دماغنا تفرز هرمون الدوبامين الذي يمنحنا شعوراً بالسعادة والرضا عندما نتلقى مكافأة غير متوقعة.
تلك المكافأة غير المتوقعة قد تكون سلعة لا تحتاجها معروضة بسعر أقل؛ فعلى سبيل المثال، تخيل أنك قرأت شيئاً عن الألوان، فتذكرت أنك كنت تحب الرسم، وتوجهت لشراء علبة من الألوان أو طلبها عبر الإنترنت، فوجدتها بسعر أقل، وبجودة أعلى مما توقعتها.
الموسيقى
الموسيقى التي تقوم المراكز التجارية بتشغيلها تلعب دوراً كذلك قد تساهم في دفعك نحو اختيار سلع بعينها، ترتبط في ذهنك بهذا النوع من الموسيقى تحديداً.
شبكة "دويتش فيله" نقلت نتائج إحدى التجارب التي خلصت إلى أن تشغيل موسيقى تنتمي إلى بلد ما تزيد إقبال المستهلكين على شراء السلع القادمة منها، وهو ما ثبتت صحته بتجربة ثانية عند تشغيل موسيقى من دولة مختلفة.
تصميم المراكز التجارية
التصميم الهندسي للمراكز التجارية يجبرك على اتخاذ قائمة طويلة من القرارات خلال عبورك ممراتها التي لا تنتهي، ويزيد من حالة الإرهاق التي يدخل بها المستهلك وتزيد من احتمالية اتخاذ قرارات خاطئة.
على سبيل المثال، دائماً ما يصادفك في نهاية رحلتك داخل متاجر "السوبر ماركت"، وبعدما تصل إلى مرحلة من الإرهاق، كميات كبيرة من المنتجات غير الصحية، مثل منتجات المياه الغازية، التي غالباً ما يتسبب إنتاجها في الإضرار بالبيئة.
عند الشعور بالإرهاق، يلجأ العقل إلى الاستعانة بما يسمى "النظام الأول للدماغ" الذي يعتمد على الاستجابة السريعة؛ لأن النظام الثاني يحتاج إلى قدر أكبر من الطاقة لاتخاذ القرارات بصورة أكثر دقة.
ألوان المنتجات
الألوان التي يستخدمها صانعو الإعلانات، ومصممو المنتجات خلال شهر رمضان، تساهم كذلك في اتخاذ قرار إقبالك على شراء المنتج من عدمه.
في سلسلة تقارير نشرها موقع very well mind حول التأثير النفسي للألوان، تشير أخصائية علم النفس كيندرا تشيري إلى أن رؤية اللون الأحمر تعزز عمليات الأيض التي تحدث في جسد الإنسان، وتفتح الشهية، وهو ما يفسر اعتماد العديد من المطاعم على هذا اللون.
تأثير اللون البرتقالي يختلف من شخص إلى آخر، لكنه مرتبط لدى الكثير من الناس بالتفاؤل، والثقة، والحماس، وأحياناً ما يربطه المستهلكون بالمنتجات الأقل سعراً، بينما يستخدم اللون الأصفر في المنتجات التي تريد منحك شعوراً بالطاقة.