ليست الحلول التقنية هي السبيل الوحيد للنجاة من آثار التغير المناخي، ولكنَّ هناك حلفاء آخرين يعملون في الخفاء، ويلعبون أدواراً فعَّالة لحماية كوكبنا، وهي الحيوانات.
موسم الهجرة السنوي بحثاً عن الطعام يُمثِّل أكبر تحرك للحيوانات على الكوكب. وأثناء الرحلة تتغذَّى على كميات هائلة من النباتات. ويقول العلماء إن المساهمة في زيادة أعداد الحيوانات البرية هي إحدى الطرق الحيوية، التي تعالج تغير المناخ، ولكن يتجاهلها الكثير، وفقاً لـ"BBC".
أبطال الطبيعة
رغم أن أعداد الحيوانات البرية تتغيَّر من عام إلى آخر، فإن موسم الهجرة بحاجة إلى التأمل؛ إذ يوجد اليوم ما يُقدَّر بنحو 1.2 مليون من الحيوانات البرية في منطقة سيرينجيتي العشبية الشاسعة – وهي نظام بيئي يشكل إقليماً جغرافياً في شرق إفريقيا – وهذا يعني تناول مزيد من النباتات يومياً؛ ما يقلل من فرص حرائق الغابات.
وبجانب دورها في التقليل من الحرائق، تعمل مثل هذه الحيوانات على تغذية التربة بروثها؛ ما يساعد على تخزين الكربون في الأرض، وعندما تسير بحوافرها البارزة على العشب، تتلف العديد من الأشجار، التي قد يعتقد البعض أنها مشهد بيئي كارثي، لكنه يحافظ على منظر السافانا الطبيعية. وتعرف هذه العملية باسم "التقرن"؛ أي فرك قرون الذكور بجذوع وأغصان الأشجار.
تحولت "سيرينجيتي" إلى خزان عملاق يمتص الكربون أكثر مما يطلقه؛ ما يساهم في خفض تركيز ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي.
يقول أوزوالد شميتز أستاذ علم البيئة السكانية والمجتمعية بجامعة ييل في كونيتيكت بالولايات المتحدة: "في كل مرة يضاف فيها نحو 100 ألف حيوان بري في سيرينجيتي، ترتفع كمية الكربون المخزنة في البيئة بنسبة 15%".
"شميتز" أحد الباحثين الذين يستخدمون الحيوانات البرية مثالاً لتسليط الضوء على كونها أحد الحلول المهمة لمعالجة تغير المناخ، ومن خلال ورقة علمية نُشرت في وقت سابق من هذا العام، راجع رفقة مجموعة أخرى من الباحثين عقدين من الأبحاث؛ لتقدير تأثير الأنواع الرئيسية في امتصاص الكربون.
وتوصل الباحثون إلى أن حماية أو استعادة 9 مجموعات محددة فقط من الحيوانات يمكن أن تسهل التقاط 6.41 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.
ويقدر علماء المناخ أنه يتعين إزالة ما يصل إلى 10 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون من غلافنا الجوي على مستوى العالم كل عام؛ لتحقيق هدف الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050.
تحريك دورة الكربون
يرى "شميتز" أن العديد من الحيوانات تسيطر بقوة على دورة الكربون؛ ما أدى إلى ظهور مفهوم جديد، وهو "تحريك دورة الكربون"؛ لتأكيد الدور الذي يمكن أن تلعبه الحيوانات البرية في تعزيز قدرة النظم البيئية على تخزين الكربون.
وتشمل المجموعات الحيوانية الـ9 الرئيسية التي يقول "شميتز" وزملاؤه إنها يمكنها معالجة مشاكل المناخ: الأسماك البحرية، والحيتان، وأسماك القرش، والذئاب الرمادية، والظبي الإفريقي، وثعالب البحر، وثيران المسك، وأفيال الغابات الإفريقية، والبيسون الأمريكي (الثور الأمريكي).
ويقدر الباحثون أن هذه الحيوانات يمكنها المساعدة في امتصاص ما يصل إلى 5 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ومن هذه المجموعات، قد يكون للأسماك البحرية التأثير الأكبر.
قوة الأسماك
الأسماك قادرة على احتجاز الكربون بطرق مختلفة، منها تناول العوالق (نباتات مجهرية تنمو على سطح الماء وتستهلك الكربون). وبالإضافة إلى ذلك، عندما تموت الأسماك، تغوص في قاع المحيط فتعزل الكربون الموجود في أجسامها.
وأكد العلماء أن أسماك القرش لها تأثير إيجابي على دورة الكربون البحرية، من خلال تناول الأسماك العاشبة، أو تقييد المناطق التي تعيش فيها؛ ما يحد من قدرة فرائسها على أكل النباتات البحرية، التي تعمل على امتصاص الكربون.
وعلى سبيل المثال، تساعد أسماك قرش النمر في إبقاء أعداد أبقار البحر – وهي من الثدييات البحرية التي تتغذى على الأعشاب – تحت السيطرة؛ ما يسمح بازدهار الأعشاب البحرية التي تساهم في تخزين كميات هائلة من الكربون حول العالم.
وبالرغم من قدرة أسماك القرش على عزل الكربون؛ فإن أعدادها انخفضت انخفاضاً كبيراً في العقود الأخيرة بسبب الصيد التجاري؛ حيث أصبح ثلث أنواع أسماك القرش والشفنينيات (إحدى فصائل الأسماك البحرية) مهددة الآن بالانقراض.
الحيتان أيضاً لها دور فعال في أعماق البحار؛ فعندما تطلق فضلاتها المحملة بالمواد المغذية التي تعمل كسماد، فإنها تحفز نمو العوالق النباتية.
الذئاب الرمادية
رغم الاعتقاد الشائع عن الذئاب كوحوش يمكن أن تفتك بنا، فإنها في الحقيقة تحمينا من مخاطر الكربون، باعتبارها أحد أهم بالوعات الكربون في العالم؛ نظراً إلى تأثيرها غير المباشر على تخزينه في الغابات، كما يمكنها إزالته من الغلاف الجوي بما يعادل انبعاثات ما بين 33 و71 مليون سيارة سنوياً، وفقاً لتقدير "شميتز" وزملائه الباحثين.
وتطارد الذئاب دائماً الحيوانات التي تتغذى على الأعشاب؛ ما يساعد على تعزيز نمو الأشجار الصغيرة، وبدون الذئاب ستتغذَّى الحيوانات العاشبة على الشتلات وتُضعِف نمو الغابة.
وفي القطب الشمالي، تعتبر "ثيران المسك" فريسة مفضلة للذئاب، ومع ذلك فإن هذه الحيوانات العاشبة الكبيرة لها تأثير كبير في معالجة تغير المناخ من خلال حماية التربة الصقيعية.
ويقول "شميتز": "من خلال الرعي ونثر الثلج بحوافرها، فإنها تحمي من ذوبان التربة الصقيعية. وإذا ذاب الجليد، فإنه يمكن أن يطلق ملايين إلى مليارات الأطنان من غاز الميثان".
ذئاب الوطن العربي
ولكن هل توجد ذئاب في الوطن العربي؟ بوجه عام، هناك نحو 1000 إلى 3000 ذئب عربي متبقٍٍّّ في العالم. وبالرغم من حظر صيد هذه الحيوانات في عمان، لا يزال هناك أقل من 150 ذئباً عربياً، ويوجد في سوريا نحو 200 منها، بينما يعيش في السعودية 300-600 ذئب، وفقاً لـ"A-Z Animals".