كسفينة نوح، تعد الطاقة المتجددة سبيلاً مضموناً لإنقاذ اقتصاد دولة موريتانيا من تحمل تكلفة باهظة من جراء التداعيات الناتجة عن الكوارث المناخية.
وموريتانيا واحدة من أكبر دول غرب إفريقيا في المساحة وأقلها في التعداد السكاني، ورغم ما تملكه من موارد طبيعية هائلة من معادن وثروة سمكية، يعيش نحو 17٪ من سكانها تحت خط الفقر المدقع.
ووفق تقرير المناخ والتنمية الصادر عن البنك الدولي عام 2022، يسيطر الفقر على شريحة كبيرة من سكان موريتانيا بحلول عام 2050 بسبب الصدمات المناخية، إذا لم يتم اتخاذ تدابير فورية للتكيف مع المناخ.
وجوه الأزمات
الأكثر قراءة
ويسود موريتانيا مناخ صحراوي؛ إذ تشغل الصحراء الكبرى مساحة كبيرة منها؛ لذلك تعتبر من أكثر الدول المعرضة بشدة للتصحر والجفاف.
وتفرض الكوارث الطبيعية تحديات يواجهها السكان تتمثل في الشح المائي، وانعدام الأمن الغذائي، وتدهور الأراضي الزراعية من جراء التناوب بين الفيضانات الشديدة وموجات الجفاف.
وتعاني أكثر المناطق هشاشة في موريتانيا من تأثيرات التغير المناخي وتلوث المياه والفقر، وهو ما يترتب عليه تفشي أمراض سوء التغذية وأمراض الجهاز الهضمي، لا سيما لدى الأطفال والأمهات.
وخلال الصيف الحالي، تعرضت بعض المناطق الواقعة على ضفاف نهر السنغال (جنوب موريتانيا) لفيضانات، أودت بحياة عشرات الأشخاص، فيما تضررت أكثر من 1600 أسرة، حسب تقرير المركز العربي للاستعداد للكوارث (التابع للمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر).
وفيما يتعلق بحالة انعدام الأمن الغذائي بالبلاد، ذكر تقرير الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر لعام 2023، أنها تحولت إلى ظاهرة مثيرة للقلق بشكل متزايد منذ العقد الماضي؛ حيث تستمر الأزمة الغذائية خلال مواسم هطول الأمطار الغزيرة.
ومن المتوقع أن يصل عدد السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي هذا العام إلى نحو 694 ألف شخص؛ أي 16٪ من إجمالي سكان موريتانيا البالغ عددهم نحو 4.5 مليون نسمة.
الخروج من النفق
وأشار تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2023، إلى أن الاقتصاد الموريتاني يتحمل تكلفة كبيرة من جراء تداعيات الكوارث المناخية؛ حيث ينخفض معدل نمو نصيب الفرد سنوياً على المدى المتوسط بنحو يتراوح بين 0.8 و1 نقطة مئوية، ويكون الأشخاص الأكثر تضرراً من ذوي الدخول المنخفضة؛ لأنهم يعتمدون بشكل غير متناسب على الموارد الطبيعية.
ورغم ذلك أكد التقرير الدولي إمكانية خفض التكاليف الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية من خلال التوسع في استخدام الطاقة الكهربية؛ حيث تستطيع الكهرباء خفض الخسائر الاقتصادية الناجمة عن موجات الجفاف إلى النصف تقريباً.
كما تساعد الكهرباء في التخفيف من تداعيات ندرة الأمطار عن طريق تشغيل أنظمة الري بالطاقة في المناطق الزراعية والرعوية والمساعدة في تطوير الزراعة المستدامة القادرة على مواجهة الكوارث.
فيما تلعب الطاقة دوراً مهماً في تشغيل مضخات الآبار العميقة؛ ما يوفر المياه العذبة في المناطق النائية، وخاصة أن موريتانيا تملك عدداً من طبقات المياه الجوفية العابرة للحدود أو التي تتشارك فيها مع دول أخرى ومنها الجزائر والمغرب.
وبحسب أحدث إحصاء رسمي، فإن 47٪ فقط من الموريتانيين يحصلون على الكهرباء بالحضر، ونحو 5٪ فقط في الريف؛ الأمر الذي يستدعي تعزيز دور الطاقة المتجددة، لا سيما في ظل إمكانات البلاد في مجال موارد الرياح والطاقة الشمسية.
ويمثل الوصول إلى الطاقة هدفاً استراتيجياً لدولة موريتانيا، رغم التحديات التي تواجه دمج الطاقة المتجددة؛ إذ تعمل الحكومة على توسيع إمداداتها من الكهرباء وتشجيع الاستثمار في قطاع الطاقة النظيفة، من أجل توصيل الطاقة إلى معظم مناطق البلاد بحلول 2030، وفق صندوق النقد الدولي.
كما تتعاون موريتانيا مع الاتحاد الأوروبي في مشروع بهدف تعزيز التحول في مجال الطاقة ومساعدتها على تطوير الحصول على الكهرباء النظيفة بأسعار مناسبة؛ حيث متوقع أن يخدم هذا المشروع مناطق في جنوب شرق البلاد للوصول إلى مصادر طاقة مستدامة بأسعار مناسبة.