عزل الضوضاء بفقاعات الماء.. سر "الجاكوزي" العملاق لإنقاذ خنازير البحر


فيروز ياسر
الخميس 04 يناير 2024 | 06:27 مساءً

رغم الأهمية الكبرى لمزارع الرياح البحرية في توليد الكهرباء من الرياح القوية بالمسطحات المائية مقارنةً بسرعتها على سطح الأرض، وانتشارها عبر بحر الشمال وبحر البلطيق بأوروبا؛ فإن تأثيرها السلبي على الكائنات البحرية بات ملحوظاً.

خلال السنوات العشر الماضية، انتشر اختراع عبر البحار الشمالية الأوروبية، أطلق عليه اسم "ستارة الفقاعات الكبيرة" ويشبه "الجاكوزي العملاق" بهدف حماية "خنازير البحر" (ثدييات مائية تتشابه مع الدلافين في بعض الخصائص) من الضوضاء الهائلة تحت الماء الناتجة عن مزارع الرياح.

ووفق ما ذكرته المجلة العلمية "Ecology and Evolution"، انخفض عدد "خنازير البحر" في منتصف القرن العشرين، وأدرجها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة ولجنة حماية بيئة بحر البلطيق على أنها مُهددة بالانقراض.

"ستارة الفقاعات الكبيرة"

تعمل "ستارة الفقاعات الكبيرة" من خلال وضع خرطوم كبير ومثقوب في قاع البحر يحيط بموقع توربينات الرياح، وعند ضخ الهواء خلاله ترتفع الفقاعات من الثقوب إلى سطح الماء ثم تُشكِّل حجاباً عازلاً للضوضاء، بحسب موقع "بي بي سي" البريطاني.

ينتقل الصوت عبر الماء أسرع من انتقاله عبر الهواء؛ لاختلاف كثافتهما، وعندما تصطدم الموجات الصوتية بـ"ستارة الفقاعات" تتباطأ وتتفكك وترتد؛ ما يؤدي إلى فقدان طاقتها؛ لذا فالصوت الذي يظهر على الجانب الآخر من الستارة يكون أكثر هدوءاً.

ابتكرت ألمانيا هذه التقنية لحماية "خنازير البحر" من الانقراض؛ حيث صُممت تبعاً لصفات واحتياجات الكائنات البحرية المُهددة؛ ما أدى إلى خفض الضوضاء الناتجة عن بناء مزارع الرياح، كما أن تأثيرها صار في صالح كائنات بحرية أخرى مثل الفقمات.

السباق بين دول شمال أوروبا للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ومكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري زاد من بناء مزارع الرياح البحرية؛ ففي عام 2022 أنشئ 125 مشروعاً لمزارع الرياح على مستوى العالم، بحسب مجلة "السياسة البحرية".

وتعهدت دول مثل هولندا وألمانيا والدنمارك وبلجيكا بتحويل بحر الشمال إلى أكبر محطة للطاقة الخضراء في العالم؛ بهدف زيادة قدرة طاقة الرياح البحرية إلى 300 جيجاوات بحلول عام 2050.

ورغم محاولات التركيز على الطاقة الخضراء، فإن الدول نفسها تتعرض لضغوط لخفض الضوضاء الناتجة عن بناء مزارع الرياح والحفاظ على حياة الكائنات البحرية التي تعتمد على الصوت فيما بينها للتواصل.

حماية "خنازير البحر"

تقول كارينا جوريتزيك المتخصصة في الضوضاء تحت الماء بالوكالة الفيدرالية البحرية والهيدروغرافية الألمانية، إن الحيوانات البرية تستخدم الرؤية باعتبارها حاسة رئيسية لها، لكن تحت الماء حاسة السمع هي الأساس للكائنات البحرية.

وتعتبر "خنازير البحر" الصغيرة حساسة جداً للصوت، وتستخدم تحديد الموقع بالصدى للتنقل والتواصل والصيد وتجنب العوائق في المياه المظلمة؛ لذا فإن الضوضاء العالية التي يسببها البشر تحت الماء، بما في ذلك الصادرة عن الشحن وبناء مزارع الرياح البحرية تزعجها.

وحتى قبل بناء مزارع الرياح، ففي الغالب يتم تطهير قاع البحر من القنابل أو الألغام السامة، التي تسبب ضوضاء. وأشارت "جوريتزيك" إلى وجود أدلة علمية على أن هذا النوع من الضجيج يؤثر على البيئة البحرية.

وكشفت دراسة نُشرت في مجلة البحوث البيئية، أن الضوضاء الناتجة عن إنشاء أول مزرعة بحرية في بحر الشمال الألماني، تسببت في تغيير سلوك "خنازير البحر" وفرارها من المنطقة؛ حيث تحتاج الكائنات إلى تناول الطعام والصيد بشكل شبه مستمر لتلبية احتياجاتها من الطاقة والسير لمسافات طويلة، لكن الضوضاء تؤثر على نشاطها الحيوي، وتجعلها عرضة للمجاعة، إضافة إلى فقدان السمع.

واستطاعت ألمانيا قياس مستويات الضوضاء لكل مرة يتم فيها الحفر منذ عام 2011، ولاحظت انخفاض مستويات الضوضاء باستمرار منذ عام 2014 بنسبة تزيد عن 99%.

ويرى "جوريتزيك" أن أفضل النتائج لتقليل الضوضاء تحت الماء تحدث عند الجمع بين تدابير مثل استخدام "الستائر الفقاعية" مع حواجز أخرى مثل الأنابيب الفولاذية حول الركام.

من جانب آخر، يحذر خبراء من أن التدابير الحالية للحد من الضوضاء قد لا تكون كافية لحماية خنازير البحر المجهدة من الأساس بفعل التوسع في بناء المزارع البحرية ووجود التوربينات.

وقالت أورسولا سيبرت الطبيبة البيطرية وأستاذة علم الحيوان ومديرة معهد أبحاث الحياة البرية والمائية بجامعة هانوفر الألمانية، لموقع "بي بي سي"، إنها راقبت مع فريقها خنازير البحر منذ عقود، واكتشفت تأثرها بالتلوث البحري وفقدان مصادر الغذاء وإصابة بعضها بجروح مميتة نتيجة انفجارات.

وأوضحت أن متوسط عمر خنازير البحر 20 عاماً، لكنه انخفض بمقدار 4 سنوات في الإناث ببحر البلطيق، وبمقدار 6 سنوات في بحر الشمال، ومن ثم فإنها تموت مبكراً؛ فضجيج مزارع الرياح يمثل ضغطاً آخر عليها، ومرحلة تعافي الحيوانات شبه منعدمة.

وسلطت "أورسولا" الضوء على أن تغير المناخ يمثل تهديداً لوجود الحياة البحرية، ومن ثم فإن توسيع قطاع الطاقة المتجددة وإنتاج الطاقة المستدامة يفيد البيئة البحرية، لكن لا بد من وجود طرق لحماية الكائنات البحرية في الوقت نفسه.