قبل انطلاق نسخته الثانية.. كيف يعزز المنتدى العربي للمناخ دور المجتمع المدني في جهود إنقاذ عالمنا؟


سلمى عرفة
الخميس 09 نوفمبر 2023 | 11:17 مساءً

عندنا يصبح عالمنا القديم على شفا جرف، وتصبح حياتنا مهددة بآثار التغيرات المناخية التي أضحى من المستحيل تجنبها بل يجب التعامل مع آثارها للحد منها والتكيف معها، تصبح الجهود المبذولة للتعامل مع الأزمة المناخية ذات قيمة كبيرة في ظل معركة عالمية بيئية تحت شعار "النجاة جماعية".

ومن هذا المنطلق ظهرت الحاجة لآلية مناخية عربية رائدة، حيث أطلقت الشبكة العربية للمنظمات الأهلية بدعم وشراكة برنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند" المنتدى العربي للمناخ، برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، رئيس "أجفند"، وبالتعاون مع شركاء إقليميين.

وانطلقت فعاليات النسخة الأولى من المنتدى التي أقيمت يومي 2 و3 أكتوبر 2022 في القاهرة، تحت شعار "معا لتعزيز إسهام المجتمع المدني في العمل المناخي والاستدامة" بهدف العمل على مواجهة تلك الآثار السلبية ولدعم المؤسسات التي يمكنها العمل معاً لتخفيف الأضرار التي لحقت بالمنطقة العربية، وسعياً للعمل على صياغة الدور الذي يمكن أن تلعبه مؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي، لمواجهة أزمة المناخ على صعيد التكيف، والتخفيف، والوصول إلى توصيات تعزز من إسهام هذا القطاع، إضافة إلى تقييم التحديات التي تقابله.

وعلى مدى العقود الماضية، غيرت الظواهر الناتجة عن التغيرات المناخية شكل الحياة في عالمنا العربي، فامتدت حرارة الصيف لفترات لم نعهدها، وطال الجفاف المزيد من الأراضي الزراعية، وارتفع منسوب مياه البحر الذي يحيط بالسواحل الطويلة لبلدان المنطقة، ما يهدد أكثر من 400 مليون عربي، يعتمد الكثير منهم على الموارد الطبيعية لكسب قوت يومهم.

وهو ما مهد الطريق أمام فعاليات النسخة الثانية المنتظر عقدها يومي 13 و14 نوفمبر الجاري في إمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، تحت شعار: "الزراعة المستدامة والأمن الغذائي: معا لتحقيق الصمود والمرونة والتنمية الاجتماعية لصغار المزارعين" والذي يتضمن جلسات عمل تناقش معضلة العالم في الوصول المستدام إلى أغذية آمنة ومغذية وميسرة التكلفة للعدد المتزايد من السكان، حيث يفتقر 800 مليون شخص حول العالم للحصول المنتظم على كميات كافية من الغذاء، بسبب التحديات التي تواجه صغار المزارعين، من بينها ضعف السياسة الزراعية، والصراعات، والصدمات الاقتصادية، والظواهر المناخية المتطرفة، كما أنه من المتوقع بحلول عام 2025 أن يزيد الطلب العالمي على الغذاء بنسبة 60%.

العمل المناخي.. التزام أخلاقي

وأشار صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، خلال كلمته في فعاليات النسخة الأولى، إلى الأخطار التي تواجه المنطقة العربية، قائلاً "أنه من المقلق حقاً أن دولنا العربية تعد من أكثر مناطق العالم عرضة وتضرراً من التغير المناخي، ومن هنا علينا أن ندرك أن العمل المناخي الفعّال أصبح التزاماً أخلاقياً مشتركاً من الجميع".

صاحب السمو الملكي تطرق أيضاً إلى إحصائيات التقرير السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "IPCC"، والتي كشفت أن ما يتجاوز الـ40% من سكان العالم يعيشون في أماكن وأوضاع شديدة التأثر بالتغير المناخي، وأن شخصاً واحداً من كل 3 أشخاص يتعرض للإجهاد الحراري القاتل، وأن قرابة نصف سكان العالم يعانون من ندرة المياه الشديدة في فترات مختلفة من العام.

وتحدث صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز آل سعود عن العلاقة بين الكوارث الطبيعية وتزايد وتيرة النزوح، حيث بلغ متوسط أعداد النازحين بسبب الكوارث المناخية أكثر من 20 مليون شخص سنوياً وفقاً لإحصاءات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومركز مراقبة النزوح الداخلي "IDMC".

الإنتاج الزراعي العربي في خطر

وبالتزامن مع تحديات الأمن الغذائي التي تواجه الدول العربية، كان لصغار المزارعين نصيب كبير من الفعاليات، إذ أكد الدكتور ناصر القحطاني المدير التنفيذي لبرنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند" أن "التمويل الزراعي صغير الحجم يعد أهم مفاتيح الحلول، لحالات اللامساواة والاستبعاد المالي، وارتفاع أسعار الغذاء، بجانب توفير إحياء الحيازات الزراعية في الدول النامية كاستثمار مستدام، وذلك للحد من هجرة أبناء الريف".

وتابع متحدثاً عن المخاطر التي يواجهها صغار المزارعين بأن "التقديرات تشير إلى أن هناك 500 مليون مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة في العالم، يدعمون ما يقارب ملياري شخص، كما أن 50% من الإنتاج الغذائي في المحيط العربي معرض لتأثيرات المناخ".

تهاون الدول الكبرى

الأستاذ الدكتور حسن البيلاوي، الأمين العام للمجلس العربي للطفولة والتنمية، ورئيس إدارة الشبكة العربية للمنظمات الأهلية أشار إلى مسؤولية البلدان العظمى في التدهور البيئي الذي حلّ بالأرض، بينما تعاني الدول النامية من الأضرار.

وقال إن "كارثة التغير المناخي تتسع، والدول الكبرى متهاونة.. رغم التشدق بشعارات حقوق الإنسان، وكانت ممارساتها في كل الميادين المتعلقة بالبيئة والمناخ، والحروب، كلها شكلت حزمة واحدة تهدد استقرار البشر في الدول النامية".

كما لفت الأمين العام للمجلس العربي للطفولة والتنمية إلى الفئات التي تعاني من آثار الأزمة، وهي الفئات الأكثر هشاشة مثل الأطفال، وكبار السن، والفقراء، الذين يعانون سوء العدالة الاجتماعية، لافتاً إلى أن "أكثر من 80% من هذه العناصر موجودة في الدول النامية الفقيرة".

استراتيجية مستمرة

فكرة انعقاد المنتدى لم تأت مصادفة وإنما كانت جزءاً من خطة متكاملة، وهو ما أكدت عليه هدى البكر المدير التنفيذي للشبكة العربية للمنظمات الأهلية، خلال كلمتها، بأن اهتمام الشبكة بملف التغيرات المناخية في هذا التوقيت مثل خطوة في المسار الذي انتهجته الشبكة، منذ مطلع عام 2019، حين أطلقت استراتيجيتها الخمسية 2019: 2023، تحت عنوان "التحول نحو نموذج تنموي عربي مستدام" يستند إلى نهج التنمية المستدامة وأجندة أهداف 2030، ويراعي خصوصية السياق العربي.

حضور مكثف

على مدى يومين، استمع حضور المنتدى الذي وصل عددهم إلى 350 شخص إلى مجموعة كبيرة من الخبراء والباحثين خلال 8 جلسات تناولت المحاور الستة للمنتدى التي شملت الجوانب المختلفة للأزمة، وسبل العمل على حلها، حتى تخطى عدد العروض المبتكرة 20 عرضاً.

وحمل الإطار العام لمحاور المنتدى عنوان "تغير المناخ.. مقاربة متعددة المستويات" وهو الإطار الذي يشمل النظر إلى الصورة الكبرى لقضية التغيرات المناخية، دون الاقتصار على الزاوية العلمية فحسب، بل باعتبارها ظاهرة ناتجة عن نظام اقتصادي عالمي قائم على التنافس على الموارد الطبيعية لكوكبنا.

تناول المحور الأول "تغير المناخ والاستدامة"، باعتبار التغيرات المناخية تهديداً لاستدامة الحياة على الكوكب بسبب الظواهر التي تخلفها بداية من ذوبان الجليد وارتفاع مستوى سطح البحر، ووصولاً إلى الآثار التي تلحق بالتنوع البيولوجي، وغيرها من الأضرار البيئية، كما شمل الممارسات المستدامة التي تساهم في مواجهة الأزمة، وتعزز صمود المجتمعات حيالها.

ثم يأتي لاحقاً "تغير المناخ والفئات الأكثر عرضة للخطر"، بالتركيز على الآثار التي تلحق بالفئات الهشة مثل النساء، والأطفال، وكبار السن، وذوي الإعاقة، علاوة على طرح الآليات التي تعزز قدرتهم على الصمود، والمرونة، لاسيما عند وقوع الكوارث الطبيعية.

لكن هناك فئة يضع الجميع آماله عليها في المساهمة في تغيير هذا الواقع وهي فئة الشباب التي يركز عليها المحور الثالث "تشجيع الابتكار لفائدة التكيف والتخفيف" في مواجهة أزمة التغير المناخي باعتبارهم الفئة الأكثر قدرة على ابتكار حلول، كما يشمل استعراض بعض الابتكارات الشبابية العربية.

أما المحور الرابع فيركز على "تغير المناخ والأنشطة الاقتصادية الهشة"، ويسلط الضوء على مجموعة أخرى من الفئات الهشة مثل العاملين في الصيد، وصغار المزارعين، ويطرح آليات لدعمهم، علاوة على استعراض مجموعة من التجارب التي نجحت مؤسسات الأهلية في العالم العربي من تنفيذها بخصوص هذا الأمر.

كما شملت المحاور "دمج المواطن والمجتمعات المحلية بالعمل المناخي"، ويشمل دور الكيانات الوسيطة بين الدولة والمواطن من بينها منظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، ومؤسسات التنشئة في رفع وعي المواطن العربي بظاهرة تغير المناخ وتداعياتها.

وركز المحور السادس على "دور التغيير المنظومي في التحول الأخضر"، ويشمل التحول في بنية النظام الاقتصادي نحو الطاقة النظيفة، والاقتصاد الدائري، والاقتصاد الأزرق، والتمويل الأخضر.