خطوط دعم خلفية للجيش الأخضر من صغار المزارعين، احتشدت بالأفكار والمناقشات في المنتدى العربي للمناخ الذي انعقد في يومي 13 و14 نوفمبر بدبي تحت شعار "الزراعة المستدامة والأمن الغذائي: معاً لتحقيق الصمود والمرونة والتنمية الاجتماعية لصغار المزارعين"، تمهيداً لبذل الجهود في معركة تحقيق الأمن الغذائي عبر توصيات علمية وخبيرة.
سلَّط الضيوف والحاضرون الضوء على أكثر الفئات تأثراً بالتغيرات المناخية وصغار المزارعين بصفتهم الجنود المجهولين الأكثر درايةً بالبيئة وتبعات الأزمة المناخية العالمية عليها؛ حيث يبذلون جهوداً مضنية في وقت تزداد فيه أزمة الغذاء والتحديات المناخية.
منجزات النسخة الأولى
في بداية المنتدى، كشف صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن طلال آل سعود رئيس برنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند"، خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية عن دور المنتدى في أهمية تقييم تداعيات تغير المناخ على القطاع الزراعي والعاملين فيه، خاصةً صغار المزارعين ومنتجي الغذاء، والبحث عن الحلول والآليات التي من شأنها تعزيز الزراعة المستدامة.
وقال إن تأثير التغير المناخي يزداد على صغار المزارعين، الذين غالباً ما يكونون مُهمَّشين ومحدودي الموارد، بينما هم يشكلون العمود الفقري للمجتمعات الريفية؛ حيث ينتجون أكثر من 80% من بعض المحاصيل السنوية والدائمة.
وأكد صاحب السمو الملكي أن "أجفند" ومؤسساته التنموية تلتزم بالعمل عبر الحدود القطاعات لتمكين صغار المزارعين، وتعزيز قدرتهم على الصمود وضمان تنميتهم الاجتماعية؛ لتأمين الغذاء والمستقبل المستدام للدول العربية.
توجه الإمارات
شاركت معالي مريم بنت محمد المهيري وزيرة التغير المناخي والبيئة بالإمارات بكلمة مسجلة قالت فيها إن شعار المنتدى العربي للمناخ يتوافق مع توجه دولة الإمارات ورؤيتها في إحداث تحول جذري في نظم الغذاء العالمية وتبني نظم أكثر استدامةً.
وأشارت إلى أن أنظمة الغذاء التقليدية تُسبب أكثر من 30% من الانبعاثات العالمية، كما تُعد من أهم القطاعات التي تتأثر بهذه التغيرات التي ينتج عنها شح المياه ونقص الأراضي الصالحة للزراعة والتصحر وغير ذلك.
كلمة جامعة الدول العربية
وأشادت معالي السفيرة د.هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد ورئيس قطاع الشؤون الاجتماعية-جامعة الدول العربية، بجهود كافة المنظمات الأهلية ومختلف مكونات المجتمع المدني العربي، التي وضعت برامج وأنشطة تستهدف صغار المزارعين والزراعات الأسرية، خاصةً في المناطق الريفية بالدول العربية، والتي وتعمل على بناء قدرات الصمود والمرونة.
وتوجهت بخالص الشكر لسعادة الدكتور ناصر القحطاني المدير التنفيذي لـ"أجفند"، وكافة القائمين على الشبكة العربية للمنظمات الأهلية، على اختيارهم الموفق لمحاور المنتدى العربي للمناخ.
الجيش الأخضر
وصف د. ناصر القحطاني المدير التنفيذي لبرنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند" صغار المزارعين بخط الدفاع الأول عن الأمن الغذائي، قائلاً: "لا بد من شمولهم في صياغة الحلول المناخية وخطط التكيف الوطنية، إضافة إلى الاستماع لمطالبهم لتحقيق كامل الاستفادة من خبراتهم المحلية في التكيف والتمكين".
ووفق رأي أ. هدى البكر المدير التنفيذي للشبكة العربية للمنظمات الأهلية، فإن المزارعين ليسوا مجرد ضحايا في مواجهة التغيرات المناخية، بل تكمن الحلول أيضاً في أيديهم؛ فهم – حسب وصفها – حراس الأمن الغذائي، كما عرضت فيلماً وثائقياً يحمل عنوان "معركة الجيش الأخضر"، يعكس دور صغار المزارعين في المجتمعات العربية.
تحدث كذلك د. محمد السويدي المدير العام لصندوق أبوظبي للتنمية، عن أهمية دعم المشروعات الزراعية الصغيرة والمتوسطة؛ لأنها جزء من الحلول الرامية لمواجهة التحديات المتعلقة بالمناخ.
وسلَّط د. علي بن سباع المري الرئيس التنفيذي لكلية بن راشد للإدارة الحكومية، الضوء على الشوط الكبير الذي قطعته الإمارات في تطوير ممارسات زراعية ذكية مناخية لتحقيق هدفها الاستراتيجي بالوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050.
جهود رامية
أوضحت الدكتورة "سفيتلانا إدميدس" الخبير الاقتصادي الزراعي الرئيسي في البنك الدولي خلال النسخة الثانية من "المنتدى العربي للمناخ"، أن البنك الدولي يركز اهتمامه على صغار المزارعين وقطاع الزراعة وإنتاج الغذاء، ويسعى إلى تحويل نظام الغذاء ليكون قادراً على مواجهة الصدمات وليس فقط تغير المناخ.
لا يُحدث التغير المناخي خللاً في حياة المزارعين فقط، بل تنعكس النتائج أيضاً على اقتصادات الدول.. من هذه الحقيقة بدأ أ. د. طارق تمراز مدير برنامج ماجستير تغير المناخ بجامعة قناة السويس حديثه، مشيراً إلى أن الإنتاج الزراعي يساهم بنسبة متغيرة في الدخل القومي لكل بلد، ويعتمد على مساحة الأرض المحددة للزراعة، وعدد العمالة؛ ففي السودان نسبته 30%، وفي مصر 11%. أما في الأردن فنسبته 5.6%.
النساء المزارعات هن الأكثر تعرضاً للضرر؛ حيث إن المرأة هي صاحبة الخسارة الأكبر من بين ضحايا التغير المناخي؛ لذا سلطت أ. د. سكينة بوراوي المدير التنفيذي لمركز المرأة العربية للتدريب والبحوث "كوثر" الضوء على المزارعات خلال المنتدى، وأكدت أنهن الفاعل الأساسي في قطاع الزراعة بالبلاد العربية، وينبغي للمؤسسات أن تدعمهن، ولا بد من البحث عن حلول مبتكرة من أجل توفير حياة كريمة لهن.
تمويل القطاع الزراعي
التمويل والتأمين والاستثمار جوانب أساسية لا تتوافر لصغار المزارعين بالدول العربية. وعلَّق على ذلك د. أمجد المهدي رئيس قطاع المياه بصندوق المناخ الأخضر بكوريا الجنوبية، قائلاً إن عدم امتلاك المزارعين تاريخاً ائتمانياً كافياً، وعدم القدرة على تقديم الضمانات التي تطلبها البنوك المحلية للحصول على قروض يساهم في الحرمان من التمويل.
خبرة "أجفند" التمويلية
برنامج "أجفند" له تجربة طويلة في التعامل مع صغار المزارعين.. هذا ما عرضه البروفيسور بدر الدين إبراهيم كبير مستشاري "أجفند" للشمول المالي-السودان، خلال حضوره بالمنتدى؛ إذ لفت إلى استفادة 6 ملايين من النساء بنسبة 60% في تعاملات بنوك يملكها "أجفند" بالقطاع الزراعي، وأضاف أن التمويل الأصغر يوفر فرصاً استثمارية مناخية للمؤسسات المالية.
وأوضح إينوك سينغوي المختص بالتأمين الزراعي في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المشارك في المنتدى، أن البرنامج حاضر بقوة في 177 دولة ويدعم صغار المزارعين من خلال التأمين الشامل، وتمويل البرمجيات والمخاطر، إضافة إلى دمج التأمين في أجندات التنمية.
مراقبة النظم الزراعية
تحدث د. حمزة ودغيري رئيس الهيئة الإدارية لشبكة العمل المناخي بالمغرب خلال مداخلة، عن إدارة ومتابعة النظم الزراعية، التي تهدف إلى وقف هدر الموارد الطبيعية، وزيادة إنتاجية المحاصيل بسبل مستدامة مع مراعاة ترشيد استهلاك المياه.
وأكد أن تشارك الخبرات ونقل التكنولوجيا المتقدمة والمبتكرة، يساهم في تقليل فقد المياه وهدر الأغذية، فضلاً عن ترشيد الري وتحسين إنتاجية التربة؛ من أجل النهوض بالاقتصاد الدائري وعمليات الإنتاج المستدام.
وعرضت د. هويدا عدلي رومان عميد شعبة بحوث التنمية الاجتماعية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، التحديات التي تعوق تطبيق الأنظمة الزراعية الفعالة على أرض الواقع بسبب التغيرات المناخية وما يتبعها من آثار سلبية يصعب التحكم فيها.
ونوهت بتعدد التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في المنطقة، وتتمثل في ندرة الأراضي والمياه والنمو السكاني والتغيرات المناخية.
تحقيق الأمن الغذائي
توجد علاقة وثيقة بين إدارة النظم الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي؛ فإذا تمكنت الجهات والمؤسسات من تطبيق زراعة مستدامة، فمن المؤكد أنها بذلك ستوفر الغذاء لسكان الأرض، الذين أصبحوا في تزايد مستمر.
الأمانة العامة لجامعة الدول العربية تعمل على تعزيز جهودها لتحقيق الأمن الغذائي، وأضاف: "نحن في طور الإعداد للقمة الاقتصادية والاجتماعية التي ستشهد اعتماد الاستراتيجية العربية للأمن الغذائي"، كما أنهم يسعون إلى تحقيق الهدفين الأول والثاني من أهداف التنمية المستدامة: القضاء على الفقر والقضاء التام على الجوع.
كما أن وزارة الزراعة المصرية تعاونت مع برنامج الغذاء العالمي؛ لتمكين المجتمعات الريفية في مصر من مواجهة تغير المناخ. وقال د. علي حزين رئيس مجلس إدارة الجهاز التنفيذي لمشروعات التنمية الشاملة بوزارة الزراعة إن توحيد حيازات المزارعين يساعد على مواجهة التغيرات المناخية؛ لذا يتم تشجيعهم من خلال بناء محطات للطاقة الشمسية وتسوية الأراضي بالليزر، كما تم منحهم بذوراً عالية الإنتاج.
وأضاف حزين أنهم اعتمدوا بشكل كبير على جذب الجمهور الريفي من خلال "مسرح القرية"؛ إذ يقومون بتنظيم عرض مسرحي محلي يتناول قضايا التغيرات المناخية بشكل كوميدي؛ لكي يحاكي الأسرة الريفية، ويدفعها إلى اتخاذ خطوات جادة لحل الأزمة.
ولمواكبة التطور والوصول إلى كل الفئات العمرية والمجتمعية، أضاف حزين: "أطلقنا تطبيق الإنذار المناخي المبكر على الهواتف المحمولة ليتيح للمزارع إمدادنا ببيانات حول منطقته ومحصوله وتاريخ الزراعة وعمر المحصول، ليحصل على توصيات للتعامل مع الطقس المناسب للزراعة من حيث درجات الحرارة والرطوبة".
توصيات دعم صغار المزارعين
اختتمت أ. هدى البكر المدير التنفيذي للشبكة العربية للمنظمات الأهلية، المنتدى بتقديم توصيات عدة، تتضمن العديد من البنود الهامة، وعلى رأسها التوسع في تقديم برامج لتدريب صغار المزارعين حول الممارسات الزراعية المستدامة، من خلال ورش عمل وندوات ومزارع تجريبية ومدارس حقلية للتعرف على التقنيات المستدامة، بالإضافة إلى تشجيع المزارعين على تبني ممارسات تتسم بالكفاءة في استخدام الموارد المائية لتقليل الهدر، مثل الري بالتنقيط، والزراعة الدقيقة، وإعادة تدوير المياه.
وبالنسبة إلى المجتمعات الهشة، أضافت البكر أنه ينبغي دعمها في رحلة التكيف مع تغير المناخ من خلال تنفيذ نهج الترابط بين المياه والطاقة والغذاء والبيئة، استناداً إلى المعارف الزراعية المحلية.
كما سلطت الضوء على أهمية العناية بالنساء الريفيات ذوات الدخل المنخفض، اللاتي تعرضن للتهميش بسبب عدم المساواة بين الجنسين في الحصول على الأراضي والائتمان.