تجميع مياه الأمطار.. تقنية بيئية تفيض بالمنافع


فيروز ياسر
الثلاثاء 24 أكتوبر 2023 | 05:09 مساءً

منذ آلاف السنين، كان حصاد المياه نظاماً سائداً في مناطق الشرق الأوسط وآسيا؛ حيث تُجمع المياه من الأمطار لاستخدامها في الشرب والري خلال مواسم الجفاف، ولحماية إمدادات المياه الجوفية التي قد تنفد مستقبلاً في حالة الضغط عليها.

ووفق تقرير للأمم المتحدة، يعاني 4 مليارات شخص، أي ما يقرب من ثلثي سكان العالم، من ندرة المياه لمدة شهر واحد على الأقل كل عام.

وفي ظل توقعات أن يعيش أكثر من ملياري شخص في مناطق تواجه ندرة المياه بحلول 2025؛ ما يُجبِر نحو 700 مليون شخص على النزوح بحلول 2030؛ وذلك من جراء تغير المناخ وتلوث إمدادات المياه والكثافة السكانية؛ بدأت فكرة تجميع مياه الأمطار في استعادة شعبيتها مجدداً؛ إذ شهد عام 2020 إنفاق 6 مليارات دولار على تلك الأنظمة، ومن المتوقع أن تزيد بنسبة 4% بحلول عام 2027.

فوائد بيئية

ويساهم تجميع مياه الأمطار في تخفيف الضغط على شبكات الصرف الصحي؛ إذ يتطلب تشغيل محطات معالجة مياه الصرف كميات كبيرة من الطاقة، وقدَّر بحث حديث أن مساهمتها في انبعاثات الغازات الدفيئة تفوق النسبة المقدرة سابقاً بما يصل إلى 23%؛ بسبب وجود نسبة من الوقود والمواد الملوثة في المياه المحملة بمنظفات الغسالات والمواقع الصناعية ومنتجات العناية الشخصية، ومن ثم يساهم جمع مياه الأمطار في تقليل استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون.

بحسب موقع Eco Watch، يساهم تجميع مياه الأمطار في تقليل كمية مياه الجريان السطحي التي تجمع المبيدات الحشرية والمواد الكيميائية الأخرى، ويريح شبكات الصرف الصحي ويقلل نسب التلوث، التي يمكن أن تفيض في المناطق التي لا تستطيع التعامل مع حجم هذا الجريان.

وتعاني بعض المدن الأمريكية نقصاً في إمدادات المياه، ومشاكل تلوث الجريان السطحي، وكان الحل الأمثل احتجاز مياه الأمطار من أسطح المنازل لتوفير إمدادات المياه الصالحة للشرب والاستخدام، كما تستخدم بعض الأماكن أنظمة الأسطح الزرقاء التي تعمل على مواجهة الفيضانات.

ويقلل توفير مناطق لجمع المياه من اعتماد الفرد على مياه الصنبور التي تصل إليه من خلال قنوات تمديد تحت الأرض، ومن ثم يقلل البصمة الكربونية التي تستخدمها مرافق معالجة المياه.

سدود التخزين

وتواجه منطقة الشرق الأوسط عدة تحديات مناخية؛ حيث باتت غارقة في مشاكل مائية بعد أن كانت مورداً غنياً بالمياه؛ إذ أظهر مؤشر الجفاف تحولاً مثيراً للقلق في نمط جفاف بالعراق على مدى العقود السبعة الماضية؛ حيث جرى تصنيف 60% من الفترة بين عامي 2011 و2020 بسنوات جفاف، بينما كانت بقية الأعوام سنوات رطبة أو عادية؛ ما يشير إلى تفاقم الظاهرة.

يؤثر الجفاف بشدة على القطاع الزراعي في العراق، وهو ثاني أكبر مساهم في اقتصاد الدولة العربية، خاصةً أن نهري دجلة والفرات يعانيان انخفاضاً في كميات المياه المتدفقة بسبب مشاريع الطاقة الكهرومائية.

ووفق موقع منتدى سياسات الشرق الأدنى، فإن لسدود التخزين آثاراً سلبيةً على النظم البيئية رغم أنها وسيلة لتوفير مياه الري؛ حيث أدى مشروع جنوب شرق الأناضول في تركيا إلى عجز تدفق المياه في مجرى النهرين، كما أدت مشروعات السدود المحلية داخل العراق إلى جفاف الأهوار والبحيرات.

وبما أن تجميع مياه الأمطار من الوسائل التي أثبتت فاعليتها قديماً في الشرق الأوسط، فإنه يمكن إعادة إحياء هذا النظام مجدداً لتحسين نوعية التربة، والحد من مخاطر الفيضانات؛ حيث يعيش السكان بالقرب من الأنهار.

تحديات ومبادرات

ويعد الاعتماد على هطول الأمطار، خاصة في المناطق القاحلة الجافة، أمراً صعباً، كما تتطلب الأنظمة التي تستقبل المياه صيانة منتظمة؛ لأنها عرضة للقوارض ونمو الطحالب والحشرات التي تلوث المياه المحصودة، إضافة إلى التكلفة التي يتطلبها إنشاء نظام لتجميع مياه الأمطار في كثير من الدول.

غير أن هناك عدة مبادرات في مناطق مختلفة حول العالم حاولت تنفيذ الفكرة، كالجمعية العالمية لتجميع مياه الأمطار؛ فهي مشروع تابع لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة، يساعد على توفير مياه الشرب للمدارس التي تواجه نقصاً، ويستخدم أنظمة تجمع المياه على أسطح المدارس.

وفي الهند، تزود منظمة One Prosper (غير الحكومية) الأسر بالمرشحات وأنظمة تجميع المياه في صحراء طهار (شمال غرب)؛ حيث يقضي العديد من الأشخاص، ما يصل إلى سبع ساعات يومياً في محاولة جلب المياه من خارج المدينة لاستخدامها في الزراعة ومضاعفة إنتاجية المحاصيل.