الصوف المستدام.. كيف يساهم اختيار معطفك في إنقاذ الأرض؟


سلمى عرفة
الاثنين 01 مايو 2023 | 09:44 صباحاً
نصيب الصوف من سوق النسيج العالمي لا يتعدى 1% - مشاع إبداعي
نصيب الصوف من سوق النسيج العالمي لا يتعدى 1% - مشاع إبداعي

عند الحديث عن الآثار البيئية لصناعة الملابس، دائما ما تحتل مرحلة الحصول على المواد الخام الجانب الأكبر من المناقشة، فالمواد التي تنتج عن فرو الماشية ترتبط بالانبعاثات التي تطلقها وتساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، لكن هناك اتجاه جديد بدأ في الانتشار من أجل تحويل هذه العملية إلى مرحلة مفيدة للبيئة.

عندما بدأ ميشيل ويسيلي، وإزارد فان ديرويك المهتمان بمجال البيئة تأسيس شركتهما، واجهها سيل من المعلومات غير الموثقة حول استدامة الأنواع المختلفة من المنسوجات.

يقول "ويسيلي" إنهما بحثا في جميع أنواع النسيج بداية من قماش الكشمير إلى جلد الأناناس، لكن دائما ما تظهر مشكلات تخص عملية الإنتاج، فزراعة الأناناس على سبيل المثال تحتاج إلى كميات كبيرة من المواد الكيميائية، وعادة ما ينمو في مزارع أحادية المحصول، وإذا نظرنا إلى البامبو فإنه يتعرض كذلك لعمليات كيميائية مكثفة خلال إنتاجه، رغم قابليته للتحلل.

ظل الاثنان يبحثان عن نسيج ذو مقومات مستدامة يمكنها الصمود أمام عمليات التدقيق، ليس فيما يخص حجم الانبعاثات الكربونية فحسب، بل في تأثيرها كذلك على التنوع الحيوي، والتلوث، والمجتمعات التي تنتجها، علاوة على مدى قابليتها للتدوير، وفقا لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

في بادئ الأمر، ظنا أنهما سيعثران على ما يبحثان عنه بين الجانب الأكثر ابتكاراً من المجال عبر تفقد المواد التي دخلت حديثا إلى عالم الموضة.

نسبة الانبعاثات التي يطلقها قطاع الموضة تتراوح بين 8 إلى 10% من حجم انبعاثات غازات الدفيئة حول العالم، أي ما يزيد عما يسببه قطاع الطيران والشحن مجتمعين

الصوف التجديدي

في 2018 تحول انتباه "فان ديرويك" و"ويسيلي" إلى ما هو أقدم من ذلك بكثير، إذ التقيا بعدد من مربي الأغنام بطريقة تجديدية أرادوا من خلالها أن يحدثوا تغييراً جذرياً في هذا القطاع، ليتضح أن الإجابة الحقيقية تتمثل في مادة قديمة يجري إنتاجها ومعالجتها حالياً بطريقة رائدة، لينته الأمر باختيار الصوف التجديدي منبهرين بالفوائد البيئية والتقنية المطروحة.

في العام التالي، أسس الاثنان شركة Sheep Inc، بالعاصمة البريطانية لندن، لتصبح أول شركة تعمل في مجال الموضة بالعالم تُصنف بأنها مؤسسة "سالبة الكربون"، مع الأخذ في الاعتبار انبعاثات غاز الميثان، وعمليات التصنيع، والتعبئة والنقل، وفقا لتقرير من مؤسسة "Carbon Footprint Ltd" وهي مؤسسة مستقلة تعمل في مجال قياس الانبعاثات.

طرق الشركة لإبقاء آثار أنشطتها على البيئة محدودة تتضمن سلاسل إمداد خالية من البلاستيك، واستخدام آلات حياكة تعمل بالطاقة الشمسية، وفرز الملابس في مستودعات يجري تشغيلها بالطريقة نفسها، علاوة على تقديم خدمة إصلاح الملابس لعملائها.

نسبة الانبعاثات التي يطلقها قطاع الموضة تتراوح بين 8 إلى 10% من حجم انبعاثات غازات الدفيئة حول العالم، أي ما يزيد عما يسببه قطاع الطيران والشحن مجتمعين.

وتتركز 70% من انبعاثات الموضة في إنتاج المواد الخام، وعمليات إعدادها، ولهذا كان اختيار المادة الخام أمراً هاماً للغاية لمؤسسي "Sheep Inc".

تقول مستشارة الموضة المستدامة لوسيان تونتي إن الصوف يعتبر نسيجاً خارقاً، لأنه قابل للتدوير، وأكثر صلابة من معظم الألياف الأخرى، كما يحتاج إلى غسيل أقل.

وفقاً لرأيها، يتسم الصوف بالمرونة والقوة، كما أنه مضاد للبكتيريا، ومقاوم للروائح واللهب، وله طبقة خارجية شمعية لا تتأثر بالبقع بسهولة، كما ينخفض وزنه بنسبة تصل إلى 30% عند وضعه في المياه، ويتحلل في التربة على عكس الأقمشة التي يدخل البوليستر أو المواد البترولية في تصنيعها.

كل ذلك يجعله منافساً قوياً في مجال الملابس المستدامة التي يمكن استهلاكها لعقود، لكن الإنتاج التقليدي للصوف مازال بعيدا عن ملائمة المعايير البيئية، فالأغنام تطلق الميثان وهو أشد تأثيرا من ثاني أكسيد الكربون بفارق يتراوح بين 28 و35 مرة عند احتساب تأثيره على مدى قرن كامل.

آثار التربية التقليدية

التربية التقليدية للأغنام عادة ما تجري من خلال نظام الرعي الثابت الذي تبقى خلاله المواشي في المرعى نفسه لفترات طويلة، وهو ما يؤدي إلى التصحر، وفقدان التنوع الحيوي، وتآكل التربة.

مؤسسو شركة "sheep Inc" يقولون إن الممارسات التجديدية لتربية الأغنام يمكن أن تساهم في تحويل الموضة إلى صناعة أكثر استدامة، بل والمساهمة في امتصاص المزيد من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، بدلا من إطلاقه، لينتهي الأمر بعملية سالبة الكربون.

الشركة تنضم إلى عدد من العلامات التجارية التي قررت تبني هذه الممارسات لاستخدام الصوف.

تقليد الطبيعة

النهج التجديدي في رعي الأغنام يهدف إلى محاكاة ما يحدث في الطبيعة، حيث تتحرك الحيوانات خلال بحثها عن موارد جديدة للطعام، ولتجنب الوقوع في قبضة الحيوانات المفترسة، ما يساهم في تعافي الأراضي العشبية مجددا، نتيجة الحصول على السماد من فضلات الأغنام، وتقليل الاعتماد على الأسمدة الصناعية، أما المراعي غير المستخدمة فيجري إعادتها إلى طبيعتها دون محاولة زراعتها.

وتحصل الشركة على صوف "المارينو" التي تستخدمه من مزرعة "Lake Hāwea Station" وهي أول مزرعة في نيوزيلندا تصنف بأنها "سالبة الكربون"، وفقاً لمؤسسة Toitū وهي إحدى مؤسسات الاعتماد البيئية.

إدارة المزرعة التي تعمل بالطاقة المتجددة تقول إن المشروع تحول إلى حوض كربوني من خلال امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، عبر استعادة الغابات الأصلية.

أحدث التقارير الصادرة عن المزرعة تقول إن ما يعادل 4958 طن من ثاني أكسيد الكربون جرى امتصاصها بين 2019 و2020، بينما تقتصر الانبعاثات الصادرة عنها 2538 طن سنوياً، 78% منها بسبب انبعاثات الميثان، ويعادل الفارق البالغ 2420 طن اختفاء ما يزيد عن 500 سيارة من الطرق.

كميات إضافية من الكربون جرى امتصاصها من خلال تجديد التربة الذي يشير العلماء إلى قدراته الفائقة في القيام بهذه المهمة، لكن لا يجري وضعه في الاعتبار عند احتساب الانبعاثات بسبب القواعد المطبقة في نيوزيلندا.

جوين جريليت عالمة البيئة وإحدى كبار الباحثين في معهد Manaaki Whenua وهو أحد معاهد الأبحاث الحكومية في نيوزيلندا أعدت ورقة بيضاء حول الزراعة التجديدية في بلادها امتدحت ما تقوم به المزرعة.

ويعرف مصطلح الورقة البيضاء بالورقة التي يقدم بها الخبراء أو المؤسسات معلومات موثقة حول قضية ما أو رؤيتهم بشأنها.

تشير "جريليت" إلى الأسلوب التجديدي الذي تتبعه المزرعة، فما هو غير عادي أن إنتاج الصوف يجري بطريقة تساهم في استعادة التنوع الحيوي، وإذا ما عممنا الأمر على كافة كميات الصوف سنشهد فارقاً كبيرا في أزمة المناخ، بسبب المساحات الواسعة من الأراضي تستخدم حاليا في رعي الأغنام.

تقول شركة Sheep Inc أن آثار امتصاص ثاني أكسيد الكربون عبر التربية التجديدية للمواشي تمتد لما هو أبعد من إزالة انبعاثات الميثان الناتجة عنها، ففي الوقت الذي يسبب الكيلو جرام الواحد من الصوف المنتج بطريقة تقليدية ما يعادل أكثر من 25 كجم من ثاني أكسيد الكربون، يزيل الصوف الذي تستخدمه الشركة ما يعادل 14 كجم من ثاني أكسيد الكربون للكمية نفسها.

عدة دراسات خلصت إلى أن الصوف التجديدي له القدرة على إزالة الكربون من الغلاف الجوي، وتخفيف آثار التغيرات المناخية، لكن مازلنا في حاجة إلى المزيد من الأبحاث العلمية القوية لفهم الأمر فهما كاملا.

مؤيدو إنتاج هذا النوع من الصوف يرون أنه يساهم في وقاية التربة من الفيضانات والجفاف بعدما تصبح أكثر قوة، ويقلل الاعتماد على أسمدة "السوبرفوسفات" التي قد تكون سامة للحيوانات وتساهم في الانبعاثات الكربونية، وقد تساهم الطريقة الجديدة في تحسين النتائج الاقتصادية للمربين عند احتساب رأس المال الطبيعي.

وقامت المزرعة النيوزيلندية بزراعة 20 ألف شجرة، كما باتت موطناً لـ300 نوع من أنواع الكائنات البرية من بينها 10 كائنات متوطنة و8 كائنات أصلية، كما يصل عدد البذور في المجموعات التي قامت بخلطها إلى ما يصل إلى 30 بذرة، وفقا لمالك المزرعة جويف روس.

في مزرعة الصوف التجديدي، تحتوي التربة على مجموعات ميكروبية تساهم في تحسين صحة الحيوانات التي يجري تربيتها، وبالتالي فضلات أفضل، ما يؤدي إلى تراجع الحاجة إلى العلف المستورد.

غالباً ما ستحتاج عملية الزراعة إلى عمالة أكبر، ومساحات أكبر من الأراضي، وربما يؤدي إنتاج الصوف، واللبن، والحبوب والخضروات بهذه الطريقة إلى تكاليف أكبر

ماذا عن التكلفة؟

معظم العلامات التجارية التي لجأت إلى هذا الاتجاه تندرج ضمن العلامات الفاخرة التي تبيع منتجاتها بأسعار باهظة، فشراء معطف بغطاء رأس من "Sheep Inc" سيكلفك 222 دولاراً، بينما يبلغ ثمن إحدى السترات التي تنتجها شركة Allbirds ـ133 دولار.

يقول بيتر أكرويد مسؤول التشغيل في مبادرة The Campaign for Wool غير الربحية إن الصوف التجديدي لم يصل بعد إلى السوق واسع النطاق الذي يعتمد على شراء النسيج الرخيص، والبيع بأسعار منخفضة، وهذا ما يصعب التوقع بما إذا كان الاتجاه الجديد سيبقى رفاهية أم لا، فقطاع الموضة السريعة غالبا لن يتبناه على المدى القصير أو المتوسط.

ورغم ذلك، فإن الأسعار قد تنخفض إذا ما اتجه إليها القسم الفوق متوسط من قطاع الموضة.

فكرة الزراعة التجديدية يمكن الاستعانة بها في إنتاج مواد أخرى مستخدمة في قطاع الموضة كالقطن، أو ربما الأناناس، لكن الأمر لا يخلو من عيوب قد تمنع الشركات من تطبيق الأمر أو تحد من انتشاره

غالباً ما ستحتاج عملية الزراعة إلى عمالة أكبر، ومساحات أكبر من الأراضي، وربما يؤدي إنتاج الصوف، واللبن، والحبوب والخضروات بهذه الطريقة إلى تكاليف أكبر، إذا جرى اتباع المقاييس الاقتصادية الحالية والتي لا تشمل التكاليف المالية لفقدان التنوع الحيوي وتدهور التربة أو تلوث المياه، وفقاً لرأي "جريليت"

أما "تونتي" فترى أنه في حال تبنت الشركات الصوف التجديدي، فلابد أن تتأكد من أن المعلومات التي تنشرها حول مدى استدامتها قادمة من أدلة خضعت للبحث.

وتضيف مستشارة الموضة المستدامة أن تحديات تتبع الأثر البيئي علاوة على استخدام المواد الصناعية والصبغات الكيميائية تجعل الأمر أشد صعوبة.

في 2022، واجهت شركة "Allbirds دعوى قضائية بعدم دقة تقديرها للبصمة الكربونية التي أعلنتها لأحذية مصنوعة من الصوف، لكن المحكمة رفضت الدعوى، وأكدت الشركة لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أنها تولي اهتماما كبيرا بوصف نهجها نحو الاستدامة.

شركة "Sheep Ince" تستخدم صبغات "بلو ساين" المعتمدة والتي تضع في اعتبارها حجم الانبعاثات واستهلاك المياه، لكنها على وشك إصدار طريقة جديدة لاستخدام الصبغات خلال الصيف.

أما فيما يخص الشحن الدولي، فلن تعدل الشركة خطتها، مؤكدة أن نقل الصوف المنتج بهذه الطريقة من نيوزيلندا يسبب كميات أقل من الانبعاثات مقارنة بالاستعانة بدول أوروبا للحصول على المواد الخام.

نصيب الصوف من سوق النسيج العالمي لا يتعدى 1%، لكنه يعتبر اختبار عظيم لأنواع أخرى من الزراعة التجديدية، وإثبات بأن يمكننا نرصد الملابس بداية من مرحلة المزرعة

دور المستهلك

ترى "جريليت" أن النهج التجديدي لابد أن يجري تطبيقه على كافة المستويات التي تخص الصناعة من أجل أن يؤدي إلى تغيير جذري للبصمة الكربونية لعالم الموضة، بما في ذلك المستهلكين الذين عليهم أن يكون أكثر حكمة عند الاختيار، وشراء عدد أقل من قطع الملابس، علاوة على إجراء عمليات تدوير كافية للوصول بالمخلفات إلى الحد الأدنى.

أحد الاستطلاعات التي أجريت خلال 2022، شارك بها 5900 مستهلك، كشف أن 65% من المتسوقين يهتمون بفكرة الاستدامة، لكن اقتصرت نسبة من يعتبروها أولوية عند الشراء على 15%.

نصيب الصوف من سوق النسيج العالمي لا يتعدى 1%، لكنه يعتبر اختبار عظيم لأنواع أخرى من الزراعة التجديدية، وإثبات بأن يمكننا نرصد الملابس بداية من مرحلة المزرعة.

وتضيف "تونتي" أن بالمزيد من العمل قليلا على جمع المعلومات، وطرح الأسئلة المناسبة على الموردين، فمن الممكن أن تحذو المزيد من الشركات حذو "sheep Inc".