المدارس العربية الخضراء.. من هنا تتحول الشعارات البيئية إلى واقع مستدام


مروة بدوي
الثلاثاء 05 مارس 2024 | 09:48 مساءً

ظهرت فكرة المدارس الخضراء الصديقة للبيئة في العالم بصفتها اتجاهاً جديداً يطبق الاستدامة، ويحقق التكيف مع التغير المناخي؛ حيث تُعرَّف هذه المدارس بأنها مؤسسات تعليمية تتبع نهج التعليم من أجل التنمية المستدامة.

المدرسة الخضراء تعمل من خلال 3 اتجاهات: التعلم النظري، والاستخدام الرشيد للموارد، والانخراط النشط في المبادرات والأنشطة المجتمعية، وأهم ما يميزها هو أن الخبرات التعليمية البيئية للطلاب لا تقتصر على الفصول المدرسية فقط، بل تمتد خارجها؛ حيث تُستخدم البيئة الطبيعية مصادرَ وفرصاً للتعلم، مع مشاركة الخبرات المباشرة وغير المباشرة بين الطلاب؛ ما يساعد على تكوين مواطنين يتمتعون بقدرات وكفاءة عالية، تمكنهم من حل مشكلات البيئة.

"جرين بالعربي" بحثت عن أهم المبادرات التي تساهم في تطبيق مفهوم المدارس المستدامة داخل العالم العربي، سواء كانت حكومية أو تتبناها مؤسسات المجتمع المدني، في محاولةٍ لنقل تجربة تعليمية وتربوية ثرية تطرح قضية البيئة بشكل جذاب يَلفت نظر الصغار، بعيداً عن الحديث عن الأزمات والصدمات والتناول الدرامي لقضية التغير المناخي.

التجربة المصرية

يبلغ عدد الأطفال في مصر 39,6 مليون طفل، بما يشكل نحو 22% من إجمالي عدد الأطفال على مستوى الدول العربية، الذي يصل إلى نحو 178.6 مليون طفل، بحسب بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري في نوفمبر 2023.

ولأن مصر أكبر دولة من حيث عدد الأطفال في العالم العربي، تضاعفت أهمية تطبيق مفهوم المدارس الخضراء في المحافظات المصرية، وهو ما أشار إليه حمدي الهواري الباحث في العدالة المناخية والتعليم من أجل التنمية المستدامة، موضحاً أن تحويل المدرسة إلى بيئة مستدامة يساعد في إكساب الطلبة المعلومات والمهارات والاتجاهات البيئية، ويسمح بمشاركة أولياء الأمور والمجتمع المحلي في جعل المدرسة مجتمعاً صديقاً للبيئة، بجانب خلق ثقافة الاستدامة لدى الجميع.

المدارس المصرية الخضراء

يذكر "الهواري" أن هناك اهتماماً حكومياً بالتوسع في إنشاء مدارس مستدامة ذكية بالتعاون مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، ومنها مبادرة المدارس الخضراء التي تعد واحدة من مبادرات رؤية مصر 2030، التي تستهدف تطوير بيئة التعليم والتدريب وبناء قدرات المعلمين والمدربين، وتشجيع المدارس على تثقيف التلاميذ والتربويين وأولياء الأمور وتوعيتهم بقضايا المناخ.

وأشار "الهواري" إلى أن المعهد القومي للحوكمة والتنمية المستدامة، الذراع التدريبية لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، أطلق "مبادرة العقول الخضراء" بمدارس محافظة الفيوم، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، كما نجح المعهد في تنفيذ هذه المبادرة في 5 مدارس بمحافظة القاهرة، وبلغ إجمالي عدد الطلاب المستفيدين 2400 طالب وطالبة: 1385 من المرحلة الابتدائية، و1015 من المرحلة الإعدادية، بجانب تدريب 50 معلماً ومعلمةً من المرحلة الابتدائية على مبادئ وأهداف التنمية المستدامة.

وفيما يتعلق بالمناهج التعليمية المعتمدة داخل هذه المدارس، لفت الباحث في العدالة المناخية والتعليم من أجل التنمية المستدامة، إلى أن المحاور التي يعمل من خلالها برنامج المدارس الخضراء، تعتمد على تقليل استهلاك المياه والطاقة، والمحافظة على التنوع البيولوجي، والتدبير الجيد للنفايات، والعناية بالتغذية الصحية.

نفذت "اليونيسيف" مجموعة من المعسكرات الصيفية حول التغيرات المناخية داخل مدارس المنيا والفيوم بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني

اليونيسيف والمدارس الابتدائية في الصعيد "جنوب مصر"

الأطفال المصريون ضمن الفئات الأكثر عرضةً للصدمات المناخية والبيئية بين أطفال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفقاً لمؤشر مخاطر المناخ على الأطفال (CCRI) الصادر عن اليونيسيف؛ لذلك نجد اهتماماً من المنظمة الأممية والدولة المصرية تجاه الأطفال والمدارس.

ونفذت "اليونيسيف" مجموعة من المعسكرات الصيفية حول التغيرات المناخية داخل مدارس المنيا والفيوم بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، وفقاً للموقع الرسمي لـ"اليونيسيف" في مصر. وتدور فكرة المعسكرات المدرسية حول الأنشطة التشاركية التي تعمل على رفع الوعي الصحي والبيئي للأطفال.

وتعد مدرسة جمال عبد الناصر الابتدائية بالفيوم، واحدة من المدارس التي شاركت في المعسكرات الصيفية التي تدعمها منظمة "اليونيسيف". وتهتم المدرسة بالتوعية بقضايا المناخ، من خلال نشر الثقافة البيئية والحفاظ على الطبيعة عبر عدة وسائل ممتعة، تعتمد على تفاعل الطلاب ومشاركتهم في أنشطة زراعية وفنية وتعليمية ذات طابع بيئي؛ منها تعليم الأطفال زراعة الشتلات، ورعاية النباتات في فناء المدرسة، وتقديم أعمال فنية للتوعية بقضايا المناخ، مثل مسرحية حول إحدى القبائل التي تتعرض للجفاف بسبب قلة هطول الأمطار.

كما تقدم المدرسة لطلابها مجموعة من الورش التدريبية البيئية، مثل ورشة لتعلم أساسيات السباكة المنزلي؛ لكي يتمكن الصغار من إصلاح الأعطال البسيطة التي ينتج عنها إهدار كميات من المياه، ومعارض فنية للمواد المعاد تدويرها من أجل تنمية وعي الأطفال بأهمية تقليل النفايات وإعادة استخدامها، ودعم ممارسة السلوكيات الجيدة مثل الحفاظ على البيئة، كما يهتم المعلمون بمناقشة قضايا التغير المناخي داخل الفصول الدراسية بشكل مبسط.

التجربة التونسية

بجانب دور الدولة والهيئات العالمية، تلعب المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في تونس دوراً لا غنى عنه؛ حيث تمثل أداةً أساسية للمشاركة في تحويل المدرسة إلى بيئة مستدامة من خلال تنفيذ التربية البيئية في الفصول الدراسية، والتعاون مع المؤسسات التعليمية في تعزيز فلسفة احترام البيئة بين الطلاب، ودمجهم داخل مشاريع وبرامج تربوية مناخية تفيد المجتمع المحلي وتُوسِّع مداركهم البيئية.

ومن ضمن هذه المبادرات الفعالة، الجمعية التونسية "شبكة أطفال الأرض"، التي تتمثل رؤيتها في أن التعليم هو السبيل الأهم لتحقيق التنمية المستدامة؛ لأنه من خلال التعليم يمكننا تدريب أفراد المجتمع على إدراك تأثيرهم على البيئة، والالتزام بحماية الكوكب.

"جرين بالعربي" تواصلت مع راضية الوحيشي رئيسة "شبكة أطفال الأرض"، التي أوضحت أن مسألة التربية من أجل تنمية مستدامة تمثل الرؤية الحقيقية للشبكة؛ ولذلك تنشط الجمعية داخل مؤسسات تربوية؛ لأن كل مشاريع الشبكة تدور حول المدرسة التي تعتبر نقطة البداية، لافتةً إلى أن التغيير الحقيقي في قضية الاستدامة يتبلور في حسن استغلال الموارد الطبيعية والحفاظ عليها بالمستقبل؛ ما يتطلب دعم قدرات الطلاب حتى يكونوا فاعلين ومؤثرين في هذا المجال.

وتحقيقاً لهذا الهدف، أكدت رئيسة "شبكة أطفال الأرض" أن أحد المشروعات التربوية التشاركية التي تركز عليها الجمعية مؤخراً، هو إعادة إحياء الحدائق المدرسية؛ فالحديقة تمثل أرضاً فضاء يستطيع الطالب أن يدرك من خلالها التحديات الزراعية والمائية ويتفاعل معها، بهدف دعم قدراته في مواجهة التغير المناخي وترشيد سلوكياته الاستهلاكية، وبناء مستقبل مستدام، خاصةً في ظل شح المياه الذي تعاني منه تونس.

تعمق هذه الأنشطة البيئية الروابط بين الطلاب ومدرستهم أكثر، وتحول الشعارات البيئية إلى واقع

مشروع "نأكل في مدرستي"

تنفذ الشبكة مشروع "نأكل في مدرستي" بهدف تطوير حديقة مدرسة عمر المختار، التي تقع في إحدى الضواحي القريبة من العاصمة التونسية. ويعد المشروع بمنزلة مرحلة أولى لترسيخ ثقافة الاستدامة والغذاء الصحي، واستغلال محيط المدارس والأراضي المهملة وغير المستغلة في المؤسسات التربوية، وتحويلها إلى مساحات خضراء؛ ما يُضفِي عليها قيمة بيئية. وتبلغ حالياً مساحة حديقة الخضراوات في مدرسة عمر المختار نحو 1600م²، تنقسم إلى 500 م² للخضراوات، و1100م² مخصصة للأشجار المثمرة.

وتعمق هذه الأنشطة البيئية الروابط بين الطلاب ومدرستهم أكثر، وتحول الشعارات البيئية إلى واقع؛ حيث يتعلم الطفل، بمساعدة مهندسين مختصين، مبادئ الزراعة المستدامة، وتخطيط حديقة بيئية، واعتماد نظام ري يستغل مياه الأمطار.

ويغرس التلاميذ أشجار الزيتون والتفاح واللوز، التي تنمو بأيديهم، ثم يحصدون ويأكلون ما زرعوا،؛ ما ينشر مفاهيم الغذاء الصحي، ويوفر الطعام لدعم الأمن الغذائي في المستقبل، كما تدعم هذه الأنشطة المهارات الحياتية للطلاب، مثل الاندماج في الفريق، والتفاعل مع قضايا المجتمع المحلي، وخاصةً بالمجال المناخي.

وبالإضافة إلى الأنشطة البيئية المدرسية والرحلات الميدانية لاكتشاف الطبيعة، تعمل شبكة أطفال الأرض على تضمين مفاهيم الحفاظ على الأراضي والتنوع البيولوجي داخل المناهج، ومنها مشروع "تعزيز حماية المناطق الرطبة في تونس من خلال المناهج التربوية" بالتعاون مع وزارة التربية.

راضية لوحيشي رئيسة شبكة أطفال الأرض:"نريد بناء أجيال فاعلة وقادرة على النقد واتخاذ القرار وقيادة التغيير، وتفعيل مفهوم المواطنة"

جيل ألفا الأكثر قدرةً على التغيير البيئي

دار نقاش مع راضية الوحيشي رئيسة "شبكة أطفال الأرض"، حول موضوع الفئة العمرية الأكثر اهتماماً وتعاطياً مع قضايا البيئة بين طلاب المدارس في جميع المراحل السنية. وبناءً على خبرتها الطويلة في مهنة التدريس، بجانب تخصصها في مجال الاتصال البيئي، أكدت أن الفئة العمرية الأكثر قدرةً على التغيير البيئي، التي تتميز بروح القيادة هي ما بين ١٢ و١٤ عاماً، أو ما يعرف بجيل ألفا، وهم مواليد ٢٠١٠ وما بعدها؛ حيث ترى "راضية" أن تفكير وشخصية الأطفال في هذه السن يكون أكثر تطوراً وتمسكاً بالأفكار والمبادئ التي يقتنعون بها، حتى إنهم قد يتحولون إلى مدافعين عنها، وهو أهم ما يلزم قضية البيئة.

وأضافت أن تلاميذ الابتدائية محبون للطبيعة بالفطرة، ولديهم علاقة جيدة معها، لكنهم صغار وليس لديهم رأي أو طريقة للتعبير. ومسألة البيئة لم تعد قضية حب أو تعاطف مع الطبيعة، بل باتت مسألة ملحة. والمشكلة في الدول العربية هي تغيير عقلية المجتمع فيما يتعلق بقضايا المناخ؛ حيث يجب أن يكون هناك تغيير عن اقتناع وتجربة حتى ينجح المجتمع.

ومن خلال تجربتها التربوية والمجتمعية، ثبت لها أن الشريحة العمرية ما بين 12 و14 عاماً تهتم بالشأن المناخي عن إدراك، مؤكدةً أنها تراهن على الجيل القادم في الدفاع عن حق البيئة وحماية دورة الحياة.

واختتمت راضية لوحيشي رئيسة شبكة أطفال الأرض، حديثها قائلة: "نريد بناء أجيال فاعلة وقادرة على النقد واتخاذ القرار وقيادة التغيير، وتفعيل مفهوم المواطنة. والمدرسة هي التي ستُطوِّر هذه المهارات لدى الصغار؛ لذلك يجب أن نحترم هذه المؤسسة؛ لما لها من تأثير على الأطفال ربما يكون أكثر من البيت"، مشددةً على أهمية الاستماع إلى وجهة نظر الطلاب؛ لأنهم هم المستقبل.

التجربة الإماراتية

مبادرة المدارس المستدامة مبادرة بيئية أطلقتها هيئة البيئة في أبوظبي بالشراكة مع دائرة التعليم والمعرفة ووزارة التربية والتعليم؛ حيث تعد أحد مشروعات هيئة البيئة الرائدة في مجال التعليم البيئي.

الموقع الرسمي للمبادرة يصفها بأنها برنامج مبني على المشاركة والتفاعل، وتهدف إلى تعزيز مفهوم الاستدامة البيئية داخل المدارس، كما تقدم فرصة للصغار والشباب لاستكشاف البيئة المحيطة بهم والتعرف على آليات مبتكرة لتقليل البصمة الكربونية، والحفاظ على فصائل الحيوانات، ودعم شعور المسؤولية لدى الطلاب؛ ما يشجعهم على اتخاذ خطوات إيجابية لحماية بيئتهم ومعالجة التأثير أو الممارسات السلبية ضد المجتمع، وهي مبادرة شاملة تستهدف الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور والإداريين.

نجحت مدارس المبادرة الإماراتية بالفعل في تحقيق الكثير من الممارسات الصديقة للبيئة، ومنها تقليل استهلاك المياه في 96% من مدارس المبادرة

المدارس المستدامة

تضم المبادرة نحو 464 مدرسة مشارِكة، تمكنت كل مدرسة من دمج 4 مكونات في أنشطتها حتى تتحول إلى مدرسة قيادية ضمن المبادرة، وهي:

أولاً– تدقيق المدارس الخضراء أو تقييم أداء المدرسة البيئي، عبر خطوات مهمة تعكس تأثير المدرسة على 5 عناصر بيئية مهمة، هي: (الهواء – الماء – اليابسة – النفايات – الطاقة).

ثانياً– اهتمام المدرسة بالنوادي البيئية؛ لاكتشاف أفكار جديدة وحتى يكون الاهتمام بالبيئة أسلوب حياة لدى الصغار.

ثالثاً– الاهتمام بالرحلات الميدانية؛ لزيارة الأماكن الطبيعية والتعرف على البيئة أكثر حتى يشعر الطالب أنه جزء منها.

رابعاً– تدريب المدربين، بالتركيز على المعلم حتى يدرك كيف يكون جزءاً من عملية الاستدامة فينقل هذا المفهوم إلى الطلاب.

ومن أهم مزايا المبادرة أن طلاب المدارس يستطيعون تقييم مدارسهم بأنفسهم، ثم يضعون أهدافاً لتحسين هذه النتائج طبقاً لقواعد المبادرة، مع نشر نتيجة المدرسة مع كل الإحصائيات.

كما تتيح المبادرة التعلم الإلكتروني الأخضر بهدف إتاحة تعلم أي شيء عن الاستدامة عن بُعد، وخلق جو من التعاون بين مختلف المدارس والطلاب والمدرسين في عدة أماكن مختلفة.

ونجحت مدارس المبادرة الإماراتية بالفعل في تحقيق الكثير من الممارسات الصديقة للبيئة، ومنها تقليل استهلاك المياه في 96% من مدارس المبادرة، بينما تُعِيد 62% من المدارس استخدام مياه الصرف الصحي، وتُعيد أكثر من 82% من المدارس المستدامة تدوير النفايات، ويستخدم 73% من طلاب المدارس وسائل النقل الجماعي لتقليل الانبعاثات، كما بدأت 82% من مدارس المبادرة في زراعة النباتات المحلية والمساحات الخضراء، بحسب الموقع الرسمي للمبادرة.

وأقرَّت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة عام 2015، بهدف القضاء على الفقر وفقدان التنوع البيولوجي والحفاظ على الكوكب الأزرق. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف العالمية، يجب تغيير الممارسات والسلوكيات البشرية الخاطئة، ولن يتحقق ذلك إلا عن طريق تعليم جيد داخل منظومة خضراء تحترم البيئة والموارد الطبيعية. وبغض النظر عن أسلوب كل مدرسة في تطبيق مفهوم الاستدامة، يبقى الأهم هو تحويل مفهوم الحفاظ على البيئة من مجرد شعار أو قضية مطروحة للنقاش إلى واقع وأسلوب حياة ونمط تفكير لدى طلاب كل مدرسة.