لعلك أنهيت منذ قليل تناول وجبة الإفطار، وتستعد لإعداد كوباً من الشاي الذي يتصدر قائمة المشروبات المفضلة لدى الشعوب العربية، وتزداد أهميته خلال شهر رمضان الكريم.
في حال لاحظت تغير مذاق الشاي الذي تتناوله وتراجع جودته، على مدار السنوات الماضية، فالسطور التالية ستخبرك السر وراء ذلك الأمر، وما إذا كان هناك حل يمكن أن يعيد لمشروبك المفضل مذاقه المميز مجدداً.
ويحتل الشاي المركز الثاني بعد المياه في قائمة المشروبات التي يستهلكها العالم، حتى وصل إلى نحو 7 مليون طن في 2022، بحسب موقع Statista للإحصائيات.
قبل مناقشة الأخطار التي تهدد إنتاج الشاي، دعنا، في البداية، نخبرك بتفاصيل الرحلة الطويلة التي يقطعها حتى يصل إليك.
استيراد الشاي
الشعبية الواسعة في المنطقة، دفعت البلدان العربية إلى استيراد كميات كبيرة من نظيرتها التي تتمتع ببيئة مناسبة لنمو أوراقه، لكن ظاهرة الاحتباس الحراري تغير معالم هذه البيئات، وتهدد معها صناعة الشاي التي تقدر بمليارات الدولارات.
تضم قائمة اللاعبين الرئيسيين في السوق العالمي للشاي الصين التي تتصدر قائمة الدول المصدرة، وكينيا التي تحتل المركز نفسه في سوق الشاي الأسود فحسب.
وتجاوز حجم صادرات الصين من الشاي 2 مليار دولار في عام 2022، بينما اقتربت الصادرات الكينية من 1.5 مليار دولار في العام نفسه، وفقاً لموقع Statista.
وفقاً للتقرير الصادر عن مجلس الشاي الكيني الحكومي في نوفمبر 2023، تقع مصر، والإمارات، واليمن، والسودان، والمملكة العربية السعودية، والصومال، والأردن، ضمن قائمة أكبر 20 دولة من حيث كميات االشاي التي تستوردها من الدولة الإفريقية في ذلك التوقيت.
بينما تأتي المملكة المغربية، وموريتانيا، والجزائر بين أبرز الدول المستوردة من الصين، بحسب موقع "Statista".
التغير المناخي يهدد الشاي
في حديثه إلى موقع "فرانس 24"، يقول العالم لي شين مدير وحدة الشاي بأكاديمية العلوم الزراعية في الصين إن ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن التغيرات المناخية يؤدي إلى زيادة مركب "بوليفينول" في نبات الشاي.
زيادة مركبات "البوليفينول" تعني زيادة مرارة مذاق الشاي، وتراجع جودته، وعلى العكس فإن تراجع درجات الحرارة نسبياً يحفز الأحماض الأمينية الموجودة، وبالتالي يتحسن المذاق.
إحدى الأحماض الأمينية المسؤولة بشكل أساسي عن المذاق هي مركب "إل- ثيانين" والذي اكتشف العلماء أنه يتواجد بكميات أقل في أوراق الشاي الذي يجري حصادها في الشهور الأعلى في درجات الحرارة، وفقاً لدراسة صينية نشرتها دورية "Frontiers in Plant Science".
إلى جانب المذاق، فإن مركب "إل ثيانين" يساهم في تخفيف التوتر والقلق، لكونه يساعد في تحفيز موجات ألفا في الدماغ، كما يساهم إلى جانب الكافيين، في تحسين وظائف المخ، وزيادة التركيز، فيما رجحت دراسات مساهمته في تعزيز الجهاز المناعي والحماية من أمراض الجهاز التنفسي، حسبما نقل موقع Healthline.
لكن الظروف المناخية تنبيء بزيادة خطر تراجع كميات الإنتاج وانخفاض جودته، ففي العام الماضي، انخفض محصول الشاي الصيني خلال موسم الربيع بنسبة 20% جراء الجفاف الذي ضرب البلاد، بينما نقلت وكالة الأنباء الكينية، في العام نفسه، أن ما يقرب من 40 مصنعاً خسر 100 مليون كجم من الشاي بسبب التغير المناخي.
وبحسب الكتاب الأزرق الصيني حول التغير المناخي الصادر في 2023، تخطت عدد موجات الحرارة المتطرفة التي شهدتها في العام السابق للتقرير، 3500 موجة، ووصل مؤشر خطر الحرارة والجفاف في هذا العام إلى أعلى مستوياته منذ عام 1961.
بحلول عام 2050، قد يصل معدل زيادة درجة الحرارة في الصين إلى 2.6 درجة مئوية، فيما قد يصل إلى 4 درجات كاملة في كينيا، ما يهدد استمرار الحياة في العديد من مناطق البلاد.
تحسين مذاق الشاي
مجموعة من العلماء في الصين ركزوا وجهتهم على العثور عن العوامل الأخرى التي تتحكم في مذاق الشاي، بعيداً عن درجات حرارة البيئة المحيطة.
في الدراسة التي نشرتها دورية "Current Biology"، خلصوا إلى وجود مجموعة من الميكروبات الموجودة في جذور النبات تتحكم في تكوين الأحماض الأمينية في جسم النبات، وبالتالي في مستويات إنتاج الـ"إلـ- ثيانين" أحد عوامل تحديد مذاق الشاي.
الخطوات التي قام بها الباحثون شملت دراسة الاختلافات بين الميكروبات الموجودة في أنواع الشاي المختلفة، ومقارنة تلك الأنواع ببعضها، ثم نجحوا في تحديد الميكروبات الأهم في القيام بالمهمة.
في تصريح نقلته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، أشار البروفيسور تونغدا شو في جامعة فوجيان للزراعة والغابات بالصين، إلى النجاح في تجميع مجتمع ميكروبي اصطناعي بعد استخلاصه من جذور نبات الشاي.
المفاجأة التي اكتشفها العلماء خلال إجراء الدراسة أن تلك الطريقة لم تؤدي إلى تحسين الأنواع المنخفضة الجودة فحسب، بل عززت من نظيرتها المرتفعة الجودة.
الطريقة التي توصل إليها الباحثون لا يمكنها تحسين مذاق الشاي فحسب، بل يمكنها كذلك المساهمة في تقليل الاعتماد على الأسمدة الكيميائية بسبب قدرتها على تعزيز عمليات "استقلاب النيتروجين" والتي تشمل تثبيت النيتروجين في التربة.